مصر والاستنزاف في ليبيا / راسم عبيدات
راسم عبيدات ( فلسطين ) الخميس 19/2/2015 م …
يبدو أنّ المخطط المرسوم للمنطقة العربية قد دخل طوراً جديداً، حيث كانت تمارس ضغوط كبيرة على النظام المصري للدخول في ما يسمى بالحرب على «داعش» وفق الشروط الأميركية، لكنّه تجنب الدخول في الفخّ الأميركي، ويبدو أيضاً أنّ تركيا المشغل الرئيسي لـ»داعش» و قطر الممول الرئيسي له، تسعيان إلى جرّ مصر إلى حرب استنزاف طويلة تشغلها عن تثبيت وتعزيز تفاهماتها مع روسيا، وتنهك الجيش المصري على أكثر من جبهة.
ليبيا هي ساحة الحسم بين محور قطر- تركيا – الإخوان المسلمين والنظام المصري، وأحسب أنّ ليبيا هي التي ستشكل الخطر المباشر على الأمن القومي المصري، وعلى المنطقة برمّتها، وخصوصاً بعد سقوط نظام القذافي وتحول ليبيا إلى دولة تتناحر وتتصارع فيها العشائر والقبائل والميليشيات المسلحة والاستخبارات من كلّ الدول، في ظلّ غياب الدولة المركزية.
لن تؤتِ الضربات الجوية التي قامت بها الطائرات المصرية لمعسكرات «داعش» ثمارها، حيث أنّ تأثيرها سيكون محدوداً جداً، والعملية البرية فيها أخطار كبيرة، وخصوصاً على العاملين المصريين في ليبيا، كما أنّ اتساع مساحة ليبيا يسهل حركة المجموعات الإرهابية واختباءها، أما آفاق الحلّ في ليبيا فهي ليست قريبة، حيث لا توجد سلطة مركزية ولا مؤسسات مجتمع مدني، بل ميليشيات وعصابات وعشائر وقبائل تتسلح وتتغذى وتوجّه وتدار من أكثر من طرف، وبنادق مأجورة تعمل لحساب من يدفع لها أو يحقق لها مصالحها وأهدافها، كما هو الحال في الصومال، فالسيطرة على النفط تشعل فتيل الأزمات والحروب والصراعات القبلية والعشائرية.
المطلوب أن لا يكون هناك آفاق للحلّ لا في العراق، حيث حروب أميركا على «داعش» تجميلية، فهي تريد له أن يستمر في إنهاك الدولة العراقية لتحويل سيناريو التقسيم والتفتيت إلى واقع وإضعاف الجيش العراقي، ولا في سورية حيث يستمرّ ضخّ الإرهابيين من مختلف دول العالم، حتى لا تستعيد سورية عافيتها أو تخرج من أزمتها. هذا المشروع والمخطط الأميركيين للمنطقة.
إنّ مشكلة النظام المصري مركبة، فهناك أخطار داخلية وخارجية تستهدف الأمن القومي المصري وجيش مصر وسيادتها ودورها وموقعها العربي والإقليمي، ولكي يتفرغ النظام لمواجهتها فهو في حاجة إلى أن ترتيب أوراقه الداخلية، لأنه لن يستطيع أن يواجه الأخطار الخارجية بمعزل عن مصالحات سياسية بين كلّ مكونات المجتمع المصري، وبالذات جماعة الإخوان التي إذا لم يجرِ تحييدها ستصبح جزءاً فاعلاً من المشروع المعادي، كما أنه في حاجة إلى تصحيح علاقاته الخارجية، وبالذات مع الدول الخليجية ومع الدولة السورية لأنها جزء أساسي في محاربة الإرهاب و»داعش»، فقوة مصر من قوة سورية.
على النظام المصري أيضاً، أن يحدّ من نفوذ السعودية والإمارات في الداخل المصري اللتين تستغلان المساعدات المالية المشروطة التي تقدمانها إلى مصر، لكي يبقى النظام المصري في دائرة تحالفاتهما، وأيضاً يجري توظيف النظام المصري وجيشه خدمة لمصالحهما في المنطقة، فنحن نرى بعد سيطرة الحوثيين في اليمن، أنّ السعودية ودول الخليج تدفع باتجاه تدخل عسكري مصري في اليمن، وهذا يعني تورط مصر وإنهاك جيشها وحرف اتجاه البوصلة، فالخطر الاستراتيجي ليس من اليمن على مصر بل من ليبيا والقوى الإرهابية التكفيرية المتواجدة على أرضها، بحيث تشكل حدودها الطويلة والمفتوحة الطريق السالك لضخّ التكفيريين والإرهابيين من مختلف الجنسيات كما هو الحال في سورية، أما العدو الرئيسي والاستراتيجي لمصر والأمة العربية فهو «إسرائيل» بلا منازع، وهذا ما لا يجب أن يغيب عن بال القيادة المصرية أبداً.
لا يحقّ للنظام المصري أن يتورط مرة ثانية في اليمن، كما تورط الراحل عبد الناصر، والمفارقة أنّ عبد الناصر تدخل في اليمن ضدّ الحلف الخليجي آنذاك، واليوم يجهز السيسي جيشه للتدخل نصرة للسعودية وعربان الخليج ضدّ الحوثيين بعد سيطرتهم على الحكم هناك وإطاحتهم بنظام الفساد والقمع الذي رعته السعودية.
مصر في دائرة التهديد والخطر، وما يجري في سورية يجري نقله إلى مصر، بالأدوات نفسها، فصاحب المشروع هو أميركا، ومقاوله الرئيسي المشغل هو تركيا، والطريقة التي يدير فيها السيسي الأزمات الداخلية والخارجية، لا توحي بأنّ مصر قادرة على معالجة أزماتها، فالفشل في الداخل سيعكس نفسه على الخارج.
السيسي في حاجة إلى توحيد واصطفاف كلّ المركبات السياسية خلف خططه من أجل التصدي للإرهاب، الذي قد يدمر المجتمع المصري ويفككه، والحلّ ليس بالإعدامات بالجملة أو اعتبار حركة الإخوان أو كتائب عز الدين القسّام حركتين إرهابيتين، بل لا بدّ من حوار جاد وحقيقي، حوار يمكن من استعياب الإخوان وعودتهم إلى المشاركة في الحياة السياسية وتصحيح العلاقة مع قطاع غزة وحركة حماس، على قاعدة عدم تدخل حماس في الشأن الداخلي المصري وأن لا تكون مواقفها صدى وظلاً لسياسة الإخوان، فنحن كفلسطينيين في حاجة إلى مصر موقفاً وجغرافيا وعمقاً استراتيجياً.
على مصر أن لا تتورط في ليبيا منفردة لمحاربة «الدواعش»، بل يجب أن يكون ذلك قراراً دولياً وإرادة جماعية، والعمل على تشكيل حكومة مركزية في ليبيا تستعيد وحدة البلاد ومؤسساتها بعد أن أصبحت واحدة من أكبر الدول الحاضنة للإرهاب.
التعليقات مغلقة.