أنا عربيّ متّهم دائمًا / محمّد علي طه

 

محمّد علي طه* ( فلسطين ) الإثنين 9/1/2017 م …

*كاتب وقيادي شيوعي فلسطيني ممن يعيشون داخل الخط الأخضر ويحملون الجنسية الإسرائيلية …

أنا، بدون لفّ ودوران، مواطن يحمل جواز السّفر الإسرائيليّ وبطاقة الهويّة الزّرقاء ويشارك في الانتخابات البرلمانيّة ويتقاضى مخصّصات التّامين الوطنيّ، ويشمله التّامين الصّحيّ ويدفع الضّرائب لوزارة الماليّة وللسّلطات البلديّة والمحليّة، ويبني البيوت لأولاد عمومته من كريات شمونة (الخالصة) حتّى إيلات (ام الرشرش)، وينظّف الشّوارع من نهاريا حتّى اسدود، ويقدّم الحمّص والفلافل للزّبائن في تل أبيب والعفّولة ويسهر على صحّة جيرانه في المستشفيات والصّيدليّات.. إلخ.

وأنا منذ قيام الدّولة حتّى اليوم مواطن متّهم بعدائها وبعدم الإخلاص لها في أحسن الحالات، متّهم قبل ميلادي وبعده، متّهم أبديّ ومشكوك به “على طول”.

إذا لم أشارك في الانتخابات البرلمانيّة فهذا دليل قاطع على أنّني لا أعترف بالدّولة ومعادٍ للدّيمقراطيّة وإذا ما شاركت فيها فهذا برهان ساطع على أنّني أطمح لإحتلال وزارة الدّفاع والسّيطرة على ديمونا.

وإذا إشتعلت النّيران في أحراش الكرمل فأنا شمشون الذي صاد ثلاثمائة ثعلب وربط شعلة في ذيل كلّ واحد منها “وولّعها” واطلق سراحها بين الغابات معلنًا بداية “انتفاضة الحرائق”.

وإذا توهّمت فتاة معاقة عقليًّا أنّ شابًّا أسمر اغتصبها فأنا هو الذي أغتصبها بوحشيّة حتّى إذا تراجعت وأقسمت أنّ ما ادّعته كذب ومختلق فلا يهمّ.. وأنا الذي ألفّ كتاب “كفاحي” لأدولف هتلر والدّليل على ذلك أنّني مؤلّف معروف منذ قصص السّندباد البحريّ.

واذا هتف مؤيّدو فريق “بيتار أورشليم”: “الموت للعرب” فأنا المسؤول عن ذلك لأنّ لاعبًا عربيًّا يلعب في الفريق الخصم.. وهذا احتلال للملاعب اليهوديّة.

وإذا نادى المؤذّن فوق المسجد “الله واكبر” فهذا يعني أنّني عضو في “داعش” و “وحزب الله” و “حماس” عنصريّ ولا ساميّ لا يعترف بدولة إسرائيل ويدعوا لإزالتها.

وأنا الذي يبني بيته بدون رخصة بناء لأنّني فوضويّ يعادي التّنظيم ويسرق أراضي الدّولة على الرّغم من أنّه يملك كوشانًا على الأرض..

وأنا المسؤول على نقص منسوب المياه في بحيرة طبريا لأنّني أسرق المياه وأبذرها كي تجفّ البيّارات ويموت الزّرع.. واذا تأخّر نزول المطر فأنا المسؤول لأنّ الله تعالى غاضب بسبب تصرّفاتي وأقوالي وأعمالي.

وإذا أمطرت السّماء وفاض وادٍ أو جدول وغمر البيوت في منطقة الخليج او في وادي الحوارث فأنا المسؤول أوّلًا وأخيرًا لأنّني وٍسّخت الوادي ومجراه.

وأنا مذنب ومتّهم لأنّني مصرّ على البقاء في بيتي وبلدي كما أنّني عنصريّ لأنّني مصرّ على أنّ أعيش بكبرياء على هذه الأرض.

وأنا متّهم لأنّني تزوّجت وأنجبت أطفالًا و “خربّطت” الوضع الدّيموغرافيّ لسكّان الجّليل بل لسكّان الدّولة.

وأنا متّهم لأنّني أحبّ الزّعتر والعكّوب والعلت والخبّيزة وزيت الزّيتون ومستعدّ أن أعيش على البساطة.

أنا متّهم لأنّني أعيش أعيش.. أعيش!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.