المشهد اليمني بعيون سورية / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي * ( سورية ) الخميس 19/2/2015 م …

* كاتب أكاديمي

إن الحدود الموروثة من إتفاقات سايكس – بيكو هي حدود مصطنعة وأن الحدود الجديدة في المنطقة تُرسم بالدم داخل الدول أو بينها، ويبدو أن اليمن هي الدولة العربية الجديدة التي تنزلق اليوم نحو حربها الأهلية، فكل الظروف الداخلية تعمل في خدمتها، هناك السلاح المتدفق على اليمن الذي يُشاهد على الفضائيات بالعين المجردة، الذي إنتزع بعضه من ثكنات الجيش الرسمي الذي تفكك وفقد كل نفوذه وفعالياته، وهناك الخارج الذي عمل في تفجير أوضاعه وتهديد وجوده وكيانه، فتحولت اليمن الى مركز للفوضى والقتل والتشتت ومستنقع خصب لمطامع المستعمر يغرس فيه أنيابه وينهش في لحمه كما يشاء.

أصبح اليوم الشعب اليمني يدرك جيداً من هم أعداؤه ومن هم أصدقاؤه، ومن كان يتصور أن اليمن وسورية ستتغلغل بين صفوفها عناصر قاتلة مثل القاعدة وداعش وتجد لها أنصاراً داخل هذه الشعوب لكي تنفذ مخططات خارجية، ولأن هذه العناصر كلها صنعت على أيدي مخابرات خارجية ومولتها بعض البلدان المتحالفة مع الدول الكبرى فهي تقوم بقتل الناس في البلدان العربية، كما حدث للعاملين المصريين في ليبيا في أبشع صور القتل والتعذيب والإنتهاك لحقوق الإنسان التي ناضل العالم من أجلها سنين طويلة، فيرتكبون هذه المجازر لتهيج الفتن في كل مكان وتشعل الحروب بطريقة عدوانية كريهة .

علينا أن نعترف بأننا يجب ألا نغمض العيون عما جرى، وما يجرى في اليمن ومخاطر ذلك على المنطقة، وهذا يقتضى أن نقول إن ما يجرى هناك إنما هو حلقة رهيبة من حلقات التآمر على المنطقة بأسرها، وأن نربط بين ما يحدث شمال الجزيرة العربية فى سورية والعراق وبين  ما يحدث جنوباً فى اليمن، لأن ذلك كله إنما هو حلقة من حلقات محاولة السيطرة على المنطقة، وإعادة تقسيمها، فحقيقة ما كان يجري في اليمن منذ عام 2000 و كل صراع جرى فيها منذ أربعينيات القرن الماضي بقيادة بريطانيا وأميركا هو السيطرة على مضيق باب المندب الحيوي الإستراتيجي لمصالح شركات النفط والغاز الغربية والذي أدرجته أمريكا ضمن المحاور السبعة الأهم إستراتيجياً في العالم لها ولمصالحها، ووضعت المخططات للسيطرة عليه, وهذا لم يكن ليتم لأميركا إلا بخلق الحروب والفتن والقتل في اليمن، فضلاً عن إدخال تنظيم القاعدة الى هناك ليقتل ويبقي المنطقة مشتعلة وغير مستقرة وطبعاً يلي ذلك إعلان أميركا والغرب نية التدخل العسكري لحماية المضيق من الإرهاب، ومن يتابع أحداث اليمن يدرك تماماً إن القاعدة في اليمن هي كالقاعدة في سورية أو أي بلد آخر مجرد ذريعة للإحتلال أو التدخل عسكرياً، و إن إستطاعت أمريكا وحلفاؤها أن تسيطر عسكرياً على المضيق تحت أي ذريعة فهي ستضع روسيا وإيران والصين تحت رحمتها وستكون قادرة على حرمان الصين من تدفق النفط القادم إليها من مرفأ السودان الواقع على البحر الأحمر شمال المضيق، وكذلك فبالسيطرة عليه تحاصر أمريكا نفط إيران وتستخدم المضيق ورقة ضغط على أوروبا للقبول بسياساتها في العالم دون إعتراض، بالإضافة على  أنّها أداة ضغط على دول الخليج .

في سياق متصل يحظى ملف اليمن بإهتمام بالغ في الأوساط الخليجية، لما له من إنعكاسات مباشرة على المنطقة، إذ يمثل اليمن البوابة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، ومن المؤكد أن الدول الخليجية تعتبر نفسها معنية بالدرجة الأولى بأي تطورات سلبية تحدث في هذا البلد، لأن من شأنها أن تؤثر في أمنها القومي بصورة مباشرة بحكم الجوار الجغرافي، ولاسيّما أن اليمن يمثل الحلقة الأضعف في السلسلة الأمنية لدول الخليج العربي، في إطار ذلك فإن السيطرة الكاملة للحوثيين على العاصمة صنعاء وضعت اليمن في مفترق طرق وأثارت علامات إستفهام خاصة إذا أصر الحوثيون على إستمرار التصعيد، واليوم تلتف طوق الأخطار الأمنية حول الخليج من شماله حيث التمدد الداعشي الخطير والتحالف الدولي المحتشد ضده ومن الجنوب اليمني برزت حركة الحوثيين لتقلب موازين المشهد الإقليمي وتربك الحسابات السياسية في المنطقة، هذه الأحداث المفصلية التي نشهدها اليوم وستتكشف تطوراتها الكبرى في الأيام القادمة هي أحداث تمس الحدود والوجود لدول مجلس التعاون الخليجي، في إطار ذلك إن سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، يعتبر تهديداً مباشراً للأمن القومي لدول الخليج، حيث قد يشجع هذا الأقليات الموجودة في تلك الدول، لأن يحذو حذو الحوثيين، ويخرجوا ضد الأنظمة الحاكمة، وخاصة السعودية التي ستكون في مرمى نيرانهم.

 

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل سيبقى اليمن موحّداً أو يقسّم إلى أقاليم متعددة بعنوان الفيديرالية؟ لا يختلف معي أحد  في  أن المرحلة الحالية الذي يجتازه اليمن هي من أخطر المراحل وأكثرها تعقيداً، فالغرب إنتقل إلى إختراق الهوية الوطنية لحساب الولاءات والهويات البدائية التي تشكل الإستراتيجية المرحلية التي يفتك بجسد اليمن من أمراض، مثل الإنقياد وراء العصبيات الضيقة، والمشكلة الحقيقية أن الأحداث في اليمن لا تنحصر بالأطراف الداخلية فقط، بل بالتدخل الخارجي عبر التيارات التكفيرية، إذ دخل اليمن في شبكة الملفات الشرق أوسطية، والحل في اليمن لن يكون معزولاً عن الحل الشامل في العالم العربي، ضمن سلة توازنات تحفظ للفرقاء الدوليين، خصوصاً روسيا وأميركا، وللأطراف الإقليمية “إيران ومصر والسعودية” حصصهم على مستوى الأنظمة والجغرافيا.

هنا يمكنني  القول إن الشعب اليمني شعب صديق جداً للشعوب العربية الأخرى وبالذات للشعب السوري، فاليمن بلاد خير وعز، وصفها المؤرخون باليمن السعيد، وذكرها القرآن الكريم، أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد خصّها بقصيدته ” حمامتان بالحجاز حلتا على فنن ” ، وتغنّى بها الأوائل، وصلا الى فهد بلان وأغنيته الشهيرة ” بنات المكلا ” في إشارة الى مدينة المكلا عاصمة حضرموت، ولأن اليمن وقفت دائما مع المقاومة في سورية وأهل سورية ، فان سورية لا ترى إلا اليمن موحدة، ولا تتمنى إلا الخير لأهلها الكرام الذين ساهموا بالغالي والنفيس من أجل القضية، فالذي تعانيه اليمن يعنينا جميعاً، فهي كالقلب للعرب، وسورية  مثل اليمن ترفض اليوم سياسة الإملاء من الخارج وتعي ما يريده الآخرون منه.

ومجملاً… إن الحرب على اليمن لها آثار مدمرة متى إشتعلت وإستعرت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وأن هذا العدوان سيكون كارثياً على مستقبل الأمة العربية وعلى اليمن الذي لن يغيب عن أذهان أبنائه أن من يعدون الحرب على سورية والعراق ومصر و…..هم أنفسهم من عادوا الإرادة الوطنية في اليمن، وأن سياسة التخبط والتردد التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في هزيمة الشعب السوري من خلال توجيه بوصلة حب الوطن ضد كل ما تقوم به واشنطن ومحاصرة كل مغامرة تؤدي الى ضرب هذه الوحدة وزعزعة السلم الأهلي، وإختصاراً إن الوحدة الداخلية اليمنية ضرورة وطنية لمواجهة التدخل الخارجي والتيار التكفيري، لحفظ وحدة اليمن وموقعه القومي والإسلامي، ومنع الفتنة المذهبية، وإحباط المشروع الأميركي لبناء الشرق الأوسط الجديد، لذلك لا بد لليمنيين من إقتناص الفرصة المناسبة لإنقاذ اليمن في ذروة الإنشغال السعودي والخليجي، والإرتباك الأميركي في المنطقة، وصمود سورية ومحور المقاومة في المنطقة.

[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.