الرأسمالية المتوحشة تقتلنا بقلب بارد / محمد سيد أحمد

 

محمد سيد أحمد ( مصر ) الثلاثاء 10/1/2017 م …

النظام الرأسمالى قائم بالأساس على الاستغلال, وهو نظام اقتصادى ينقسم فيه المجتمع الى طبقتين أساسيتين الأولى تسمى طبقة البرجوازية وهم أصحاب رؤوس الأموال الذين يسيطرون على الثروة والسلطة داخل المجتمع والثانية تسمى طبقة البروليتارية وهم العمال الذين لا يمتلكون غير قوة عملهم ويضطرون الى بيعها من أجل البقاء على قيد الحياة, والأولى تسعى دائما الى تعظيم أرباحها ومكتسباتها وثرواتها على حساب الثانية وعبر استغلال فائض قيمة عملها ومص دمائها, وهذا النظام الذى ظهر فى أوروبا فى أعقاب الثورتين الصناعية فى بريطانيا والفكرية فى فرنسا فى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر, أثار كثيرا من الجدل حيث جاءت النظرية الماركسية كنتاج طبيعي لهذا النظام الرأسمالى المستبد والمتوحش, وحاولت النظرية أن تطرح النظام الاشتراكى كنظام بديل للنظام الرأسمالى الذي يفتقد أى بعد للعدالة الاجتماعية.

ومع مرور الوقت أصبحت الاقتصاديات العالمية تدور فى فلك هذين النظامين, فاتجهت الكتلة الغربية لتطبيق الرأسمالية فى حين اتجهت الكتلة الشرقية لتطبيق الاشتراكية, وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت الحرب الباردة بين القطبين الجديدين فى العالم الولايات المتحدة الأمريكية التى تتزعم النظام الرأسمالى والاتحاد السوفيتى الذى يتزعم النظام الاشتراكى, وسعت مجتمعات العالم الثالث التى تحاول اللحاق بركب التقدم والتنمية الى محاولة تطبيق واستنساخ هذه التجارب التنموية, وحاول القطبين العالميين استقطاب الدول النامية الى محورهما, وكان من نصيب مصر التى شهدت حركة تحرر وطنى فى مطلع الخمسينيات من القرن العشرين أن تختار طريق التنمية على الطريقة الاشتراكية التى تحقق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية والتى تسعى لتذويب الفوارق بين الطبقات, وقد كان حيث نمت الطبقة الوسطى بشكل غير مسبوق فى التاريخ المصري على حساب الطبقات الفقيرة, وتمكنت مصر من بناء مجتمع منتج قائم على فكرة الكفاية والعدل, وشهدت المنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولى أن التجربة المصرية حققت نجاح مبهر لدرجة سبقت فيها مصر كوريا الجنوبية التى بدأت تجربتها التنموية فى نفس التوقيت.

ومع مطلع السبعينيات ورحيل الزعيم جمال عبد الناصر وتولى الرئيس أنور السادات حكم مصر قرر أن يتخلى عن السير على طريق التنمية المستقلة والتى تستلهم النموذج التنموى الاشتراكى, وكان البديل الجاهز بالنسبة له هو طريق التبعية للنظام الرأسمالى العالمى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية حيث أطلق مقولته الشهيرة أن 99 % من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان ومن يومها بدأ الدوران فى فلك الرأسمالية المتوحشة حيث أعلن عن تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى التى خلقت وخلال سنوات معدودة ما أطلق عليهم القطط السمان وهم مجموعة من السماسرة الذين يعملون وكلاء لدى الشركات الرأسمالية العملاقة متعددة الجنسيات والعابرة للقارات وينفذون تعليمات سيدهم الأمريكى وأطلقوا على أنفسهم مسمى رجال الأعمال بغض النظر عن نوعية هذه الأعمال سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة, وأصبحت هذه القطط السمان هى من يتحكم فى الاقتصاد الوطنى وبدأت عمليات الفرز الاجتماعى تتم على قدم وساق حيث يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا وتختفى الطبقة الوسطى التى تآكلت مكتسباتها فى ظل تطبيق آليات السوق.

ورحل السادات وخلفه مبارك الذى قرر الاستمرار على نفس نهج التبعية للنظام الرأسمالى المتوحش وفى عصره الذى استمر ثلاثة عقود كاملة تحولت القطط السمان الى ديناصورات مفترسة ابتلعت ثروات الوطن وضاعفت من ديونه الداخلية والخارجية مرات ومرات وقامت ببيع ممتلكات الشعب بدون سند من دستور, وأصبح الملايين من الفقراء يعيشون دون خط الفقر, وانقسم المجتمع الى طبقتين الأولى هى مجموعة سارقى وناهبي قوت الشعب الذين يطلقون على أنفسهم زورا وبهتانا رجال الأعمال الذين تمكنوا من عقد زواج غير شرعي بين رأس المال المسروق والمنهوب والسلطة التى أصبح المال أحد أهم وسائل الوصول إليها, والثانية هى الغالبية العظمى من الشعب المصرى الذى يعانى من استغلال واستبداد وظلم وقهر الطبقة الحاكمة.

وعلى الرغم من ثورة الشعب على النظام الرأسمالى التابع مرتين متتاليتين الأولى فى 25 يناير 2011 والثانية فى 30 يونيو 2013 إلا أنه لم يتمكن من اسقاط هذا النظام الرأسمالى المتوحش, والذى مازال يتلقى التعليمات من سيده الأمريكى بقتل الشعب بقلب بارد, عبر تنفيذ أجندة صندوق النقد الدولى, والتى لا يدفع فاتورتها غير الفقراء والكادحين, حيث تسيل دمائهم يوميا تحت عجلات قطار الأسعار الذى لا يرحم استغاثاتهم, لذلك يجب أن يعي من يحكم مصر أن المصريون حين رفعوا شعار الشعب يريد اسقاط النظام لم يكن الهدف الاطاحة بأشخاص بقدر ما كانوا يستهدفون الاطاحة بالسياسات الرأسمالية المتوحشة التى تقتلنا بقلب بارد, ولن يتوقف نزييف دم الفقراء إلا بإسقاط هذا النظام الرأسمالى المتوحش, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.