وجوه من ثورة تونس تتذكر لحظات لا تنسى وتتمسك بالأمل

 

الإثنين 16/1/2017 م …

الأردن العربي … القدس

في 14 كانون ثان/يناير الجاري تبلغ الثورة التونسية، التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، سنتها السّادسة، لكن تلك الثورة الشعبية، التّي منحت التونسيين الحرية، لم يحن قطاف باقي ثمارها بعد، فالمطالب مستمرة، والاحتجاجات من أجل تحقيقها لم تنقطع.

لئن كانت الثورة التونسية قطرة أفاضت غضب شعوب في وجوه عدد من حكام العرب آنذاك، ضمن ما بات يعرف بـ”الربيع العربي”، وجسرا نحو نيل الحريّات، فقد كان اعتقاد التونسيين حينها أنه لا يفصلهم سوى وقت قصير عن تحقيق كل آمالهم، إلاّ أنّ مساحة الحلم تقلصت سنة بعد سنة، بحسب متابعين.

الأناضول التقت عددا من الوجوه البارزة للثورة التونسية (17 كانون أول/ديسمبر 2010- 14 كانون ثان/يناير2011)، حيث استحضروا أبرز ذكرياتهم مع الثورة، وكشفوا خيبة أمل من الأوضاع الراهنة، إلا أنهم شددوا على عدم اليأس ومواصلة الأإيمان بالثورة حتى تحقيق مطالبها كافة.

“هرمنا من أجل هذه اللحظة”

لا يمكن الحديث عن أيام الثورة التّونسية دون العودة إلى “الفيديو” الذّي عرف انتشارا واسعا، سواء عبر القنوات التونسية والعربية والعالمية، أو على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو صورة التونسي، أحمد الحفناوي، وهو يمسح بيده على شعره الأبيض، ويردد مقولته الشهيرة: “فرصتكم أيها الشباب التونسي تستطيعون أن تقدموا لتونس ما لم نقدمه لها نحن.. لأننا هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التّاريخيّة”. وهي كلمات جمعت بين الفرحة واللوعة في الآن ذاته.

الأناضول التقت الحفناوي، واستحضرت معه تلك اللقطة، حيث قال: “رددت تلك العبارة يوم 15 يناير(كانون ثان) 2011 (بعد يوم من الإطاحة بحكم بن علي الذي بدأ عام 1987) عندما أفاق الشعب على يوم جديد من الدّيمقراطية والحرية، كانت صرخة إلى العالم أجمعه”.

الحفناوي تابع أن “الحرية والدّيمقراطية هما الشيئين الوحيدين الذّين خرجنا بهما من الثورة، وبقي المواطن البسيط كبش فداء نتيجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب.. الطموحات ومكاسب الثورة لم يتحقق منها شيئا، ومازالت في مخاض الاضطرابات السياسيّة والاقتصادية؛ ولا بد من الصبر ومزيد من النّضال”.

وختم قائلا: “بمجتمع مدني قوي لا يمكن أن نخاف على الحريات، التي تبقى ممارستها في حدود معقولة دون المس بحرية الغير”.

مد وجزر ثوري

لينا بن مهني هي ناشطة حقوقية ومدونة تونسية شابّة نشأت في وسط عائلي دفعها نحو الكتابة والتدوين.

لينا قالت للأناضول: “كان والدي سجينا سياسيا في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1957- 1987)، فكبرت مع حكايات قمع النظام، وكانت لي فرصة معرفة بلادي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فأدركت حينها أنّ الخطاب الرسمي المنمق ليس سوى تزييفا لواقع الشعب التونسي”.

الناشطة التونسية، المولعة بالقراءة والكتابة منذ الصغر، بدأت مدوناتها على الورق إلى أن اكتشفت التدوين على الإنترنت عام 2007، وهي تعتبر أن “المسار الثوري مستمر في تونس، ويتميز بمد وجزر ما جعل العديد من التونسيين، وخاصة النشطاء والمدونين، ييأسون حتى أن بعضهم قرر الانسحاب، ومنهم من التحق بأحزاب سياسية وجمعيات مدنية”.

لكن بالنسبة إلى لينا لم يتغير شيء، فكما تقول: “لا زلت موجودة عبر مدونت وحملات تبرع خيرية لفائدة سجون ومدارس تونسية، رغم اختياري التقليص من ظهوري الإعلامي”.

عن أهداف الثورة، ترى لينا أن “الأحلام والطموحات كانت كبرى، ولكن الوضع الصعب عكس ذلك، لكن لا يمكن بلوغ تلك الأهداف في ست سنوات، فتاريخ الثورات في العالم يستوجب عشرات السّنين لتتحقق المطالب”.

بحماسة، واصلت الناشطة التونسية حديثها: “أؤمن كثيرا بما صار في تونس، ورغم أن هناك ندم وتراجع من قبل البعض، إلا أن ذلك لا يثنيني عن مواصلة التدوين والتعبير عن رأيي، يجب أن نكمل الطريق بالتضحية ودون يأس″.

ولا تنفي لينا وجود تضييقات وتراجع في مجال الحريّات، وبينها حريّة الإعلام.

لينا تتذكر أكثر المشاهد التي بقيت راسخة في ذهنها، قائلة: “كنا في بيت الشهيد نزار السليمي (قتل في المظاهرات) بولاية سيدي بوزيد (وسط) في ديسمبر (كانون أول) 2010، تأثرت ولم أستطع التصوير، وكانت أم الشهيد تلح عليا بأن أصور، وأنقل كل ما يحدث إلى العالم ليشهد على ذلك”.

مشهد آخر، ترى الناشطة التونسية أنه لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتها عندما “تظاهر المحامون في القصرين (وسط غرب)، في الفترة نفسها، في صمت حاملين لافتات كتب عليها يكفي دما، وعلى أطراف الجهة الأخرى وقف أعوان (عناصر) الأمن رافعين السلاح في وجوهم، في استعداد لإطلاق النّار في أي لحظة”.

“خيبة أمل”

“في ذهني ذكريات جميلة عن الثّورة، وبي حاليّا خيبة أمل”، بهذه العبارات استهل رياض الكعبي، المدون وأحد الشباب الذّين شاركوا في الثورة التونسية، حديثة للأناضول.

الكعبي، الذّي يوقع تدويناته باسم “بابا سنفور” (شخصية كارتونيّة)، قال إن “أوج اللحظات الثورية لم يكن في 14 يناير، ولكن أجملها كان في ديسمبر 2010، والمتعة الحقيقية هي تلك التي كان فيها كل شخص منا في منزله أمام حاسوبه الخاص يعبر عن رأيه.. إنسان ضعيف ليس له سوى جهاز صغير يواجه به آلة إعلامية ضخمة تابعة لنظام بن علي”.

الشاب التونسي تابع: “في تلك السنوات أصبحنا غير قادرين على مواصلة العيش في ظل نظام قهر وظلم، لم يكن لدينا سوى سلاح واحد الفيسبوك والإنترنت عامة، كنا في حاجة ماسّة إلى التدوين والكتابة والتوثيق”.

وبحسب الكعبي، فإن الأمور اختلفت اليوم عما كانت قبل 6 سنوات، إذ “لم يعد هناك صِراع بين ثائرين على نظام فساد واستبداد، بل هناك أطراف سياسية وأيديولوجية، وهي جزء من النظام الحالي، فأصبح الصراع اليوم مع نوع آخر على السلطة”.

إيمان متواصل بالثورة

عن التدوين والثورة قال أمان الله المنصوري، وهو إعلامي ومدون تونس: “بدأت بعمر 21 عاما، وتحديدا سنة 2007 مشوار التدوين لإنارة الرأي العام ولإيصال صوت والدي، الذّي دخل في إضراب عن الطعام آنذاك لمدة 33 يوما؛ احتجاجا على ظلم النظام، وخضوعه للمراقبة الإدارية (إلزام النّاشط بالإمضاء في مركز الشرطة أكثر من مرّة يوميا) ومنعه من مزاولة أي عمل بعد 14 سنة قضاها في السجن”.

المنصوري، وفي حديث للأناضول، اعتبر أن “شباب الثورة تم تغييبه قسرا عن الساحة السياسية؛ فسقف طموحه ونوعية خطابه لم تتلاءم مع المشاريع السياسة المطروحة على طاولة الأحزاب، ونتيجة لقدرة السلطة على نقله من الشارع إلى الدكاكين الحزبية”.

هذا الوضع، وفق المنصوري، “تسبب في موجة غضب وإحباط ونفور عن ممارسة السياسة، وهذا لا يعني بالضرورة نهاية الإيمان بالثورة، بل أن عددا كبيرا منهم اتجه اليوم إلى تطوير تجربتهم السياسيّة والإعلامية عبر الانخراط في وسائل الإعلام والمجتمع المدني إيمانا منهم أنهم سيكونون صناع القرار السياسي مستقبلا”.

ومن أكثر اللقطات التي بقيت في مخيلت المنصوري تلك المواجهات التي خاضها مع الشرطة في مدينة سوسة (شرق) أيام الثورة، أما أبرز خبر آلمه كثيرا، فهو خبر مقتل 13 شابا من القصرين في يوم واحد.

وبحسب تقرير “اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق” (مستقلة تأسست في يناير/ كانون ثان 2011) الصادر في 2012، تم تسجيل 338 قتيلا و2147 جريحا خلال الثورة التونسية، فيما لم تصدر الحكومة حتى الأىن قائمة رسمية بعدد شهداء وجرحى الثورة.(الأناضول).

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.