المرأة في عيون الذكر العربي / ناجح شاهين

 

ناجح شاهين ( فلسطين ) السبت 24/12/2016 م …

شاهدت مثلكم جميعاً الإنسان/الذكر الذي أرسل ابنتيه للموت. خطر ببالي إن حقاً أو باطلاً: هل كان سيرسلهما لو كانا ولدين؟ هل هناك احتمال أنه فكر اصطياد عصفورين بحجر واحد؟ بمعنى أن يقوم بواجب الجهاد، ويؤمن لهما “السترة” الأبدية.

أثار السؤال في ذهني الأشكال المختلفة التي تتقمصها المرأة العربية في ثقافتنا التي لم تصل مرحلة الحداثة أبداً. من المعروف أن التصنيع الرأسمالي أدى دوراً كبيراً في تحول مكانة المرأة ودورها. نحن لم نصل في أي بلد عربي الى هذه اللحظة، فما زلنا نعيش ثقافة تقليدية تتعايش في انسجام مع كلشيهات الليبرالية. هذه الثقافة تنظر للمرأة بحسب السياق كما نوضح فيما يلي.

المرأة بوصفها أماً يجب أن تكون طاهرة ونقية ومتعالية على الشهوات وكل ما يتصل بالأنوثة. لا بد أن الولد يحب أن يفكر أن ولادته قد تمت بدون أفعال شهوانية تسيء الى قداسة أمه وترفعها عن أفعال الجسد. لا ضير بالطبع من أن تكون الأم جميلة على نحو رومانسي سماوي يترفع عن دنس الأرض.

أما المرأة بوصفها أختاً فحبذا أن لا تكون جميلة كي لا تكون موضوعاً للحب والشهوة والإعجاب من قبل الأولاد الآخرين. الأخت التي لا تلفت نظر الشبان هي مكسب صاف للأخ، لأنها لن تكون موضوع اشتهاء من الأولاد، ولا بد أن معظم الأولاد لا يطيقون التفكير في أخواتهم بوصفهن كائنات مستهدفة بالشهوة من قبل أقرانهم الذكور. هنا لا بد أن الأولاد الذين لا أخوات لديهم يمكن أن يكونوا محظوظين بالفعل.

تأتي الزوجة التي عليها أن ترقص رقصة مستحيلة تقريباً: بالطبع الزوجة يجب أن تكون جذابة وشهية وجميلة، وإلا فإن الرجل ما كان ليفكر بالزواج منها. ولكنه يريد أن يجد طريقة كي يخدع الذكور الآخرين كي لا يشتهوها، فهي يجب أن تكون فاتنة، ولكن دون أن تتعرض لاشتهاء الاخرين، وربما يفسر ذلك “الحرملك” الذي ساد في فترة معنية من تاريخنا.

هناك فارق بين عيون الذكر الأب والذكر الأخ، ذلك أن الأب يريد أن تكون ابنته “مستورة”. هو لا يريد أن يفكر فيها بوصفها موضوعاً للاشتهاء، ولكنه مع ذلك يريد أن تكون “ماشي حالها” جمالياً لكي تتزوج، فالزواج “سترة”. الأخ على الأغلب خصوصاً في سن المراهقة المبكرة لا يريد حتى هذه السترة.

أخيراً هناك المرأة التي لا “تخصنا” التي يفضل أن تكون سهلة تستجيب لمغازلتنا، بحيث نتمكن من إغوائها، وهذه المرأة لا يهم أن تكون عزباء أو متزوجة، ذلك أن النساء “الغريبات” جميعاً موضوع للإغواء، ويفضل أن يكن شيطانات عابثات لعوب كيما نتمكن من نيلهن بسهولة.

الرجال كلهم تقريباً يريدون المرأة في هذه الأدوار المختلفة المتضاربة، وهكذا يقع على المرأة عبء شديد في تلوين نفسها حسب اللحظة التي تمر بها: عليها أن تمثل الأدوار المتناقضة التي تطلب منها. كيف تكون المرأة المسكينة إنسانياً عادياً وسوياً مكتملاً عاطفياً وذهنياً في مثل هذا السياق المتخم بالتناقضات التي لا حل لها؟

كان الله في عون المرأة في هذه البلاد التي تريد من المرأة أن تكون مربية فاضلة وأما رؤوماً وملاكاً لا مشاعر جسدية لديه، وأنثى مغرية ولعوباً …الخ كل ذلك في وقت واحد.

يزداد الطين بلة للأسف بسبب الجهود النخبوية الليبرالية التي تقدم امرأة من نوع خاص في فنادق الدرجة الأولى. هنا يمكن الكلام عن نسباوم وجوديث بتلر وكاثلين ماكينون وفوكو والجنسانية من ضمن أشياء أخرى. بالطبع لا يتحقق شيء في مستوى عالم القرى والأحياء الفقيرة المكتظة والمخميات وخيام البدو، يظل عالم داعش هو العالم الوحيد في تلك الجهة من العالم. ولذلك ليس في نيتنا التهرب من الاستنتاج بأن التحرر من الاستعمار العالمي، والتصنيع، وإزاحة الطبقة التابعة للثقافة الغربية هي وبناء الأمة العلمانية القوية بنسيجها الاجتماعي واقتصادها وجيشها هي شروط أساس لتغير وضع المرأة أيضاً، لن تختلف أدوار المرأة التقليدية ما لم نهزم الثقافة التقليدية كلها والسياق الاقتصادي الاجتماعي الذي تخدمه ويعيد إنتاجها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.