تصريحات الجنرال فريحات .. ومستجدات الاقليم! / د.احمد القطامين

 

د.احمد القطامين ( الأردن ) الأحد 8/1/2017 م …

تميزت السياسة الاردنية في التعاطي مع الاحداث في منطقة بلاد الشام بالذكاء الشديد وبممارسة محتوى عال من ضبط التصريحات في اطار محدد سلفا. لكن الواقع ان الحقائق الجيوسياسية تغيرت بصورة دراماتيكية لسبيين، الاول ان الجيش السوري اخذ باسترداد عنصر المبادأة في المعركة المستمرة منذ خمس سنوات بينه وبين تنظيمات مسلحة ممولة ومدارة بصورة فعالة من خارج سوريا.

اما الثاني فيتلخص في استدارة استراتيجية كبيرة في المواقف انجزتها حكومة اوردوغان، فبعد ان كانت تدعم جميع الفصائل العاملة في سوريا ضد السلطات السورية اخذت بالتراجع التدريجي الى ان اصبحت عمليا تتبنى الموقف الروسي بكل تفاصيله ومعطياته. اذن نحن امام مشهد جديد تغيرت فيه المعطيات استراتيجيا مما يحتم تغيرات في المواقف لمواكبة هذه التغيرات من كل الاطراف في المنطقة.

تصريحات رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الاردنية التي ادلى بها الى محطة بي بي سي، جاءت في هذا السياق لتعلن رسالة مزدوجة بالغة الاهمية. تأتي اهميتها انها ربما الحالة الاولى التي يوجه الرسالة فيها العسكري الاول في البلاد، وهي حالة غير مسبوقة تشير الى طبيعة ما يراد ارساله الى من يهمه الامر في المنطقة.

فالرسالة القادمة من الدولة العميقة تختلف في اهميتها ومدلولها من الرسالة التي يبثها احد السياسين كالناطق الرسمي باسم الحكومة. لقد تضمنت التصريحات رسالة مزدوجة من شقين:

الاول: ان وضعنا الامني وسط نيران المنطقة لا زال مسيطرا عليه، واننا دربنا مقاتلين ضد داعش وليس ضد الجيش السوري، واننا نفضل سيطرة السلطات السورية على حدودها معنا بكل ما ينتج عن ذلك من استئناف التبادل الاقتصادي والانساني مع الدولة السورية. ان دراسة متعمقة لمحتوى هذا الشق من التصريحات تشير اشارة واضحة الى رغبة الاردن بان تكون العملية القادمة بعد حلب التي سيقوم بها الجيش السوري يجب ان تتم في جنوب سوريا، وهو اقرب الى رسالة طمأنة من الدولة العميقة الى السلطات السورية تفيد اننا لن نتعاطى بسلبية مع العمليات العسكرية التي سيقوم بها الجيش السوري بالقرب من حدودنا الشمالية.

الثاني: مرة اخرى، متابعة متأنية للمقابلة تسمح بالاستنتاج ان العسكري الاول اراد ايصال رسالة الى اطراف عديدة في المنطقة وليس لايران وحدها عندما اشار الى مخاوف من الامتداد الايراني البري عبر منطقة تلعفر غرب الموصل التي تسمح لخط بري يربط ايران بلبنان عبر العراق وسوريا، وهذا التصريح شكل الشق الثاني من الرسالة المزدوجة.

التحليل الاكثرعمقا لهذ الشق من الرسالة يؤكد ثبات الموقف التقليدي المعتاد حيال هذا الموضوع، لكنه يشير في نفس الوقت الى انه قد صيغ بطريقة تقلل من اهميته بالنسبة للمحتويات الاخرى من الرسالة، وانه قيل في سياق تحليلي تضمن دور الحشد الشعبي واهمية الاجهاز على قوات داعش واستعادة الموصل منها، وهذا ربما كان السبب لامتناع الحكومة الايرانية عن التعليق على تلك التصريحات.

اعتقد ان الرسالة وصلت الى محطاتها المطلوبة، وجاءت في زمانها ونجحت في استقطاب تغطية اعلامية واسعة، وهذا هو المطلوب.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.