رسائل بالجملة من الأردن لبشار الأسد: نرحب بعودة رمز “الدولة السورية”

 

الجمعة 6/1/2017 م …

الأردن العربي – كتب بسام البدارين …

مقابلة رئيس الأركان الأردني الجنرال محمود فريحات الجمعة الماضي كانت محور نقاش وجدل في عطلة أعياد الميلاد ونهاية الأسبوع وبعد أحداث الكرك، واعتبر العديد من المسؤولين والإعلاميين أنها رتبت على عجل ولم تدرس بعناية، وأن محطة “بي بي سي” دخلت بسرعة عندما قرر الجنرال التحدث عن الشأن الإقليمي وتحديداً السوري في إشارة واضحة الملامح إلى أن المسألة السورية خصوصاً في الجنوب لا زالت تمثل “الصداع” الأهم لشمال الأردن خصوصاً أن فريحات نفسه كان قائداً للمنطقة الشمالية ويعرف خباياها وتفاصيلها.

في كل الأحوال كانت تلك أول مرة يستمع فيها المواطن الأردني لتقييمات عن الوضع السوري الحدودي من أرفع شخصية عسكرية في البلاد تحدثت لوسيلة إعلام أجنبية، الرسائل هنا حصرياً كانت مكثفة وسريعة وملغزة بذات الوقت، خصوصاً وأن حديثاً من هذا النوع لا يمكن أن يتم بدون ضوء أخضر من المرجعيات العليا.

في المسار المعلوماتي ثمة مستجدات لا يمكن إسقاطها من أي حساب سياسي أهمها أن “كتيبة خالد بن الوليد” التي قال فريحات إنها “تتبنى الفكر الداعشي” ولم يقل إنها “داعشية” لديها دبابات وأسلحة ثقيلة وتستقر على بعد كيلومتر واحد من الحدود الأردنية.

هذه الكتيبة سبق أن “بايعت” أبو بكر البغدادي واشتبكت مع قوات “جبهة النصرة” “فتح الشام” حالياً لكن الرأي العام المحلي لم يكن يعرف أنها في أقرب نقطة جغرافية من هذا النوع إلا بعد أحداث الكرك، بالتالي الحديث المباغت عنها الآن له هدف عميق بكل الأحوال.

عملياً سبق لقوات الجيش الأردني أن أمطرت منطقة هذه الكتيبة المتأثرة بفكر تنظيم “داعش” بالقذائف مرة واحدة عندما انطلقت منها قذيفة باتجاه نقطة أردنية قريبة وقد كان القصف الأردني حسب مصدر مطلع أردني هو عبارة عن رسالة جاهزية عالية.

وزير الاتصال الناطق الرسمي محمد المومني سبق أن أبلغ “القدس العربي” بأن كل ما يجري داخل تجمع مسلحي هذه العصابة في حوض نهر اليرموك ليلاً ونهاراً تحت الرقابة والسيطرة.

طبعاً يبدو واضحاً من تفصيلات الجنرال فريحات أن “مجموعة خالد بن الوليد” التي تبايع البغدادي ليس لديها أمر بمهاجمة الحدود الأردنية وفي الجانب الثاني لا يوجد أوامر أو قرار بملاحقتها داخل عمق الكيلومتر من الأرض السورية رغم أن ذلك سهل وبسيط.

بمعنى أنه لا يوجد غطاء أو قرار سياسي بالاشتباك مع أنصار البغدادي الذي أعلن تنظيمه الحرب على الأردن عندما وصف رجال الشرطة بأنهم “مرتدون”، في تطور لافت على مسار الأحداث على هامش أحداث قلعة الكرك.

عليه يكشف الجنرال فريحات عن هذه المعلومة لسبب داخل القرار السياسي الأردني سيرتبط على الأرجح برسالة أن عمان تخاطب دمشق ودياً وتقول إنها لا تنوي التدخل في العمق السوري بالرغم من كلام فريحات الصريح عن “عدم وجود جيش نظامي سوري” في الطرف المقابل على الحدود والمعبر.

وهي توضيحات تحاول امتصاص التوتر الدبلوماسي والسياسي والعملياتي مع دمشق بقرينة أن فريحات تحدث أيضاً عن “تنسيق أمني” بين الحين والآخر وعن عزل بلاده للحدود بسبب عدم وجود “رمز السيادة للدولة السورية” وهو الجيش السوري حسب شرح المومني.

في المقابلة التي بدت أسئلتها معدة ومكثفة، حاول الجنرال الإيحاء بأن مشاركة بلاده في “تسليح سوريين” محصورة بالعشائر وبهدف استراتيجي قد لا يغضب دمشق، وهو التصدي لإرهاب تنظيم “الدولة”.

ومثل هذا الشرح لم يسبق أن صدر بهذا الوضوح، وبالتالي هو رسالة إضافية لدمشق تلفت النظر لعدم وجود عقيدة عسكرية أردنية في الاتجاه المضاد لرموز الدولة السورية.

ما يحصل سياسياً في النتيجة هو كما يلي: عمان تعلن أنها لن تقدم الدعوة لحضور القمة العربية لحكومة دمشق لكن مؤسستها العسكرية تعلن بوضوح أنها تغلق الحدود عسكرياً وتراقب وتتدخل بسبب عدم وجود جيش سوري نظامي بالطرف المقابل ومستعدة فوق ذلك للتنسيق تحت لافتة التصدي للإرهاب.

المقابلة التي حظي فيها الجنرال الأردني بـ20 دقيقة فقط وبدا مهتماً بإيصال “رسالة مرجعية”، أثارت جدلاً في عمان فأظهرت غياب النخبة السياسية، وتقدمت بمعلومات ميدانية ودفعت حتى بعض السياسيين البارزين من وزن محمد داوودية للتساؤل العلني عن ما إذا كانت المقابلة تمهد لحكومة عسكرية في الأردن أو لمواجهة “برية” وشيكة مع “المتأثرين بفكر داعش” في خاصرة نهر اليرموك.

في كل الأحوال، المقابلة وقياساً بما عرفته “القدس العربي” عبرت عن التوجيهات العليا التي صدرت لرئيس الأركان بتسجيلها ولبعض نصوصها الحذرة تمثل أكبر جرعة رسائل أردنية توجه حصرياً لنظام الرئيس بشار الأسد وتسعى ضمنياً لفتح صفحة جديدة قوامها الاستعداد للتعاون مع دمشق مع التحفظ على دور طهران في دمشق وبغداد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.