العروبة خطأ تاريخي في سورية.. وداعا رفيق سبيعي / نضال القادري

 

نضال القادري ( الخميس ) 12/1/2017 م …

** تنويه من ” الأردن العربي ” : ننشر هذا المقال المخالف لقناعاتنا حول العروبة ومعناها الفكري والمعنوي والمادي ، ننشره ( فقط ) وفاء منا لذكرى الراحل الكبير ( فنان الشعب ) رفيق السبيعي ولعطاءه الفني المتميّز …

أن يترعرع رفيق سبيعي الشاب والفنان في ثلاثينات القرن الماضي في حي البزورية الدمشقي إبان الانتداب الفرنسي لبلاده ففيه الكثير من الدلالات. احتلال للبلاد! وعيب اجتماعي!. أراد رفيق سبيعي أن يلمس المحرم. دخل فيه العيب الفني تحت اسم “رفيق سليمان. كان الفن وقتها عيباً اجتماعياً كاملاً، كذلك كان الرقص، والغناء. الصدفة شاءت أن يحل بديلاً ليلعب دوراً كوميدياً عن الأصيل. نجح في امتحان العيب الجميل. وبعد أن تعدّدت أدواره الفنية، في التمثيل والسينما والمسرح والمونولوج. جسّد شخصية “أبو صيّاح” وقد ضربت شهرته بعدها، فلقّبه الشعب والإعلام بفنان الشعب.

خلال تكريمه ومنحه وساماً من حزبه السوري القومي الاجتماعي في حضرة الأمين علي قانصو في العام الماضي، قال رفيق سبيعي: “وصلتُ إلى سن أعرف أنّني قد أرحل في أية لحظة. لذا دعوني أوصيكم بسوريا خيراً”، قائلاً للحضور:”تحيا سوريا”. وها قد حل قمر الغياب الكبيرعن ضفاف الحياة. ولرحيله ألم كبير بطعم المرارة. هو صاحب الطاقة الهائلة، والإبداع المتجدّد، وعاشق الفن الحر. تعملق به الفن كمحب، ومارسه هو كهاوٍ أنيق عتيق بعيداً عن أضواء الاحتراف الكذّاب. كان أداؤه قريباً من القلب، محبباً وممتعاً، فيه من الشغف ما يساوي برتقالة في يد ولد، وتفاحة كافرة في يد حواء. لكنه أبداً هو “الزعيم” و”أبو صيّاح” و”القبضاي” و “الزكرت” و”المونولجي” و”الإذاعي” و”المسرحي”. وفي كل ذلك التمدّد والتعدّد الحي، كان شامياً جميلاً أصيلاً.

ترك “أبو صيّاح” إرثاً كبيراً في المسرح والغناء والسينما والإذاعة والتلفزيون. كانت له أدوار تمثيلية سياسية تحاكي المقاومة ضدّ المحتل مثل فيلم “سفر برلك” مع “الأخوين رحباني”. وكانت لرفيق سبيعي أعماله الهامة من المسلسلات نذكر منها: بنت الشهبندر، قمر الشام، طاحون الشر، طالع الفضة، أولاد القيمرية، أهل الراية، ليالي الصالحية، مرزوق على جميع الجبهات، رقصة الحبارى، الطير، أيام شامية، الخشخاش، وادي المسك، حمام الهنا، مقالب غوار، دمشق يا بسمة الحزن، الحصرم الشامي، مطعم السعادة، حمام الهنا، ومقالب غوار، وأبو صيّاح الثاني عشر. كما حل ضيفاً شرفياً على عدة مسلسلات أخرى منها: بقعة ضوء، وأشياء تشبه الحب، والحصرم الشامي. قدّم أيضاً برنامجاً بعنوان “حلو الكلام”، وآخر تحت عنوان “قصص وحكايا”. كانت له صولات وإبداعات في السينما نذكر منها: عملية الساعة السادسة، عنتر يغزو الصحراء، أيام في لندن، ذكرى ليلة حب، فتاة شرقية، سفر برلك، بنت الحارس، السكين، عشاق، زواج على الطريقة المحلية، غرام في إسطنبول، أهل الشمس، أحلام المدينة، الشمس في يومٍ غائم، الليل، صندوق الدنيا، الليل الطويل. كما الكثير من أغاني الأنتاجات التلفزيونية والمونولوج. أما في العام الماضي فقد أطلق رفيق سبيعي أغنية تحت عنوان “لا تزعلي يا شام” كتب كلماتها ولحّنها سهيل عرفة، متمنياً فيها انتهاء الأزمة والحرب على سوريا والسلام لشعبه.

مؤلم أن تفقد سوريا من تحب، وأن تنكسر نخلة العمر سهواً لمسيرة مناضل من قيراط رفيق سبيعي في عز الحرب الكونية على سوريا. أي زعيم للحارات سيوقظنا من غربة الموت، ومن تغرّب بدأت تشتاقه خشبة النضال المسرحي والإبداعي. رفيق سبيعي! ها نحن نزرع غيابك كومة من التقدير. عرفناك ابن حياة النهضة القومية الاجتماعية، منتمياً لحركة الثقافة والنهضة وبغير أخلاق أنطون سعاده – زعيم الحياة – ما حييت وأنتجت. اعتدناك رائعاً في حضور متعمّم بقامات عز ووقفات ثبات. وفي الزمن الشحيح الذي غادر فيه الفن مهنته، تبرّأت أنت بطهارة كاملة من كل أبواق مواخير الدول الهابطة على سوريا، والتي وخزت تحت جلود الضعفاء نقمة ونعمة حقيرة، وبين جنباتنا موتاً يومياً أسود، وأحزمة ناسفة مؤمنة بحز الرقاب وفنون القتل وطرائقه، وفي جيوبهم كازاً وغازاً ونفطاً وأموالاً قذرة عديدة كثيرة.

رفيق سبيعي، إن تاريخك الفني سيكون لنا سفراً كاملاً من التجدّد والإنتاج والعمل، ولحظة حب دائمة لسوريا التي أردتها أن تحيا في زمن أضعنا فيه صورنا الحقيقية، وأضعنا فيه الطريق إلى قلب سوريا التي غرست فينا المحبة. اليوم علّ أرواح الأحياء تحفظ لك جميلاً، أبداً ما بخلت به وزوّدت مساحات الفن الحر الجميل به. وفي اليوم الذي ستخذلنا فيه أرواحنا المتكاسلة، فإن ياسمين الشام وذاكرتها لن تنزلك عن جواد الوفاء، ولن تنساك زعيماً متوجاً من دون منازعة على كل حاراتها.

ابن النهضة القومية الاجتماعية رفيق سييعي يبق بحصة لا زالت تسد أفواه الكثير من المضلّلين في عبثهم. لقد فتح رفيق سبيعي باباً واحداً من حارات العقل على كل الحناجر التي لم تكسر بعد رهاب الخوف وراهنية العقل حينما قال: “أكبر ورطة تورتطها سوريا بتاريخها هي تبنّي الفكر العروبي الوهمي.عشنا كذبة العروبة لسنين ونسينا سوريا. كم أضاعت سوريا حين تجهالت أنطون سعاده وسارت خلف الوهم العروبي”.

كم أنت صادق أنت في حضورك، ونقي أنت في ماس الغياب! في رحيلك ليت الفن يتعلم “الأكابرية” و”النظافة” و”أناقة الروح” ورتابة الالتزام، والإخلاص لرائحة الخشبة التي وقفت عليها، وأعطيتها من رئتك كل أنواع الأوكسجين، وخبرتها وهي غاية كبيرة في الخطورة. هي تشبه خشبة الحرب التي تقف عليها سوريا، ويعاني السوريون من كل ممثليها. وها هو المشاغب “الزكرت” فيك يا رفيقي قد تحسّس أنها صارت أمام ناظريه أرقاً كل هذه الأكوام من الأسئلة الضاربة في يومياتنا الشامية وعبثاً وممنوعاً ومستحيلاً.

رفيق سبيعي! يا رفيق الحارات الشامية وسبعها وزعيمها الأصيل. هو زمن كتير طويل كنت فيه رفيق الشعب، ورفيق الناس، ورفيق الضحكات والفقراء، ورفيق الفرح، ورفيق الصغير والكبير، ورفيق النهضة القومية الاجتماعية، وإناءها الكريم الحنون، و”الزكرت” و”المعدل”، وشيخ الشباب، وشيخ الأخلاق في العطاء الكبير من أجل بلادك الحرة الكريمة. إن كل القصص التي كنت ترويها على الفقراء، حولّتنا فيها إلى أطفال حالمين يستمعون إلى زمن جميل طويل تمنيناه ألا ينتهي. كنت زادنا في الأمل، والضحكة التي استرقتها منا كانت ماسية مثل قلبك الذي تحمل صعابٍ المرحلة، وما هوّن علينا مأساة الصعاب سوى ذاك الشغف المليء الماطر بالنصر.

رفيق سبيعي! ترجّل الفارس الدمشقي العتيق “العكيد” بعد رحلة فنية غنية ستبقى طويلاً في الذاكرة السورية والعربية. ترجّل تاركاً جمهوراً مفتخراً به، متمتعاً بأثره. غادر مسرحه تاركاً سواداً وحزناً شديداً قاتماً حوله. ستفتقدك شامُك، لكنك ستبقى فيها شجرة شامخة، نستظلّ بظلّها ما حيينا. تعلّمنا منك الاجتهاد في الفن والتفاني في التجدّد والعطاء. حقاً أنت فنان الشعب، باق في ذاكرتنا، وصفحتك مضيئة من تاريخنا الفني. في ذات مرة قال الرفيق رفيق سبيعي: “العروبة ورطة وخطأ تاريخي في تاريخ سوريا. أنا سوري قومي اجتماعي، ولا يمكن أن يأخذ العرب مكاناً لهم بين الأمم المتقدمة. علينا في سوريا أن نعطي ونحدّد معنى جديداً للوحدة”. تابع رفيق سبيعي: “نحنا انخدعنا بالوحدة العربية، وأنا كنت واحداً منهم. وحدة سوريا هي الأهم، سوريا دائماً رأسها مرفوع. العرب دمى الغرب. لن تكون هناك وحدة عربية ولا من يوحّدون. أنا أعاني من الحال ومن تبعيّة العرب أكثر من المرض الذي ألمّ بي. أنا مريض بالعروبة الفاشلة. العرب يهدرون ثروات بلادهم لتقسيم سوريا، وهم وشعوبهم أيضاً مشرذمون. وأتمنى قبل أن أرحل إلى آخرتي أن أرى بلادي مبتسمة فرحانة بنصرها”. يا سيفنا الدمشقي العتيق، ستشتاقك ساحات الفن مبتسمة. وحارات التجدّد سترفرف فوقها بيارق النصر، وها هم رفقاؤك الذين أحببتهم وأحبوك في “نسور الزوبعة” وفي كل القرى السورية يجتهدون إلى جانب الجيش السوري لتطهير البلاد من إرهاب العرب، بعدما أحرقت ثورة الخونة أبواب سوريا.

رفيق سبيعي! أرقد بسلام الياسمين وفي فيئه، ولا يسعني إلا أن أقول دائماً نحن في حضرة غياب الكبار متساوون. كانت وصيتك أن “بعلم الزوبعة الحمراء دثّروني”، علم الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي قدّس تراب سوريا وخلّد دماء شهدائنا في كل معركة. وها نحن في الحزب نودّعك كبيراً، ونتقدّم بأحرّ العزاء لإبننا الفنان سيف الدين سبيعي، ولعائلتك الكبيرة، ولعائلتك الصغيرة، ولزملائك ولمحبذيك، ولرفقائك بالتعزية، ولهم جميعهم الصبر والسلوان. ودائماً تحيا سوريا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.