واشنطن تُسلّح, أردوغان يغرق في الباب, الأستانة بوابة السلام

 

الأربعاء 28/12/2016 م …

المهندس ميشيل كلاغاصي

مقدمة..(صمود ٌ لست سنوات, أفقد واشنطن الكثير من أدواتها و مقدّراتها في متابعة الحرب على سورية , ومعجزة تحرير حلب أكبر من الحديث عنها بالكيلو متر, فيما تختار تركيا لحظة إنعطافها نحو أهدافها, وتضع إدارة أوباما على سرير الإنعاش السوري– الروسي– الإيراني, في وقت ٍ نجحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في توريط وزجّ أردوغان وقواته العسكرية غير المؤهلة في أتون المواجهة المباشرة مع أعدائه , وأوقعته في فخ ِ سهولة قتاله داعش في جرابلس لخدمة واشنطن, واستحالة فوزه في الباب ومنبج في خدمة أنقرة !.. وأصدرت قرار التسليح الصاروخي وأوقعت نفسها فريسة البحث عمن يستحقون ويتوحدون في سراديب الفانتازيا مجددا ً, قرارها مهزلة, أو خدمة وفرصة أو امتحان لترامب ليكون ترامب , أو ليكون نسخة ً ثانية لأوباما).

– بعد أن استطاعت الدولة السورية وحلفائها حسم معارك الكليات العسكرية في مدينة حلب , وإحكام قبضتها على كافة المجموعات والفصائل الإرهابية في أحيائها الشرقية , قرأت واشنطن وحلفائها هزيمتها الأكيدة , وخاضت معركتها الإنتخابية الرئاسية على إيقاع طبول النصر الحلبي , وتضعضع غالبية الأساسات التي اعتمدتها في سنوات الحرب الماضية , وبات تحرير حلب مسألة وقت , وتأكدت من شللها للحؤول دونه , عدا ما من شأنه تأخير العملية لكسب الوقت لحين تسليم الدفة للإدارة الجديدة , و بإحتواء و تخفيف منعكسات الهزيمة ومنع الإنهيار الحاصل في صفوف فريقها المتداعي أصلا ً بعد عام ٍ كامل لإنطلاقة الحسم العسكري لسورية وحلفائها.

– كان لا بد لها من التراجع المحسوب بعيدا ًعن الميدان, لتستعمل أوراق رصيدها السياسي, فكان من البديهي إيقاظ المبعوث ديمستورا بعد سبات ٍ طويل , لإحياء جولة مفاوضات ٍ جديدة علّها تعوّض خسائرها الميدانية.. لكن حليفها السعودي بات يقف على حافة الإنهيار, وفضّلَ الإعتراف بالحل السياسي وبقبول بقاء الأسد , أما حليفها التركي صاحب الوزن الأكبر ففضّل المقامرة والإنعطاف نحو مصالحه ومشاريعه الخاصة التي خاض الحرب من أجلها, ووجدها فرصة ًحقيقية لإجبار واشنطن على قبول ما رفضته مرارا ً حول أولوية الأجندة التركية والمنطقة العازلة الخاصة بالمشروع الإخواني لتقسيم سورية , والذي لجأ نحو التقارب مع روسيا و إيران من بوابة التعاون في إقناع الفصائل المسلحة في أحياء شرق حلب لقبول الهزيمة ولمغادرة المدينة.

– فأطلقت الحكومة التركية سلسلة تصاريح تحمل في ظاهرها احترامها لوحدة الأراضي السورية , وموافقتها على وقف ٍ شامل ٍ لإطلاق النار على كامل مساحة سورية , وأبدت استعدادها لدعم لقاء الأستانة الذي يُمهد الطريق لمؤتمر جنيف القادم في 8\2\2017, وتعهدت بإقناع المعارضة المسلحة بنتائج الإجتماع الثلاثي وما دعي ب”الوثيقة التركية”التي نصت على عدة شروط برزت فيها قضية  دمج وتوحيد الفصائل  المسلحة بعيدا ًعن جبهة النصرة , وضمان تمثيلها المباشر في الأستانة وجنيف لاحقا ً, ولجوء أردوغان إلى تلميع “الجيش الحر” بوصفه حركة مقاومة وليس تنظيما ً إرهابيا ً ليتسنى له الجلوس على طاولة المفاوضات.

– يبدو أن واشنطن قرأت التحركات التركية على أنها عدائية و إبتزاز وتمرد , فحاولت ضرب التقارب الجديد , و قد يكون إغتيال السفير الروسي في تركيا قد صُمم لهذا الغرض , أما ردها المباشر فكان في توريط أردوغان و قواته العسكرية غير المؤهلة بشكل مباشر في الحرب مع داعش والأكراد والجماعات الإرهابية القريبة من جبهة النصرة والتي رفضت الإندماج , بالإضافة إلى الجيش العربي السوري بطبيعة الحال.

– لقد سقط أردوغان بفخ واشنطن , واعتقد أن دخوله السهل إلى جرابلس, يمكنه البناء عليه في دخول مدينة الباب أولا ًو منبج ثانيا ً , لكنه اصطدم بجنوده القتلى على أطراف الباب , وظهر ضعف أدائهم في قتال داعش التي استطاعت الإرتداد على المواقع التي سيطرت عليها قواته النظامية وميليشياته الإرهابية في “درع الفرات” وبعض فصائل الجيش الحر, وتمكنت من استعادتها في جبل الشيخ عقيل , لقد تسرّع أردوغان ووزير خارجيته برفع سقف طموحاتهم وتصاريحهم و نصرهم , واتجه الغضب التركي ليُترجم قصفا ً عشوائيا ً طال المدينة ومدنييها , كان على أردوغان أن يميز سهولة قتال داعش في جرابلس لخدمة واشنطن, و استحالة فوزه في الباب و منبج في خدمة أنقرة ! فواشنطن لم تُصنّع داعش لخدمة السيد رجب أردوغان!.

القرارالأمريكي – تزويد المسلحين بصواريخ مضادة للطائرات…

إن التسليح الأمريكي للتنظيمات والمجاميع الإرهابية في سورية ليس جديدا ً, وقد تم منذ اليوم الأول للحرب , وهي المسؤولة عن دخول كافة الأسلحة كما ً ونوعا ً إلى سورية, فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن الولايات المتحدة تخوض حربا ً كونية تراهن فيها على الإنتصار بهيبتها وسمعتها والأهم بنجاح مشروعها دون التأكد من دقة تحضيرها العسكري المسبق , وضمان وصول الأسلحة في الزمان و المكان إلى أيادي وأكتاف من سيحملونها , ولم تُخف إعتمادها برامج تسليح وتدريب (فاشلة) مولتها من خزينتها , لكن الجديد في قرار التسليح اليوم هو الإعلان عنه في اللحظات الأخيرة لعمر الإدارة الاّفلة , و بصلاحية تستمر لمدة عامين قادمين , مما يطرح التساؤلات حول النوايا السياسية و العسكرية لهذا القرار الإستراتيجي الخطير, ويضع إدارة ترامب أمام خيارين مفصليين حول متابعة الحرب أو السعي لإيقافها وإحلال السلام ؟.. بما يفرض على ترامب أن يرفض القرار ويقوم بإلغائه , ويكون ترامب هو ترامب بحسب الحملة الإنتخابية , أو ترامب النسخة الأوبامية لمتابعة الحرب !.

فالقرار دونما شك يسعى لتغيير موازين القوى في وقت ٍ تبدو فيه واشنطن أضعف المؤثرين في الميدان السوري بعيدا ًعن خدمات أردوغان, و بالإعتماد على قوات سورية الديمقراطية وبعض المكون الكردي فقط. 

فقد تضمّن القرار تزويد المعارضة المسلحة بمنظومات دفاع ٍ جوي وصواريخ نوعية مضادة للطائرات محمولة على الكتف , مدعومة ببرامج تدريب عسكرية تمتد لنهاية 2018 , في خطوة إعتبرتها موسكو أنها تستدفها مباشرة ً , إذ أوكلت لوزيري دفاعها وخارجيتها تقديم تقرير دقيق وبالمعلومات المفصلة عن أسماء و نشاطات الفصائل والمجموعات التي ستتسلم هذه الصواريخ ومواقعها على الأرض , و أجازت للكونغرس الإعتراض عليها خلال 30 يوما ً.. دون شك فواشنطن تبحث عن تعويض خسائرها العسكرية, و قرارها هذا لا يعدو أكثر من قرار سخيف ومدعاة للسخرية سياسيا ً, ويسبق تحديد الجهة التي ستحمل السلاح الجديد, وسط إزدحام المعارضات والفصائل و مسرحيات توحيدها الفاشلة في سراديب الفانتازيا مجددا ً, لكنه يعتبر مصدر إزعاج عسكري لروسيا وسوريا بالتأكيد , لكنه غير حاسم أو شديد التأثير..

وتجد واشنطن نفسها مجبرة على استبعاد وصول هذه الصواريخ إلى داعش والنصرة المصنفتان إرهابيتين أمريكا ً وروسيا ً و أمميا ً , واستبعاد الفصائل التي تراها روسيا مقربة من جبهة النصرة كأحرار الشام وجيش الإسلام وجيش الفتح و فيلق الشام وغيرها , وتصنفها إرهابية , وأن تستبعد “قسد” , ووحدات حماية الشعب الكردي لتصنيفها الإرهابي من قبل تركيا , وأن تستبعد جزءا ً كبيرا ً من فصائل “الجيش الحر” التي تقاتل إلى جانب تركيا وقوات “درع الفرات” سوريا ً, بداعي خيانة الدولة السورية وخدمة دولة الإحتلال التركي, وعليه تبدو المسألة مضحكة , والقرار ولن يضيف سوى المزيد من الخيبات لسيرة الراحل أوباما أو لترامب القادم من بعيد.

لقاء الأستانة 21\1\2017 …

يبدو أنه يحظى بإهتمام ٍ دولي كبير وتأييد ٍ واسع من جميع الأطراف , ويعتبره الكثيرون ضروريا ً لنجاح الجولة القادمة لمؤتمر جنيف , خصوصا ً بعد ما فتح الرئيس الكازاخي ذراع بلاده لتحتضن وتستقبل كل من يقطع تذكرة دخولها , أما جديد لقاء الاستانة .. فيتمثل بإعطاء المعارضة المسلحة فرصة تمثيل نفسها بنفسها , والجلوس على طاولة المفاوضات, الأمر الذي يستدعي توحيدها عبر مهمة خيالية مستحيلة , في ظل التباينات والخلافات العميقة , وسط ترجيح إحتمالية اصطدامها ليكون الكلام أكثر واقعية ومنطقية.

فما دعي بوفد الرياض والهيئة العليا للتفاوض يبدو أنه لم ولن يدعى حتى اللحظة  بدعم ٍ فرنسي و إيراني , خصوصا ً مع تلاشي العضلات الوهابية للمشغل السعودي في اليمن وسقوط صورته حول العالم الذي بات يحمله مسؤولية تفشي فكره المتطرف المسؤول عن إشاعة الإرهاب حول العالم , بالإضافة للهزائم النوعية التي تعرضت له اذرعه الإرهابية و مجموعاتها و فصائلها على الأرض من خلال مواجهاتها المباشرة مع الجيش العربي السوري , وعبر المصالحات الوطنية و عودة الكثيرين من أبناء سورية  إلى رشدهم, خاصة ً في وسط البلاد وجنوبها وفي محيط العاصمة دمشق وغالبية أريافها , و بات من الصعب عليه الحصول على تذكرة الوصول إلى الأستانة , أما “الإئتلاف الوطني” صاحب المشروع الإخواني – التركي – التقسيمي , فيبدو في حالة ٍ يُرثى لها بعد إنفضاح وجهه و إرتباطه الماسوني , وعجز المسكنات التركية في تلميعه وتحويله عبر تصريحات لفظية إلى حركة مقاومة أو صاحب فكر ٍ إصلاحي أو مشروع ٍ مدني في سورية , فتصريحات أردوغان لا يسمعها سوى أردوغان.

أما غالبية الشخصيات المعارضة عبر المنصات المختلفة , أو ممن ينتظمون في هيئات و بأشكال مختلفة خارج سورية , يبدو أن بعضهم يحن إلى قصاصات فورد , وبعضهم الاّخر لا بد و أنه استفاد من شروحات و إيضاحات الدكتور بشار الجعفري الذي دأب على تصحيح لغتهم السياسية , وتصويب المصطلحات التي كانوا يرددونها في جولة جنيف السابقة وإفتقادهم للثقافة السياسية المناسبة , وسط تراجع جمال سليمان وقبوله بقاء الرئيس الأسد لمصلحة الوطن , و قناعة هشام مروة بعدم أهمية تحرير حلب , و تقلبات ميشيل كيلو على الطريقة الجنبلاطية , وسخرية رندة قسيس من غالبية المعارضين وقولها :” إنهم لا يفقهون في السياسة ولم يتعلموا إختيار الدول التي يمكنها أن تساهم في حل الأزمة” , و”تتمنى عليهم أن يتوقفوا عن شتم روسيا والتعقل والتفكير بوقف النزيف السوري” , وتؤكد أن لقاء الأستانة جاء تلبية ً لطلبها الشخصي الذي قدمته للرئيس الكازاخي , لإيمانها بحيادية كازاخستان ولكونه بلدا ً مسلما ً!, مبتعدة تماما ً عن “سراديب الاّلهة” خاصتها.

فيما تتناقل وسائل الإعلام تقارير صحفية ,ً تفيد عن إمكانية صدور عفو ٍ رئاسي يشمل شخصيات المعارضة الخارجية وأبطال الشاشات المعادية , ويتيح لهم إمكانية العودة الاّمنة إلى دمشق ليكونوا تحت القانون لا وراء القضبان.

أعانك الله سوريا ..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.