ضرورة مُقاومة مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 26/11/2024 م …
تكتسب قرارات الإدانة وأمر اعتقال رئيس حكومة العدو الصهيوني ووزير حربه السابق من قِبَل محكمة الجنايات الدّولية، يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أهَمِّيّةً رمزية، لكن الولايات المتحدة – وهي والكيان الصهيوني ليست عضوًا في المحكمة – وألمانيا وبعض حكومات دُوَل أعضاء حلف شمال الأطلسي نَدّدت بقرار هذه الهيئة الدّولية الذي تضم 124 دولة، وأعلن بعض المسؤولين الأميركيين وفي مُقدّمتهم السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، الذي هدّد لشبكة “فوكس نيوز” يوم الجمعة 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بمعاقبة الدّول التي تُنَفِّذُ قرار الإعتقال، بما فيها حلفاء الولايات المتحدة التي ذكر منها بالإسم كندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهدّدَ ب”سَحْق اقتصاد هذه الدّول أو أي دولة أخرى، وسيَتَعَيَّنُ “الاختيار بين المحكمة الجنائية الدولية المارقة أو أميركا ( التي سوف) تتصَرّف بقوة ضد المحكمة التي لا تمتلك أي شرعية”، كما هدّد نواب أمريكيون آخرون وكذلك المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بإصدار قانون يفرض عقوبات على قُضاة المحكمة الجنائية الدّولية، وفرض عقوبات اقتصادية، وربما غَزْو الدّول التي تمتثل للقرار وتعتقل المسؤولين الصهاينة…
في أوروبا ندّدت حكومة المَجَر (هنغاريا) بقرار محكمة الجنايات الدّولية وأعلن الرئيس فيكتور أوربان ” اعتزامه دَعْوَةَ نتنياهو وغالانت إلى زيارة البلاد”، فيما أعلنت دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي، من بينها إيطاليا وإيرلندا وبلجيكا وهولندا وفرنسا “احترام قرار المحكمة” الذي تجدر الإشارة إنه يُساوي بين المُحتَلّ الصهيوني والمقاوم الفلسطيني، حيث صدر أمر اعتقال مسؤولين من حركة حماس…
تواصل الولايات المتحدة والعديد من الحكومات والمُؤسسات الأوروبية اعتبار أي نقد للكيان الصهيوني أو احتجاج على ممارساته بمثابة “مُعاداة السامية” وتمت مُضايقة واعتقال ومحاكمة المُحتجِّين في معظم دول حلف شمال الأطلسي، مما يُساهم في إفلات المسؤولين الصهاينة من المُساءلة والعقاب، لكن ورغم التهديد والإبتزاز الأمريكي، قَلَّصَت العديد من الحكومات اتصالاتها العلَنِيّة بالمسؤولين في الحكومة الصّهيونية، كما أعلنت أكثر من عشرين جامعة أوروبية وكندية قَطْعَ علاقاتها مع المُؤسّسات الأكاديمية الصهيونية، وتم استبعاد بعض الشركات الصهيونية من المعارض التجارية الدّولية…
في جنوب إفريقيا – التي قَدّمت الشكوى إلى محكمة الجنايات الدّولية – أعلن وزير الخارجية “رونالد لامولا” (اذي قد يخلف الرئيس الحالي سيريل رامافوسا)، يوم 26 أيلول/سبتمبر 2024 – أي قبل شهرَيْن من إعلان قرار المحكمة الجنائية الدّولية – “رغم إدانتنا أحداث السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، فإن إسرائيل دولة استعمار استيطاني وعُنْصُرِيّة…”
تأسّست المحكمة الجنائية الدّولية سنة 1948، سنة النّكبة، عندما كانت جميع الأنظار مُتّجِهَة نحو محاكمة الزعماء النّازيين الذين اجتحوا أوروبا وارتكبوا مجازر عديدة، وتهدف المحكمة معاقبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين وحرمانهم من الحقوق الأساسية ومن مُقومات الحياة كالغذاء والمياه والرعاية الصّحّيّة، وتجدر الإشارة إلى الدّعم غير المحدود الذي تُقدّمه ألمانيا إلى الكيان الصّهيوني الذي يرتكب ممارسات ومجازر شبيهة بمجازر النظام النازي الألماني بين سنتًيْ 1933 و 1945، كما تجدر الإشارة إلى المُقارنة بين مُشاركة ألمانيا في جميع الحروب العدوانية الأمريكية – ضمن حلف شمال الأطلسي أو خارجه – وساهمت في تخريب يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وسوريا، ودعمت – مع جميع دول حلف شمال الأطلسي – ، باسم “القانون الدّولي ” محاكمة وإدانة زعماء يوغسلافيا سلوبودان ميلوسوفيتش ورادوفان كارازيتش، بتهمة ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية، واليوم تدعم ألمانيا والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي – التي تتشدّق بِالقِيَم الإنسانية وباحترام حقوق الإنسان – عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في العديد من البلدان العربية…
سلاح “المُساعدات الإنسانية”
تستخدم الولايات المتحدة مساهماتها في المنظمات الدّولية ( مثل اليونسكو أو يونيسيف) كوسيلة ابتزاز سياسي وأعلنت مؤخرًا – إثر تصويت النواب الصهاينة في الكنيست على حَظْر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين – أنروا – يوم 28 تشرين الأول اكتوبر 2024 – تصنيف الوكالة (أنروا) “منظمة إرهابية” وقَطْع المُساعدات عنها، أي تَسْيِيس المُساعدات من قِبَل الولايات المتحدة وما لا يقل عن 15 دولة أخرى، وأعلنت الدّول التي تراجعت ظاهريا عن قرارها عدم إعادة الأموال إلى وكالة أنروا، بل تخصيص هذه الأموال “لدعم إجراءات المراقبة ومكافحة الإرهاب”، ولا تختلف هذه السياسات عن ممارسات الولايات المتحدة التي تهدف تجويع الفلسطينيين – خصوصًا في غزة المُحاصرة منذ 18 سنة – الذين يعتمدون على مساعدات أونروا – التي أسستها الأمم المتحدة سنة 1949، بعد النّكبة – لمساعدة 850 ألف فلسطيني حتى عودتهم إلى منازلهم واسترجاع ممتلكاتهم وأراضيهم وبيوتهم مع الحصول على تعويضات، وفق القرار 194 للأمم المتحدة، وتُقدّم أنروا المساعدات الغذائية والخدمات الصحية والتعليم والتّدريب والخدمات الأخرى للّاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وسورية والأردن ولبنان، وتريد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إنهاء أي رمز يُشير إلى النكبة واحتلال فلسطين سنة 1948، وتهدف القرارات الأمريكية والصهيونية إلى إلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوَّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وإدماج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمعات المحلية، وفقدان خصوصيتهم كفلسطينيين وفقدان حق العودة واسترجاع الممتلكات إضافة إلى التعويضات للاجئين وذويهم الذين يقارب عدد المُؤهّلين منهم للحصول على خَدَمات أنروا بحوالي ستة ملايين نسمة…
بدأت محاولات تصفية أنروا منذ عُقُود، وخصوصًا منذ مُفاهمات أوسلو (أيلول/سبتمبر 1993) حيث ارتفع عدد المنظمات غير الحكومية والوكالات التي تَدّعي تقديم الدّعم للفلسطينيين ( باستثناء الأراضي المحتلة سنة 1948) ومن أهمّها «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – USAID»، وترافق قرار إنهاء الدعم الأمريكي لأنروا بقرار إعادة توجيه المساعدات نحو “يو أس آيد” وشركائها في الضفة الغربية وغزة، الذي بدأ تنفيذه بالفعل منذ سنة 2021، حيث يُقَدّر مبلغ “المساعدات” الأمريكية التي تمر عبر يو أس آيد بنحو 166,5 مليون دولارا سنويا (مقابل 3,8 مليارات دولارا للكيان الصهيوني) وما يُعادل 228 مليار دولار من المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني منذ 1949، وأكثر من 26 مليار دولارا، خلال الفترة من تشرين الأول/اكتوبر 2023 إلى نهاية تموز/يوليو 2024، فضلا عن مُساعدات مالية وعسكرية وأمنية أخرى “لمكافحة الإرهاب “، وللمراقبة والسيطرة على الفلسطينيين من قِبَلِ الاحتلال، كما تقوم العديد من المنظَّمات غير الحكومية والمتعاقدة التي تتلقى أموالاً أمريكية بفرض رقابة على الفلسطينيين المُستفيدين من خدماتها خوفًا من قوانين العقوبات وسياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية…
تعمل USAID بشكل شبه حصري من خلال شبكة دَولية من المُقاولات والمنظمات غير الحكومية المُتعاقدة من الباطن مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية لتنفيذ المشاريع التي تُحدّدها يو أس آيد، بشروط من بينها حَظْر توجيه أي مساعدة أمريكية – مباشرة أو غير مباشرة – إلى الأفراد والمجموعات التي لا تلتزم ب”نَبْذ الإرهاب” (أي الكفاح المُسلّح والدّعوة إلى تحرير فلسطين…) كما تشترط الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية جمع المعلومات الشخصيّة عن الأفراد والمنظَّمات للتّأكّد من عدم “مخالفة القوانين الأمريكية”…
فَرَضت الولايات المتحدة على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أنروا) هذه الشّروط – منذ أكثر من خمسين سنة – مقابل تسديد حِصّتها من تمويل هذه الوكالة الدّولية، كما فرضت الولايات المتحدة منذ أكثر من عِقْدَيْن ( منذ 2003، سنة احتلال العراق) في عام 2003، إدْراج “شهادة مكافحة تمويل الإرهاب” وقَطع العلاقات مع المنظمات والحركات والأحزاب والكيانات والأفراد والشخصيات الذين تصنّفهم الولايات المتحدة كإرهابيين، فيما يعتبرهم المجتمع الفلسطيني جزءًا من حركة ونضال الشعب الفلسطيني من أجل التّحرّر، فيما تعتبر الولايات المتحدة القَطْع معهم ونَبْذَهُم شَرْطًا من شروط حصول المنظمات “غير الحكومية” الفلسطينية على تمويلات أمريكية، وأدّى ذلك إلى مُقاطعة شبكة المنظَّمات غير الحكومية الفلسطينية (PNGO) تمويلات USAID وكذا فعلت العديد من المنظمات العربية في الأردن ومصر التي ارتبطت أنظمتها السياسية باتفاقيات التّطبيع السياسي والإقتصادي مع الكيان الصهيوني…
أدّت هذه القرارات الأمريكية إلى جَعْل القوانين الأمريكية أعلى درجة من قرارات الأمم المتحدة، بشأن الأمن ومكافحة الإرهاب وما يُسمّى “القانون الدّولي الإنساني”، وأرادت الولايات المتحدة، منذ حوالي عِقْدَيْن إخضاع العديد من المنظمات الدّولية مثل يونسكو وأنروا لمساءلتها، وهو ما فعلته الولايات المتحدة عَمَلِيًّا مع وكالة الطّاقة الدّولية التي كانت تُنفّذ عمليات تفتيش في العراق وتُقدّم تقاريرها إلى الولايات المتحدة التي تُحَوّرُها وفق مَشيئَتِها قَبْلَ تقديمها إلى الأمم المتحدة…
تقوم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني منذ سنوات عديدة بحملات مُستمرة ضدّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) لأن وُجُودَها يُشكل شاهدًا على نكبة سنة 1948، وما رافقها من تدمير 531 قرية وتهجير 850 ألأف فلسطيني، وأعلن نتن ياهو والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، منذ سنة 2017 ” ضرورة تفكيك الأونروا ودمجها مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، وتُشكل الحملة الحالية وقرارات الكنيست الصهيوني والولايات المتحدة استمرارًا لمحاولات حَذْف موضوع اللاجئين من أيّ مشاريع أو مفاوضات مستقبلية، ويُشكل قَطْع التمويل الأمريكي والأوروبي (حتى سويسرا التي تَدّعي الحياد) وتوجيهه نحو الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية ( USAID ) تقويضًا لأنروا وتسهيلا لانهيارها وإفراغ قطاع غزة من السّكّان بفعل الدّمار والجوع والمرض والحصار وتقويض حق العودة للاجئين الفلسطينين.
يكمن خَطَرُ حَظْرِ نشاط أنروا من قِبَلِ الكيان الصهيوني، وقطع المساعدات الأمريكية والأوروبية (وغيرها مثل كندا وسويسرا وأستراليا…) وإعادة توجيه التمويل الأمريكي من الأونروا إلى USAID ووكالات أخرى، في حرمان ثُلُثَيْ أفراد الشّعب الفلسطيني من تلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية في مُخيمات اللاجئين وفي قطاع غزة والضفة الغربية وإلى التلاعب بالأموال التي قد تُخَصّصُ لإعادة إعمار ما هَدّمه العدوان الصهيوني المستمر عند تحرير هذه الفقرات (25 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) وتُؤشِّرُ هذه الأمثلة القليلة على إن الشعب الفلسطيني (والشّعوب العربية) لا تُقاوم الكيان الصهيوني فحسْب، بل تواجه شُعوبُنا المُخطّطات المُشتركة للإمبريالية – بزعامة الولايات المتحدة – والصهيونية، ربيبة الإمبريالية والأنظمة الرجعية العربية، ضمن العدوان الصهيوني المباشر، والعدوان بالوكالة، بواسطة المنظمات الإرهابية في سوريا أو بواسطة الأنظمة العميلة ( الإمارات والسعودية) كما في اليمن…
يُشكّل تنسيق الرّد على العدوان الصّهيوني من قِبَل حركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن بداية لبوادر جبهة مُقاومة، تنقصها حاليا التعبئة الجماهيرية في كافة البلدان العربية…