التكفيريون العائدون .. كيف نتعامل معهم؟! / غيث هاني القضاة

 

غيث هاني القضاة ( الأردن ) الخميس 5/1/2017 م …

بعد أسابيع أو أشهر قريبة سيبدأ أولئك الذين كانوا يحلمون بدولة الخلافة الإسلامية سواء في العراق او سوريا بالعودة الى وطنهم الام أو ولاية الأردن كما يحلو لهم أن يسموها، وذلك بعد أن حاصرتهم الظروف الأمنية والعسكرية الصعبة هناك، أو بعد ان اكتشف بعضهم ذلك العبث والزيف الذي كانوا يؤمنون به! مشكلتنا الرئيسية مع هؤلاء أنهم قد مارسوا التوحش ومارس بعضهم الزنا واغتصاب النساء باعتبار ذلك حلالا طيبا لهم، بفتوى تم تصديرها من أحد أمرائهم من المتخلفين عقليا أو الشاذين جنسيا، هذا بالإضافة الى ممارستهم القتل أو قطع الرؤوس أو حرق الناس باعتبار ذلك جهادا في سبيل الله !!

مشكلتنا الثانية معهم في أفكارهم ومعتقداتهم الفاسدة والتي تعتبر كل رجل أمن في الأردن سواء كان في الامن العام او المخابرات او الجيش او حتى الدفاع المدني بأنهم ‘مرتدّون’ حلال قتلهم! وان رأس النظام وجميع من حوله هم ‘طاغوت’ وجب محاربتهم، وأن باقي الناس إما ‘جاهليون’ أو ‘كفار’ بحسب ديانتهم فلا بأس من قتالهم إذا تحققت الشروط الموضوعية! أضف الى ذلك عزلة هؤلاء الشعورية عن المجتمع بل واستعلاءهم عليه وتعطل هؤلاء عن العمل، وعدم وجود وظائف لهم او أية اعمال يتقنونها سوى الذهاب الى المساجد وبث سمومهم الفكرية هناك والبدء باصطياد عقول جديدة لتجنيدها حتى يحين أمر الله كما يعتقدون! فسنكون حينها وجها لوجه مع قنابل بشرية موقوتة قد تنفجر في أية لحظة من لحظات الاكتئاب أو اليأس والقنوط، وهي قد تقوم بأفعالها وهي راضية مرضية بل ومطمئنة جدا أن ما تقوم به هو قربى الى الله! وما خلية الكرك الا دليل على خطورة هذا الفكر الظلامي المتحجر.

ما الذي يجب علينا أن نفعله؟ وما هو المنهج السليم للتعامل مع التكفيرين والغُلاة، وكيف نحد من خطرهم! حيث بات واضحا أننا يجب أن نتوقف عن مجرد رفض و ادانة و تسفيه مقولات و أفكار التكفيرين و معاداتها وحسب ، لان مقولات التكفير شئنا أم أبينا وممارساتهم كلفت المجتمعات المختلفة الكثير من الخسائر و الازمات و المصائب و المآسي ،و اذا لم تتعامل الدول المختلفة و الاجهزة الامنية و الاعلام الرسمي و غير الرسمي مع أصحاب هذه المقولات بمنهج علمي و موضوعي و مُنصف بعيد كل البعد عن وضع الرؤوس في الرمال فستبقى هذه (الظاهرة) في مجتمعاتنا تظهر بين الفينة و الاخرى صعودًا و هبوطًا ،ظهورًا و كُمُونًا بحسب الحالة والوضع والفرص لديهم .

و لا بد من الادراك أيضا اننا أمام جماعات (نصوصية) بل و (حرْفية) لا تتجاوز أفهامها ظواهر النصوص القرآنية والنبوية – التي يُخطئون فهمها غالبًا- و قد تربت هذه الجماعات على إساءة الظن بالعقل و الاجتهاد الفكري ! لذلك فان الحوار مع هذه الجماعات و أصحابها و مُنظريها يجب أن يهتم أولا و قبل كل شيء (بالنصوص) مع الوعي بمرامي و مقاصد هذه النصوص ،من أجل نقاشهم و صولا الى الحقيقة المنشودة و التي تكون أحيانا قد عُمّيت عليهم جهلا أو قصورًا أو تخلفًا، لكن المشكلة الحقيقية أن هؤلاء لا يستمعون لأية جهة دينية كانت ،فشيوخ الدولة والافتاء كلهم علماء ‘سلطان’ لا يمكن النقاش معهم بل ويكفرونهم أيضا ،لذا وجب البحث وبدقة عن شيوخ ‘ معتدلين ‘ من وجهة نظرهم قد يستمعون لهم وينصتون ،ويمكن حينها نقاشهم والتفاعل معهم والاخذ والرد عليهم ، فلن تنفع تلك الحلقات والدروس المتكررة التي تعقد في السجون أو المعتقلات والتي يجبر هؤلاء على حضورها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الانصات لما يقول ذلك الشيخ المرسل من قبل ‘السلطان’ على حد تعبيرهم.

يخلط هؤلاء أيضا جهلا ما بين مفهوم (الجهاد) و (الجهاد القتالي) لتحرير الاوطان و بين (العنف العشوائي) الذي يُسيء الى الاوطان و الى الناس و الذي يسعى الى زعزعة استقرار الدول و الامن الوطني لأي بلد كان ،و ما كان هذا الا نتيجة الفهم الخاطئ لبعض النصوص التي يفسرها بعضهم كيف يشاء ، و لعلك تستغرب من بعضهم كيف يستطيع تفسير بعض آيات القرآن و يفسر ظواهر النصوص و هو لا يُتقن القراءة و لا يُتقن

العربية و قواعدها وأسرارها بل و لا يدرك أبسط قواعد التفسير! بل ان بعضهم كان قد غادر المدرسة قبل الاعدادية و قبل أن يتقن الكتابة و الاملاء !!

لعلنا لا نطمح الى خلو مجتمعاتنا من أمثال تلك الجماعات أو الى خلو مجتمعاتنا من أية أثار لمقولات (الغلو الديني) و (التكفير) التي لا بد من وجودها رضينا أم لم نرضى ،و انما يجب أن نطمح الى تحجيم هؤلاء كي لا يكونوا مركزا لجذب ابناءنا و شبابنا في ظل الفقر أحيانا أو الجهل أو الاحساس بالظلم والتهميش أحيانا أخرى ،فما زال نفر من (الغُلاة) يستعلي على الامة (و يُكفر ) و (يُفسق) الآخر و يخرج على (الجمهور) بالجمود و التحجر و العنف المسلح أحيانا أخرى مستندا في فهمه و فقهه الى حديث (ضعيف) أو فهم (مغلوط) لآية قد سمعها و أساء فهمها و تفسيرها و تطبيقها !! .

و لا تزال أيضا الكثير من الدول و الكثير من الاجهزة الامنية تخطئ التعامل معهم و تزيد من قوتهم و اعتدادهم برأيهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون ،فهؤلاء يعتبرون السجون ‘خلوة’ والأحكام القضائية ‘امتحانا’ من الله وجب الصبر عليها، واعدامهم ‘شهادة “، فالحل الأمني لوحده لا يكفي والتعسف أحيانا في استخدام السلطة قد لا يؤتي النتيجة التي نريد ،ولقد اطلعت على الاجندة الوطنية لمكافحة التطرف في الأردن وهي في مجملها موضوعية باستثناء أن الافتراض الأساسي الذي قامت عليه الاجندة مجزوء بحيث تم اعتبار موجات الغلو والتطرف في فهم الدين هي الأساس الوحيد لهذه الازمة ،والحقيقة غير ذلك ،فهنالك اقصاء وتهميش وعدم تكافؤ فرص وفقر وفساد وغلو وشعور بالظلم والقهر وسلب الحقوق مارسته الدول والحكومات قد أسس بطريقة او بأخرى لهذ الظاهرة وغذاها في النفوس، فلا بد أيضا ان تتضمن الاجندة حلولا لهذه المسببات حتى يكتمل الحل.

هؤلاء القادمون الجدد والذين قد يشكلون خلايا إرهابية جديدة ،وجب على الدولة ومؤسسات المجتمع المختلفة التعاون والتنسيق فيما بينهم لإدماجهم من جديد في الحياة العامة ،وتصحيح مفاهيمهم ضمن خطة موضوعية تراعي ما ذكرته في هذا المقال الذي لا يتسع للكثير .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.