100 مليار دولار إستحقاق للأردن في ذمة المجتمع الدولي
أ.د. محمد الفرجات ( الأردن ) الخميس 5/1/2017 م …
أشكر الزملاء د. سالم العون و د. عبد النبي فردوس و م. محمد شهبز وكل من ساهم برسم ملامح حقوق الأردن من تعويضات حرب الخليج، حيث كممت دراسات وبحوث مركز تطوير البادية الأردنية قبل عقد ونصف آثار تلك الحرب على موارد ومصادر المملكة، وكان لها الأثر الكبير في إقناع المجتمع الدولي بحقوق المملكة من التعويضات.
وبدوري فأجد من خلال حسبة ومقاربة رياضية متعددة المدخلات فإن مجموع تقديرات التكلفة الاقتصادية لاستضافة الأشقاء من اللاجئيين السوريين تصل سنويا الى 15 مليار دينار أردني (بالنقد المباشر إضافة الى تراكم الكلف اللاحقة فيما ستتكبده خزينة الدولة عبر السنوات القادمة من خسائر بأشكال مختلفة)، أي ما يعادل ضعفي الموازنة السنوية للمملكة والبالغة نحو 8 مليار دينار، أو ما يعادل نصف الناتج القومي السنوي للمملكة، وكذلك تقريبا نصف الدين العام.
وفي مدة أربعة سنوات، أي منذ عام ٢٠١٢ وبدء موجات اللجوء ولغاية اليوم، فإن المجتمع الدولي وفي ظل الرئاسة الأمريكية الجديدة التي ترى أهمية الحفاظ على السلام وأمن الشرق الأوسط لحساسيته العالمية، ولأن إستقراره يعني إستقرار العالم وإستمرار حالة السلم والرخاء الدولي، ولأن الأردن في عين العاصفة وفي بؤرة الشرق الأوسط، فإنه مطالب بتعويض المملكة الأردنية الهاشمية بما لا يقل عن مائة مليار دولار عن خسائره المباشرة وتعطيل خططه التنموية وقطع طرقه تجارته البرية النافذة إلى دول شرق أوروبا والعراق.
وهنالك طرق علمية ورياضية متعددة لتقدير أو كذلك لحساب التكلفة الاقتصادية الناجمة عن الكوارث والحروب والتلوث البيئي أو أية أحداث أخرى تلقي بظلالها على المكان كبقعة جغرافية ومصادر بيئية وعلى العنصر البشري على حد سواء، حيث أن هذه التكلفة نوعان؛ تكلفة مالية مباشرة وتكلفة مالية غير مباشرة.
الشكر للدولة الأردنية فمنذ بدء الأزمة السورية في 2011م فقد إستقبلت ما يقارب 2 مليون لاجيء سوري عبر موجات لجوء يومية، ليستقروا في مخيمات إيواء خصصت لهذه الغاية في مناطق شمال شرق المملكة، ومنهم من إستقر بكفالة خارج المخيمات، وأن الأردن قام بواجبه الانساني والعربي والهاشمي تجاه الأشقاء رغما عن ضعف الامكانات والموارد المالية ومشاكل الفقر والبطالة التي تواجه الحكومة، فضلا عن شح الموارد المائية.
وبلغت تكلفة اللاجيء الواحد على الحكومة وحسب الفرجات 20 دينار أردني موزعة كالتالي، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن اللاجيء لا يساهم بأية أنواع من الرسوم أو الضرائب:
التكلفة المرتبطة باخيتار مواقع المخيمات ودراستها، وكلف تأهيلها وتسويتها وشق الطرق بداخلها، ورفدها بشبكات الخدمات المختلفة ومرافق الخدمات، وبناء ونصب المخيمات/ تكلفة مالية مباشرة.
التكلفة المرتبطة باستقبال اللاجئيين يوميا عبر حدود برية تصل الى عدة مئات من الكيلومترات ونقلهم للمخيمات الخاصة بهم/ تكلفة مالية مباشرة.
التكلفة اليومية لتأمين الغذاء ما بين ثمن المواد التموينية ونقلها للمخيمات وحفظها مبردة وتوزيعها للمستحقين، وعلى الرغم من أن الكثير من اللاجئيين لديهم بطاقات خاصة للتموين، ولكن الى أن يستقر كل لاجيء حديث القدوم وأن يتم إيوائه رسميا وفنيا فهو مستهلك بالطريقة الأولى/ تكلفة مالية مباشرة.
التكلفة اليومية للتزويد المائي لغايات الشرب والطبخ والنظافة وغيرها، ويشمل ذلك عدة طرق بالنقل بالصهاريج والتفريغ بالخزانات، أو بتأسيس شبكات التزويد المائي وحفر الآبار وتأهيلها للضخ وتشغيلها، والحفاظ على النوعية بالكلورة، وتوزيع المياه للمستهلك النهائي، وحماية مصادر المياه من العبث أمام شائعات سمعنا بها سابقا عن نية احد الأفراد من أحد المخيمات بتسميم الماء/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة الطاقة ما بين الطاقة الكهربائية والغاز المنزلي أو الوقود لغايات التدفئة في الشتاء/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة الأعمال البلدية التقليدية اليومية كتوفير الطرق الداخلية في المخيمات والبنى التحتية الخفيفة وغيرها، وتأمين المقابر، والرقابة الصحية اليومية/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة إدارة النفايات الصلبة الناتجة عن المخيمات، ويشمل ذلك تأمين المخيمات بحاويات النفايات ورفع النفايات ونقلها الى المكاب الخاصة بها ومعالجتها بالطمر أو بغيرها من طرق متبعة/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة إدارة الصرف الصحي، ويشمل ذلك شبكات الصرف الصحي وإستدامتها، وتكلفة معالجة المياه العادمة، مع العلم بأن بعض المخيمات تتخلص من مياهها العادمة بالحفر الامصاصية، وهذا يشكل كارثة تلوث كبيرة على مصادر المياه الجوفية سنتطرق له لاحقا في بند آخر، وتستخدم هنا أحيانا تنكات النضح لنقل المياه العادمة الى مناطق معلومة/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة العلاج والمطاعيم الوقائية، ويشمل ذلك تأمين المراكز الصحية والكوادر الصحية والطواريء والاسعاف والانقاذ، يضاف الى ذلك ثمن الأدوية والمستلزمات الصحية المختلفة، يضاف الى ذلك
تكلفة أعمال الدفاع المدني وتوفير المراكز الخاصة بالحريق والاطفاء خاصة وأننا نتعامل مع خيام قابلة للحرق بسرعة/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة التقصي الأمني حول كل لاجيء لضمان أمن الدولة الأردنية من ناحية، وأمن سكان المخيمات من ناحية أخرى/ تكلفة مالية مباشرة.
تكلفة جهود الحماية الأمنية داخل المخيمات، ويشمل ذلك توفير عدد كبير من مرتبات الأمن العام والدرك والمخابرات والاستخبارات مع كامل تجهيزاتهم ولوجستياتهم لمتابعة الأمن اليومي داخل المخيمات وحل النزاعات وغيرها، ناهيكم عن أن الكثير من النزاعات تحول الى القضاء، وناهيكم عن تكلفة إدارة شؤون المخيمات داخليا وهذه تكلفة أخرى/ تكلفة مالية مباشرة.
هنالك عدد كبير جدا من الأشقاء السوريين والذين سكنوا المدن والقرى والأرياف البوادي الأردنية، والذين ساهموا بشكل كبير برفع أجور البيوت والشقق السكنية، ونافسوا على المهن التي كانت تشكل فرص عمل لأبناء الشعب، مما ادى الى خلل في منظومة الاقبال على الزواج لدى شبابنا أمام بيوت ذات أجور مرتفعة (إن وجدت أصلا بسبب التزاحم عليها) وشح فرص العمل في السوق. وهنا يوجد تكلفة غير مباشرة تدعي تكلفة تفويت الفرصة أو الفرص الضائعة، ومن المعلوم بانه وعند ركود الزواج في المجتمع تركد الأسواق فضلا عن تنامي نسب العنوسة وما يتبع ذلك من خلل مجتمعي ذات تكلفة/ تكلفة غير مباشرة.
تكلفة زيادة استهلاك مرافق البنى التحتية من شوراع وأرصفة وشبكات مياه وصرف صحي وكهرباء ومكاب نفايات وغيرها، فهي مصممة لعمر افتراضي وطاقة استيعابية يومية معلومين، وهذا يؤدي الى تهالك وتآكل هذه المرافق وحاجة الحكومة لصيانتها أو إعادة بنائها/ تكلفة غير مباشرة
التكلفة الاقتصادية للتدهور البيئي جراء الأنشطة اليومية لعملية اللجوء والإيواء، وما ينجم عنها كتأثر التنوع الحيوي وزيادة التصحر وأسباب التغير المناخي المحلي وتلوث مصادر المياه في الخزانات الجوفية في مناطق المخيمات وحولها/ تكلفة غير مباشرة.
التكلفة الاقتصادية لضياع الفرصة في السياحة، حيث تساهم المخيمات وعملية إستقبال اللاجئيين بتردي السمعة الأمنية في التصنيف العالمي لنا لدى المكاتب السياحية العالمية ووزارات الخارجية في دول العالم، مما يجعلنا وجهة سياحية غير مرغوبة لأن السائح همه الاول وقبل جمال المقصد السياحي سلامته وأمنه/ تكلفة غير مباشرة.
التكلفة الاقتصادية لضياع فرصة الجذب الاستثماري العالمي، حيث أن رأس المال جبان، وهم المستثمر الربح، وهو لا يريد على أية حال الخوض بمناطق تشوبها أية شوائب أمنية/ تكلفة غير مباشرة.
التكلفة الاقتصادية جراء رفع شركات التأمين العالمية لرسوم التامين على المصانع والمنشآت وغيرها، حيث أنه وبوجود المخيمات والتعامل اليومي مع الحدود وإستقبال اللاجئيين ووجود إعلام متكسب ولا يرحم نصنف عالميا أحيانا كمنطقة نزاعات فيعطي ذلك شركات التأمين المبررات القانونية في التعاقد لرفع رسومها على نشاطات منطقتنا/ تكلفة مباشرة، وغير مباشرة عند تفويت الفرصة.
تكلفة إستنزاف الموارد والمصادر البيئية، وتكلفة التعافي وإعادة الوضع الى ما كان عليه، ويشمل كلف ما بعد الكارثة سواءا تلوث أو أعمال عنف أو غيرها/ تكلفة غير مباشرة.
تكلفة ملفات تخص الأمن القومي، ونتحدث عن خلل يحصل في التركيبة الديموغرافية للمملكة، وقد أشار معالي وزير الخارجية ناصر جودة العام الماضي وفي مثل هذه الايام بأن نسبة اللاجئيين السوريين الى سكان المملكة وصلت الى 21%/ تكلفة غير مباشرة.
تكلفة تفويت الفرصة على الحكومات المتعاقبة والتي عاصرت ملف أزمة اللجوء، حيث تعطلت أو تباطأت خطط التنمية لأسباب مالية بسبب اللجوء أو لإنشغال الوزارات بملف اللجوء، حيث أننا أقمنا مدن كبيرة توازي عمان والزرقاء والتي نمت عبر قرن خلال أقل من نصف عقد كمخيم الزعتري والذي يرتقي بحجمه الى محافظه بسكانه وخدماته وبناه التحتية/ تكلفة غير مباشرة.
وفي ضوء البنود السابقة فإن تكلفة اللاجيء الواحد على الحكومة وبشكل مباشر وغير مباشر على خزينة الدولة تقدر بحوالي 20 دينار أردني يوميا (تتكبدها جزئيا الحكومة بشكل يومي، وستتكبد الخزينة لاحقا الجزء الآخر منها)، وليس شرطا انها تدفع بالنقد بشكل مباشر، وأن الدولة الأردنية ومنذ بدء الأزمة السورية في 2011م قد إستقبلت ما يقارب 2 مليون لاجيء سوري وأن تقديرات التكلفة الاقتصادية الكلية لاستضافة الأشقاء من اللاجئيين السوريين تصل سنويا الى 15 مليار دينار أردني، أي ما يعادل ضعفي الموازنة السنوية للمملكة والبالغة نحو 8 مليار دينار، أو ما يعادل نصف الناتج القومي السنوي للمملكة، وكذلك تقريبا نصف الدين العام. هذا ويبلغ مجموع ما يقدمه المجتمع الدولي لملف اللاجئيين ما لا يتعدى إثنان بالمئة ققط من هذه التكلفة السنوية التي تتكبدها خزينة الدولة الأردنية أو ستتكبدها لاحقا كما بينا سابقا والبالغة 15 مليار دينار.
ونؤكد في نهاية هذا التقرير بأن ما ورد أعلاه مع إحتساب التكلفة الاقتصادية للتدهور البيئي والتردي الاقتصادي الناجمان عن أزمة المنطقة تصل إلى مائة مليار دولار، وأن المجتمع الدولي مطالب بسداد هذه الفاتورة لحكومة المملكة الأردنية الهاشمية، الأمر الذي يحتاج إلى تكثيف الحراك الدبلوماسي والسياسي لتسريع تسوية هذا الملف، حفاظا على إستمرار حكومة المملكة بدفع عجلة السلان وكبح جماح الإرهاب ودواعيه في بؤرة الشرق الأوسط، خاصة وأن الحفاظ على إتفاقيات دولية ما تزال قائمة ما دامت الحكومة الأردنية قادرة على تحمل مسؤولياتها وليس أقلها المالية تجاه صمود الدولة.
التعليقات مغلقة.