تحليل سياسي هام … لماذا يبدو وكأن إيران تعرقل مؤتمر أستانة

 

الثلاثاء 17/1/2017 م …

الأردن العربي – كتب إيهاب زكي

أصبح انعقاد مؤتمر أستانة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري أمرًا مسلمًا به، فقد تم تحديد أسماء الحاضرين ورؤساء الوفود، ورغم أن تعيين الدكتور بشار الجعفري كمفاوض من طرف الحكومة السورية يشي بجديتها، إلّا أنّ تعيين المدعو محمد علوش ينم عن عبثية الأطراف الراعية للإرهاب في سوريا. فقد اشتهر بصبيانيته السياسية وتصريحاته الطفولية، والتي كلفته إبّان مفاوضات جنيف مقعده على مائدة التفاوض، وقد علل ذهابه إلى أستانة بأنه “ذاهبٌ لإخراج إيران من المشهد والميدان السوريين”، وهذا بشكلٍ مبدئي يعني أنّ مشكلته لم تعد مع “رحيل الأسد قتيلًا” كما قال وقت انعقاد مؤتمر جنيف، بل أصبحت مع رحيل إيران، رغم أن أستانة هو نتاج مجهود ثلاثي روسي تركي إيراني، ووجوده هناك في أحد وجوهه هو بفضل إيران، وكان من شأن اعتراض إيران على وجوده أن يجعله جليس غرفته الفندقية، لكنها لم تفعل، وحتى الوفد السوري لم يبدِ احتجاجًا على وجوده رغم خلفيته السعودية الصرفة وسوابقه الطفولية، في دليلٍ آخر لحرصها على كل مبادرة تسعى لوقف النزيف.

بدأت ما تسمى بـ”المعارضة السورية” بتحديد حصريات النقاش في أستانة، وهي ثلاث نقاطٍ لا غير، وكلها لا تنم إلّا عن سوء نية، بعكس تصريحات الرئيس الأسد والذي اعتبر أنه لا سقوف للنقاش وكل شيء قابلٌ للطرح على الطاولة، وأول حصريات “المعارضة” هي تثبيت وقف إطلاق النار، وهو ما يعني تثبيت خطوط تماس تكبل يد الجيش السوري وحلفائه، ويُستشف من سلوك “المعارضة” وداعميها بأنها خطوط تماس تشمل مناطق سيطرة النصرة وداعش، بحجة الحفاظ على حياة المدنيين، وعدم تضررهم بحجة وجود التنظيمين الإرهابيين. وأما ثاني تلك الحصريات، فهو وقف ما يسمونه بـ”التهجير القسري”، وهي اللغة المذهبية التي يبرعون في استخدامها لتثوير الغرائز والحرص على مذهبة الصراع، وهذا يعني تكبيل يد الدولة السورية عن إنجاز المصالحات والتسويات، وهو الشكل الوحيد-رغم كل ما يلقى من احتجاج على المستوى الشعبي- الذي تراه الدولة السورية حلًا سوريًا سوريًا ومرضيًا. وأما ثالث الحصريات فهو دخول المواد الإنسانية، وهي إحدى الطرق المعتمدة سابقًا لإدخال السلاح والذخائر وكل ما من شأنه تعزيز تواجد المجموعات الإرهابية من خلال مدها بشرايين الحياة.

في بداية الحديث عن مؤتمر أستانة كانت هناك ثلاثة أمور لافتة، ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر تبدو ثلاثة أخرى على النقيض ومعاكسة تمامًا، فمع التوصل لاتفاق وقف النار والإعلان عن مؤتمر أستانة، بدا أن هناك تمردًا تركيًا على السياسة الأمريكية، بل وهجومًا تركيًا من كل المستويات على الولايات المتحدة، هذا أولًا، أما ثانيًا، فكان هناك صمت سعودي مطبق، حتى أننا ظننا بعادل الجبير الظنون لطول غيابه، وأما ثالثًا فهي تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب حول داعش، كونها العدو وتقديره للخطوات الروسية في حربها. وأما مع اقتراب موعد المؤتمر وتأكيد انعقاده، فقد انقلبت تلك الثلاثية إلى ثلاثية معاكسة تمامًا، فبدأ الأتراك بالغزل مبكرًا للولايات المتحدة وتأكيد ضرورة حضورها المؤتمر، وتدفقت التصريحات السعودية على كل المستويات العسكرية والسياسية، وهي تصريحات من نقطة الصفر التي صمتت عندها، أي أنه لا جديد فيها وتنم عن الرغبة في مواصلة الدمار والتخريب، وأخيرًا تصريحات لترامب تنتقد التدخل الروسي في سوريا وأنه فاقم المشكلة ولم يسهل الحل، وهي التصريحات التي أدت بدورها أو قامت عليها التصريحات السعودية والتركية سابقة الذكر، وهو يثبت ما قلته سابقًا من أن هؤلاء يمارسون سياسة “تسيد العبيد” على إدارة أوباما الغاربة وليس على أمريكا، ولن يألوا جهدًا على تقديم صكوك العبيد للإدارة الجديدة.

بعد كل هذا السرد يثور السؤال، أين هي إيران المتهمة نفطيًا بمحاولة عرقلة مفاوضات أستانة، إيران التي قدمت إلى سوريا بطلب رسمي من حكومة شرعية، وما هو الثابت من التصريحات أو الوقائع، لم تتخذ الحكومة السورية قرارًا مهما كانت طبيعته، لجهة مواصلة العمل العسكري أو التوجه السياسي أو قرارًا بهدنة أو بغيرها إلّا والتزمت به إيران بغض النظر عن وجهة نظرها، فالقيادة السورية هي الأقدر على تحديد المصالح السورية، وكان لافتًا اليوم تصريح الرئيس حسن روحاني حيث اعتبر أنه ليس من المفيد مشاركة أطراف داعمة للإرهاب في مؤتمر أستانة، وهو بالتأكيد يقصد السعودية والولايات المتحدة، بينما وجود تركيا هو تواجد لكل تلك الأطراف ولو بالنيابة. فتركيا لا تحضر بالأصالة عن نفسها ولا تستطيع ذلك، إنما تحضر بالنيابة عن أمريكا، ولكن الرهان الإيراني على تركيا ينطلق من فكرة الحدود، وأي تغيير في الموقف التركي سيخفف من وطأة اللعنة لتلك الحدود، وهذا بعكس السعودية التي لا تمتلك تلك الميزة، فهي داعم بالمال والسلاح، ودون امتلاك الطريق التركي لذلك الدعم فلا قيمة له، وقد بدأت محاولات العرقلة من خلال رفض فصائل وتحفظ أخرى على حضور وإجراء المؤتمر. إذًا إيران كأحد أطراف محور دمشق لا تستطيع عرقلة المؤتمر بوجود القرار السوري الذي يتفوق بإلزاميته على أي رغبة إيرانية وجدت أو لم توجد، بعكس الأطراف الأخرى التي لا مرجعية سورية لها، ولكن الثابت الموجود هو الرغبة السورية بوقف النزف، ولكنها رغبة لن تكون طريقها ممهدة في ظل رغبات أمريكية “إسرائيلية” تركية سعودية باستمرار الاستنزاف حتى انتزاع المكاسب، وهي المكاسب التي تتعارض مع المصلحة السورية والرغبة الإيرانية، وهما مصلحة رغبة تتنافيان بالقطع مع محاولات العرقلة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.