إنطلاقات متعددة على طريق التحرير..والتسوية / محمد جبر الريفي
محمد جبر الريفي ( فلسطين ) السبت 24/12/2016 م …
تتوالى احتفالات ومهرجانات واستعراضات تنظيماتنا السياسية الفلسطينية من حركات وجبهات في كل عام في مثل هذه الأيام بذكرى انطلاقاتها المجيدة التي بدأت منذ الانطلاقة الأولى الرائدة للثورة الفلسطينية في الاول من يناير عام 65 من القرن الماضي والتي رفعت شعار نضالي وطني ناظم هو تحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني وإقامة دولة فلسطين الديموقراطية على كامل التراب الوطني.
وقد التف حول هذا الشعار الوطني كل الشعب الفلسطيني في كافة تجمعاته في الوطن وفي أماكن اللجوء والشتات في العالم خاصة في بلدان الطوق العربية المجاورة التي احتضنت الثورة منذ ايامها الأولى …
ومع تقدير شعبنا الفلسطيني المناضل الذي مازال يدفع فاتورة التحرير منذ ما يقارب من ثمان و ستين عاما على تاريخ النكبة وإقامة الكيان الغاصب ومشاركته الواسعة في كل هذه الاحتفالات التي أصبحت للأسف مناسبة للتنافس على أي من هذه التنظيمات الأكثر شعبية في الشارع الفلسطيني ..
نقول.،مع تقدير شعبنا لهذه الظاهره النضالية التي ولا شك نفتخر بها باعتبار أن كل ذكرى الانطلاقات هي في مجموعها الوطني والإسلامي إرث نضالي تاريخي يجب الاحتفاظ فيه والاحتفال به ، إلا أن من الواجب مع ذلك طرح هذه الأسئلة :
إلى متى سيظل شعبنا الصابر الذي يعاني منذ أكثر من نصف قرن من شتى أنواع القمع الصهيوني من قتل بارد واعتقال ولجوء ومصادرة للأرض وتهويد للمقدسات وشن حروب متكررة. ؟..
إلى متى سيظل مشغولا كل عام بالاحتفال بذكرى إنطلاقات فصائله السياسية المتعددة التي أصبحت في هذه المرحلة مجرد استعراض وقياس لنسب حجم الجماهير الشعبية الملتفة حولها ؟؛
اما حان الوقت لحركة التحرر الفلسطينية أن تنتصر كما انتصرت حركات التحرر الوطني في كثير من بلدان العالم التي رزحت تحت حكم الاستعمار وعند ذلك يكون لهذا الانتصار عيده الوطني الفلسطيني الواحد البعيد عن مظهر التعدد ؟
.. أم أن انتصار هذه الحركة الوطنية الفلسطينية في نضالها العادل ضد الكيان الصهيوني سيبقى مرهونا ولمدة طويلة غير محددة بهزيمة الصهيونية والإمبريالية وتحقيق التحول الديموقراطي في النظام العربي الرسمي بما فيه النظام السياسي الفلسطيني ذاته ؟
أسئلة تطرح باستمرار باتت تتطلب إجابات تستدعيها طيلة المدة التي قطعتها التجربة النضالية الفلسطينية حتى الان دون تحقيق أي هدف رئيسي من أهدافها.
فلا الأرض المغتصبة منذ عام 48 قد تحررت حتى ولو في مقدار مساحة شبر واحد ولا تم انسحاب جيش الاحتلال من الضفة الغربية ولا عودة الاجئين إلى ديارهم المغتصبة قد تحققت ولا الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقيه قد أقيمت.
فلماذا اذن هذه الحماسة الزائدة وهذه العجلة والبهرجة الإعلامية الصاخبة في إقامة هذه الاحتفالات والمهرجانات التي تنفق عليها أموال طائلة كان يجب أن تنفق على الفقراء من الشعب من عمال كادحين أغلقت أمامهم أبواب الرزق من كل اتجاه اوعلى الخريجين من الجامعات والمعاهد العليا العاطلين عن العمل الذين تسحقهم ظاهرة البطالة وبيروقراطية وعجز النظام الإداري أو على الأسر المدمرة بيوتها و التي أصبح اعادة إعمارها رهينة في ظل ما يسود النظام السياسي الفلسطيني من تجاذبات سياسية و مناكفات إعلامية مستمرة وعزوف وتردد الدول المانحة عن الإسراع في تحقيق وعودها … ؟
ثم ألا يمكن تأجيل إقامة هذه الاحتفالات و الانتظار حتى يحقق النضال الوطني الفلسطيني اهدافه المنشودة أو حتى البعض منها كاقامة الدولة الفلسطينية المستقله عبر تسوية عادلة كما يأمل شعبنا قريبا نتيجة الحراك السياسي الفسطيني الحالي الذي يكسب المزيد من التعاطف الدولي وعند ذلك تكون اقامة هذه الاحتفالات والمهرجانات والاستعراضات في ذلك الوقت لها مصداقيتها وقيمتها النضالية التاريخية عند الجماهير ؟
لقد مضى على انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة الان ما يقارب من نصف قرن بهدف تحرير فلسطين كل فلسطين التاريخية وانتهت الآن بالمطالبة عبر المفاوضات السياسية وعبر الأمم المتحدة باسترجاع 22 % فقط من مساحتها الجغرافيه وانطلقت من برنامج وطني قومي يربط النضال الفلسطيني بالبعد العربي دون أن تهمل الخصوصية الفلسطينية كطليعة أولى وأداة رئيسية في معركة التحرير لكنها وصلت في النهاية إلى برنامج سياسي قطري على توافق تام مع معطيات الواقع العربي الراهن المتسم بالتجزئة السياسية والتخلف والتبعية وبذلك استبدلت برنامجها الاستراتيجي بالبرنامج المرحلي الذي يتعثر الآن بسبب طبيعة الكيان الصهيوني العنصرية العدوانية المدعوم بالموقف الأمريكي وبهذه النتيجة التي وصلت اليها اعفت كذلك وهذا هو الأخطر النظام العربي الرسمي من دفع ضريبة التحرير بل إن بعض اطرافه تامر على الثورة بحجة السيادة الوطنية وتخلخل التركيبة الديموغرافية بدلا من دعمها بالرجال والسلاح والمشاركة الفعالة في معاركها .
ومع أن المشروع الصهيوني العنصري له منذ بدايته حاضنتة الاستعمارية الإمبريالية تجسدت أولا في بريطانيا بحكم كونها دولة الانتداب و متجسدة الآن بشكل رئيسي بالدعم الأمريكي السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يجعل من موازين القوى مختلة دائماً لصالح كيانه الصهيوني العدواني.
ومع الإدراك بأن الظروف التي تحيط بالنضال الوطني الفلسطيني هي موضوعيا أصعب واعقد بكثير من الظروف التي واجهتها حركات وطنية أخرى إلا أن هذا لن يعفي من الحديث عن أوجه التراجع السياسي في بعض نواحي هذه المسيرة الكفاحية المجيدة مع الأخذ بالاعتبار ما أنجزته هذه التجربة النضالية العظيمة من مكاسب على الصعيد السياسي بإبرازها للهوية الوطنية الفلسطينية من محاولات الطمس التي تعرضت لها ومن وضع القضية الفلسطينية على سلم خارطة الاهتمام الدولي باعتبارها قضية تحرر وطني بعد أن كانت تطرح في المحافل الدولية على أنها قضية لاجئين اغتصبت ديارهم ..
التعليقات مغلقة.