مصيبة فلسطينية …؟ / د.هاني العقاد

 

د. هاني العقاد ( فلسطين ) الأربعاء 18/2/2015 م …

 

لا يبدو من المشهد الاولى لطبيعة الترحاب بوفد اللجنة التنفيذية  الذي قد يتوجه الى غزة أن أحدا مازال لديه شهية للمصالحة الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية اكثر من شهيته  لضمان مستقبل حزبه في تلك الحكاية التي باتت غير مقبولة لكل صغير وكبير وحتى فاقد للوعي السياسي ,ولا يبدو أن وفد منظمة التحرير الفلسطينية قد يحقق انجازا ما على صعيد انطلاق مسيرة المصالحة نحو استعادة الوحدة الوطنية  لان الاجواء ملبدة بجملة من الاختلافات بسبب ان الكل يبحث عن ذاته في تلك المأساة ولا يبحث عن المصلحة الوطنية بالقدر الذي يعنيه اجندته الداخلية , ولو سلمنا فرضا أن الحرص على الشعب وقوته وقوت أبنائه يدفع البعض لوضع شروط مسبقة امام الوفد فإننا نفهم أن هناك تفاهم على استيعاب الدولة لكل الموظفين دون التميز بينهم بسبب مرجعية المشغل او انتمائه السياسي او الظروف التي سادت  عند تشغيل هذا المواطن واستخدامه بديلا لمواطن اخر على خلفية النزاع الفصائلي الذي وقعت البلاد ضحيته قبل ثمان سنوات من الان .

كلما تعمق الانقسام وتجذرت الخلافات الفلسطينية اخذ الخلاف  يتجسد في   شكل صراع على  السلطة والحصول على مراكز سيادية فيها  ,وبالتالي بات النزاع والاختلاف مع حكومة السلطة الفلسطينية هذا اساسه وعلى خلفيته يتم  رفض كل برامجها التي تقودها على  مستوي السياسات الداخلية او السياسات الخارجية الرامية لإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية باعتبار السلطة وليدة منظمة التحرير الفلسطينية وهي  الجسر الذي يجب أن يمر عليه الجميع نحو الدولة المستقلة وعاصمتها القدس , وهذا ما يجعلنا نؤكد اننا  امام مصيبة كبيرة وقاسية تمس بالكل الفلسطيني وليس فتح وحماس بل كل الوان الطيف الوطني وتجعلهم امام خيارين اما أن ينقذوا الفلسطينيين من  متاهات الانقسام ويستعيدوا وحدتهم او يلبسوا السواد ويلطموا الخدود على اضاعة كل قضايا الوطن وثوابته  لان الواضح من الخلاف انه لم يعد خلاف يتعلق بأمور اجرائية  داخلية  كالموظفين الذين ستحل قضيتهم ان كان اجلا او عاجلا او قضايا خلافية اخري , قد تكون قضية الموظفين الورقة التي تتواري خلفها حركة حماس الان وعند حلها سوف تظهر اوراق اخري ترمي في طريق المصالحة النهائية كالمعابر وعودة موظفي السلطة وترك الحكم بعيدا عن مبدأ المشاركة على اساس الاتفاقات والتفاهمات السابقة  .

إن الرغبة في حل الانقسام وانهائه بات يحتاج الى نضج سياسي كبير يستطيع الطرفين معه تخطي كل تلك العقبات المزعومة والوصول الى اتفاق لا يحتاج الى اتفاقات بل يكون بقبول حركة حماس ترك الحكم والسيطرة على كافة مؤسسات القطاع المدنية والامنية والقضائية ولا مانع من تمثيل الحركة في الحكومة بمن ينوب عنها من شخصيات غير فصائلية وبالتالي دخولها الحكومة بشكل او بأخر, لذا فإن البعض يعتقد  أن هناك في جعبة حماس مشروع كبير يعتبر البديل  عن المشروع الوطني  الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية وهذا المشروع  قد يشكل لرؤيا لحل مؤقت الى حين التمكن من تحرير فلسطين التي سيعتبرها المشروع المرحلة القادمة بعد اقامة دولة فلسطين في غزة وهذا المشروع بالطبع يعهد  تنفيذه  فقط الى المقاومة المسلحة باعتبارها الحل الوحيد لتحرير الارض المحتلة ,  لعل خطورة هذا المشروع إن وجد او كان في المخطط الاستراتيجي لحماس خطر داهم وكبير يعني أن تبقي فلسطين مقسمة الى الابد ويعني انهيار المشروع الوطني وتحجج العالم بعدم وحدة التمثيل السياسي المطالب بالحقوق والانصاف الدولي وهذا يعني أن ينال اليهود من ما تبقي من ارض العام 1967 لأعاقه قدرة الفلسطينيين على اقامة دولتهم وتواصلها الجغرافي .

المصيبة بعينها أن يمنح الفلسطينيين اسرائيل الطرق والاساليب التي تساعدها على تنفيذ مشاريع الدولة اليهودية وتقسيم المناطق الفلسطينية الى كانتونات تواصلها ديموغرافيا  يكون بيد اسرائيل وتصاريحها العنصرية وينقذ اسرائيل من تنفيذ حل الدولتين والالتزام بقرارات الشرعية الدولية ومرجعياتها, هذه مصيبة فلسطينية بامتياز فكلما اقترب المنقسمين من إنهاء الانقسام واتفق الكل الفلسطيني  على هذا بأي ثمن  ظهرت على السطح خلافات اكبر واكبر وتسابقت الاتهامات من كل طرف بأنه المعوق للمصالحة الشاملة واستعادة الوحدة وتولى حكومة الوفاق الحكم في غزة والضفة على السواء, المصيبة اليوم اكبر باعتبار أن الانقسام هو المعوق لإعادة اعمار غزة وتيسير الحالة الاقتصادية والحد من الظواهر المدمرة كالبطالة المتفشية بسبب الحصار والانغلاق السياسي وارتفاع مستوي الفقر بين الاسر الغزية بالتحديد الى مستوي تنذر بكارثة اجتماعية , وتحسين الظروف الامنية التي بدأت تنذر بواقع مخيف في غزة ,  اليوم امام المنقسمين فرصة كبيرة من خلال السماح لوفد  اللجنة التنفيذية بالقدوم الى غزة دون شروط ودون مبررات ودون خلق ازمات وعوائق في طريقه, وعلى المنقسمين وخاصة حماس التي مازالت تحكم غزة  تلين موقفها بخصوص كافة الملفات الخلافية وتسليم الحكم  للحكومة وتمكينها من العمل وتنفيذ برنامجها الوطني ومنحها كل التسهيلات  التي تمكنها من انهاء تلك الملفات بما يحفظ كرامة وحقوق كل المواطنين بغض النظر عن انتمائهم السياسي او الفصائلي ,وعلى تلك الفصائل التي تعتبر نفسها البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية التراجع عن هذه الافكار التي لا تخدم الفلسطينيين ومعارك التحرر في شيء وعليهم القبول بالعمل تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية والدخول في كامل هيئاتها ومؤسساتها لتبقي الراية الفلسطينية واحدة وتقبي الكلمة الفلسطينية واحدة ويبقي المشروع الوطني هو الهدف الاول والاخير  تتبني تنفيذه استراتيجية وطنية يتفق عليها الجميع تنهي الاحتلال وتسقط  مخططاته وتحقق الهدف الوطني الكبير. 

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.