كيف تصبح وزيراً في الأردن؟ / د.محمد ابو رمان

 

د.محمد ابو رمان ( الأردن ) الأربعاء 4/1/2017 م …

صدر قبل أسابيع قليلة، كتاب ‘كيف تصبح وزيراً في الأردن’ لسائدة الكيلاني، باللغة الإنجليزية. وهو كتاب إلكتروني، يتم شراؤه عبر الإنترنت. ومن المفترض –كما قرأت- أن تصدر النسخة العربية قريباً.

الكتاب جميل فعلاً، وفيه التقاطات وتحليلات تستحق الاهتمام. وفكرته، على الرغم من أنّها طريفة، هي في الوقت نفسه غير تقليدية وعميقة؛ إذ قامت الكيلاني بتحليل الحكومات الأردنية خلال العقد الأخير، منذ العام 2006 إلى 2016، على أكثر من صعيد: الجندري، والديني، والعمري، والجغرافي.

إلى هنا قد تبدو فكرة الكتاب مألوفة في التحليلات الإحصائية. لكن الكيلاني أضافت إلى المتغيرات السابقة متغيرات أخرى أعطت نكهة خاصة للكتاب وتحليلها، من ضمنها العائلة (من كان أباؤهم في مواقع المسؤولية والحكومة)، والكفاءة (عبر استخدام السيرة الذاتية للوزراء ومقارنتها بمدى انسجامها مع المواقع التي شغلوها خلال تلك الفترة).

لذلك، تحدثت الكاتبة عن معايير متعددة في الطريق إلى الوزارة: الكفاءة والقدرة، وما سمته ‘الوزير بالولادة’ (Minister by Birth)، والواسطة والعلاقات الشخصية. مع اعترافها بأنّ المسألة ليست أبيض وأسود؛ فقد يأتي أحد الوزراء عبر العلاقات الشخصية والمعارف الخاصة، لكنّه يقدّم أداء جيداً في وزارته، إنّما المشكلة هي في الجوهر؛ في المعايير والأسس التي يتم بناء عليها اختيار الوزراء، والتي تستند في العادة إلى المعيار الجغرافي والتنوع الديني والعمري والجندري.

يبدأ الكتاب بحكومة د. معروف البخيت في العام 2006، وينتهي بحكومة د. هاني الملقي. ووجدت الكيلاني أنّ هناك 9 حكومات، و8 تعديلات وزارية، و6 رؤساء حكومات (معروف البخيت، نادر الذهبي، سمير الرفاعي، عون خصاونة، فايز الطراونة، عبدالله النسور)، و301 وزير، منهم 22 سيدةـ

ومن خلال دراسة الخلفيات الاجتماعية والسيرة الذاتية، وصلت الكيلاني إلى أنّ ثلث الوزراء تقريباً جاؤوا بـ’الولادة’، و76 وزيرا من المجموع لديهم شهادة علمية وخبرة عملية لا تنسجم مع مواقعهم الوزارية. ورأت وفقاً لهذه الأرقام، أنّ 19 % فقط جاؤوا بسبب الكفاءة أو الإنجاز في مجال خبرتهم العلمية أو العملية.

تغوص المؤلفة في البيانات والخلفيات المرتبطة بالوزراء، وتقدّم لنا جملة من النتائج الممتعة واللافتة التي لا يمكن القول إنّها قطعية دائماً؛ ففي المحصلة، هناك أكثر من زاوية يمكن النظر منها إلى الشخص. وقد يكون هناك أشخاص ليس لديهم خبرة عريقة في مجال وزارتهم، لكنّهم يمتلكون الموهبة الإدارية والرغبة في الإنجاز.

الكتاب يضعنا أمام الـ’شيزوفرينيا’ الداخلية؛ بين خطاب الإدانة الدائم للواسطة والمحسوبية، وتجريمها عبر قانون مكافحة الفساد (تعديل العام 2006) من جهة، إذ يعتبرها 87 % من المواطنين نوعاً من الفساد، وبين إقرار 91 % بأنّهم يستعملونها. وتلتقط مفارقات من تناقض تصريحات رؤساء الوزراء والوزراء عن موضوع الواسطة ومعايير اختيار الوزراء.

في المجمل، الكتاب يتناول معضلة حقيقية مزعجة، هي عملية اختيار الحكومات وغياب الأسس الموضوعية التي يمكن من خلالها اختيار الوزراء. وطالما أنّه لا توجد معايير سياسية بالمعنى الحزبي المطلوب؛ أي حكومات برلمانية تعتمد على الكوادر الحزبية، فإنّ الحكومات تتسم غالباً بالطابع التكنوقراطي. وهنا تتبدى المفارقة بشأن ‘هوية الحكومات’؛ هل هي تكنوقراطية أم سياسية غير محددة المعالم وغير واضحة؟ ما يعطي المعايير الشخصية والاجتماعية والواسطات دوراً مهماً في تشكيل الحكومات واختيار الوزراء!

الطريف أنّ بعض الوزراء أتى (في الأردن) بالفعل عن طريق الصدفة (لا هي علاقات شخصية، ولا هو وزير بالولادة) فقط تشابه أسماء، أو ربما توقعات غير دقيقة عنهم، كما حدث تماماً في فيلم أحمد زكي الشهير ‘معالي الوزير’!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.