التعليم في سورية: إنجازات مضت…وتحديات مقبلة ! / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 27/12/2016 م …

مدارس سورية محط إعجاب, في صمودها في وجه الأزمة الحالية، طلاب تحيط بهم أصوات الرصاص من كل اتجاه، لكنهم لا يسمعونها، يسمعون فقط صوت الإصرار والصمود والطموح، من دون أن يأبهوا بالدمار الذي لحق بالمدارس والتفجيرات التي طالت المراكز التعليمية، لأنهم يدركون أن بناء الوطن وإنتصاره على الأعداء لن يكون إلا من خلال المؤسسات التعليمية والصروح العلمية الشامخة.

منذ بدايةالأزمة السورية نال القطاع التربوي حصته من المشاكل التي تعاني منها سورية, ناهيك عن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية لهذا القطاع فقد إستهدفت المدارس في بعض المناطق بالعمق، ووصلت الأضرار في بعض المؤسسات إلى حد التدمير الكلي، والهدف هو شل التعليم بشكل كامل وتتويه الأجيال وإجبارهم على التوجه إلى حقول إنتاج الإرهاب، والدليل هو أن الجماعات المتطرفة وأخواتها استخدمت أكثر من طريقة للوصول إلى ذلك من خلال ضرب مئات المدارس في مختلف المحافظات بقذائف الهاون وتحويل الكثير منها إلى ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة وأماكن تدريب مسلحين تابعين لها، وكذلك بث روح الرعب والخوف في نفوس الطلاب المطالبين بالعودة إلى المدارس، وبالتالي جعل المدارس أهدافاً مباشرة لها وهو الأمر الذي أدى إلى منع بعض أولياء الأمور لأبنائهم من الذهاب الى المدارس خوفا من قذائف الغدر المستمرة، كما تجلت مشكلة التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة التي قامت بحذف العديد من المواد بحجج مختلفة, بين مخالفتها للشريعة الإسلامية او عدم أهميتها, بالإضافة الى إدخال ثقافة غريبة على أهالي تلك المناطق, وعملها على أدلجة التعليم, عملاُ على تهيئة بيئة حاضنه بين جيل الشباب ليكون جاهزاُ للإنخراط مستقبلاُ في مشاريعها التي تسعى الى تطبيقها في تلك المناطق.

بالرغم من كل ذلك قامت وزارة التربية بجهود حثيثة للتخفيف من آثار الأزمة، متحدية الحرب التي فرضت نزوحاً في العديد من المحافظات، إذ عملت على شيئين أساسيين، الأول تقديم الخدمات المساندة للتعليم من خلال توفير مختلف التجهيزات التي تحتاجها كل مدارسها لإتمام سير العملية التعليمية إلى جانب تأهيل المعلمين والمعلمات، والثاني يتعلق بخدمة التعليم نفسه، من خلال خطط تصدرها للمعلمين والمشرفين لتقديم التعليم داخل الفصول الدراسية، والمتابعة، والعمل على تأهيل المدارس المتضررة، وإضافة غرف مسبقة الصنع للمدارس لاستيعاب الطلاب المتسربين أو النازحين، وافتتاح عدد من النوادي المدرسية لتقديم الدعم النفسي للطلاب نتيجة لما يعانيه التلاميذ نتيجة الأعمال الإرهابية والخوف من الذهاب إلى المدرسة، وإعداد البرامج اللازمة لتعويض الدروس الفائتة في المدارس التي توقف فيها الدوام كلياً أو جزئياً وإقامة دورات تقوية للطلاب المنقطعين عن المدارس، بالإضافة الى تقديم تسهيلات التسجيل للطلاب الوافدين من دون شروط ووضع أنموذج سبر المعلومات يخضع له الطلاب الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية ، كما تم التساهل بالنسبة للباس الرسمي مراعاة الظروف الإقتصادية لأسر الطلاب، مع جعل كثير من المدارس ذات دوام نصفي وإصدار تسهيلات بإجراء تحديد مركز العمل للعاملين والمعلمين في جميع المحافظات، وحرصت الوزارة عبر قتاة “التربوية السورية” على إرشاد طلاب التعليم الأساسي والبكالوريا إلى مناهجهم بأساليب مبسطة، ودروس دورية عبر الشاشة، كما أقامت دورات مكثفة صيفية بالتعاون مع اليونيسيف، وعملت على إعداد وتأليف المنهاج المكثف للفئة (ب) بحيث يستطيع المتعلم إنجاز صفين في عام واحد في مرحلة التعليم الأساسي، بالإضافة الى الإستمرار في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتطوير العملية التربوية بعد أن تمت إعادة النظر في مفردات المناهج لمختلف المواد الدراسية ومختلف المراحل للعمل على تحسين جودة النظام التربوي بمدخلاته للوصول إلى مخرجات تواكب معطيات العصر ومتطلباته والتنمية الوطنية المستدامة، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الوزارة لم يغب عن بالها ضرورة وصول التعليم إلى المناطق المتضررة جراء الأعمال الإرهابية للمجموعات المسلحة وذلك عبر تعاونها مع منظمة اليونيسيف لتلبية حاجة المناطق الأكثر تضرراً وإحتياجاً،هذا فضلا عن توزيع أكثر من مليون حقيبة مدرسية على جميع المحافظات دون إستثناء، في هذا الإطار يمكنني القول إن وزارة التربية إستطاعت ان تقطع السبيل على جميع الأعداء الذين كانوا يراهنون على شلّ الحركة التربوية والتعليمية في سورية وعدم قدرتها على متابعة الدراسة في ظل جميع هذه الظروف الإستثنائية.

بالرغم من كل ذلك لا تزال هناك تحديات ماثلة أمام عودة العملية التعليمية الى مسارها السابق، منها إخلاء بعض المدارس من الأسر التي تتخذ منها سكناً بعدما فقدت منازلها أبان الحرب، علاوة على ذلك، لم تتوقف تأثيرات الحرب على الأضرار المادية، بل تركت أثراً نفسياً، على التلاميذ والمعلمين على حد سواء، إذ أُجبّرت الكثير من الأسر على ترك منازلهم في بعض المناطق، والإنتقال الى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان، الأمر الذي يفرض على الطلاب النازحين التكيف مع واقع جديد في مناطق النزوح واللجوء، كما أن الوزارة بحاجة ماسة الى إعادة تأهيل التلاميذ نفسياً للإلتحاق مجدداً في التعليم، فهناك من فقد أباه وأخر أفراد من أسرته، فضلا عن الصدمات النفسية التي أصيبوا بها، جراء قصف بعض المدارس والمناطق المكتظة بالسكان بقذائف الهاون، وفي هذا الصدد أصبحت عملية الدعم النفسي الذي تبنته وزارة التربية مؤخرا بالتعاون مع مختلف المنظمات المحلية والدولية المتخصصة في هذا المجال ضرورة ملحة للطلبة لضمان تغلبهم على الآثار المترتبة للأزمة وخلق روح إيجابية للتعلم والعطاء والمثابرة والاجتهاد بعيدا عن العزلة والانطواء أو ترك التعليم نتيجة حالات القلق والإضطراب.

مجملاً……في دولة مثل سورية هي شريان نابض بالعلم ومهد الحضارة، وهي منبع كل العلوم وهي أرض الأدباء والمفكرين فكان من الطبيعي أن تستمر في تنفيذ خططها التربوية لمواجهة الأزمة بتأثيراتها السلبية، لذلك نتمنى أن تكون بداية عام 2017 هي بداية الخلاص من الإرهاب بكامل أشكاله وطرد الجماعات المتطرفة وأتباعها من جميع المناطق السورية، لنتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وبإختصار شديد يمكنني القول إن ما شهدته سورية عبر ست سنوات من الحرب جعل من منصة التعليم رهاناً قوياً يساهم في تخليص سورية من الآثار والتداعيات المترتبة للأزمة والمضي بمجتمعها نحو ضفة الأمان والأمن والبناء والمنجزات.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.