مؤتمر باريس و”الملوخية الناشفة” / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 19/1/2017 م …

”تظل إدارة هولاند أكثر انحيازًا ونفاقًا لإسرائيل, وخضوعًا لضغوطات الصهاينة واليهود, والأكثر صقورية وعدوانية من أية دولة أوروبية أخرى بدليل موقفها من الحرب في سوريا ,عندما أوهمت باريس نفسها, بِالقدرة على لعب دور مؤثِّر في الأحداث السورية, ورغِبت في نيل حصتها الاستعمارية في الكعكة السورِية, عندما تصدرت قائمة دول ما وُصفت ذات يوم بـِ “أصدقاء سوريا”, فإذا بصداقتها المزعومة هذه, تزيد من معاناة السوريين وتُعمِّق جراحاتهم ومآسيهم.”

بالفعل, حاولت البحث عن عنوان لمؤتمر باريس الأخير حول القضية الفلسطينية, فلم أجد غير العنوان في أعلى الصفحة.

في ستينيات القرن الزمني الماضي, أرادت أم من بلدي قلقيلية زيارة ابنها المهاجر إلى أميركا منذ الخمسينيات. حملت له من بين ما حملته, ملوخية بلدية جرى تجفيفها, فأصبحت ناعمة بالطبع. في مركز الجمارك الأميركية عند الدخول, شكت الجمارك بما تحمل! اعتقدوا الملوخية نوعا من المخدرات الشرق أوسطية الجديدة. بعد جهد جهيد وبواسطة عربي أميركي يسمح له بالدخول إلى المطارات, هاتفه ابنها ليأتي إليه وينقذه! فوالدته لا تفك الحرف مثل كل أمهاتنا رحمهن الله, ومعرفة سبب تأخيرها, أخرجوها مقابل تعهد بعدم الخروج من المدينة, حتى يتبينوا ماهية المادة. بعد أسبوع من التمحيص المختبري لها, جاء التقرير, وكان مكتوبا فيه: “مادة لا تضر ولا تنفع, لا مانع من دخولها إلى الولايات المتحدة”. بصراحة لم أجد نتيجة تنطبق على مؤتمر باريس الأخير, غير المشابهة لما قاله التقرير المختبري الأميركي عن الملوخية الناشفة.

لقد تعودنا من المسؤولين الغربيين, وفيما يتعلق بالتسوية فى الشرق الأوسط, أن يقولوا كلامًا جميلاً فى البداية, فيه بعض الإنصاف لبعض الحقوق الوطنية الفلسطينية, وذلك بهدف استدراج الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات مع الكيان, وبعد (إنجاز) هذه الخطوة, يتراجع المسؤولون عن وعودهم السابقة, ويصطفون بالكامل إلى جانب المطالب الإسرائيلية, وإلى جانب رؤية الدولة الصهيونية للحل. بالطبع يعود ذلك إلى أسباب كثيرة, لعل من أهمها الضغوط الخارجية والداخلية التي تُمارس عليهم من جانب الكيان واللوبيات الصهيونية في أوروبا, والتيار الصهيوــ مسيحي, وأصدقاء الكيان على الساحة الدولية, وفي البلدان التي يحكمها هؤلاء بشكل أساسي. هكذا كان الحال مع أوباما, الذي تراجع عن كل وعوده, وسيكون الأمر بشكل أسوأ مع ترامب, وهو جاد في نقل السفارة الأميركية في الكيان إلى القدس, ويشجع الاستيطان, ودعا ثلاثة من قادته إلى حفل تنصيبه, وهذا هو الحال مع الرئيس هولاند.

نعم, فقد دعا البيان الختامي الصادر عن مؤتمر مؤتمر باريس بشأن السلام في الشرق الأوسط ,الذي حضرته 70 بلدا ومنظمة وهيئة دولية, إلى تحقيق حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما دعا البيان الطرفين إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب “تحكم مسبقا على نتائج المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي” (وكأن الفلسطينيين هم من يتخذونها!). من جانبه, قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت: إن المجتمع الدولي ملتزم بتشجيع العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى الحل الذي يحقق كلا من دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية. المؤتمر, لم يوجه كلمة نقد واحدة للاستيطان الصهيوني, ولم يضع آلية لتطبيق قراراته. بالمناسبة فرنسا هي الدولة الثانية بعد أميركا, التي اعترفت بالكيان “دولة يهودية”.

المؤتمر اعتمد على ما اصطلح على تسميته بـ (المبادرة الفرنسية الأولى التي كانت في عهد ساركوزي)، لقد انطلقت تلك من عودة المفاوضات الفلسطينية مع الكيان على أساس دولة للفلسطينيين على حدود 4 يونيو 1967، وإخضاع القضايا المختلف عليها كاللاجئين والقدس وغيرهما إلى التفاوض بين الجانبين, وعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في باريس،,يحضره الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني, إضافة إلى الأطراف الدولية. هذا هو ملخص المبادرة الفرنسية السابقة, التي بالطبع لم يُكتب لها النجاح. المبادرة الجديدة قزمت الحقوق الفلسطينية أكثر من السابقة. فقد كانت زيارة وزير الخارجية السابق لوران فابيوس, في يونيو 2015 إلى الكيان وإلى أراضي السلطة الفلسطينية جزءًا من الجهد لتحقيق إجماع دولي لاتخاذ قرار في مجلس الأمن حول المبادرة. رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو رفضها, وكرر موقف كيانه حول الحاجة إلى مفاوضات مباشرة من دون ضغط خارجي, أما الطرف الفلسطيني, فقد أيد الخطوة. في فبراير 2016, قبل وقت قصير من اعتزاله, صرح فابيوس بأن فرنسا تعتزم عقد مؤتمر دولي في يوليو لتحريك المسيرة وإنقاذ حل الدولتين. بعد وقت قصير من تسلمه مهام منصبه, قام وزير الخارجية الفرنسي الجديد باستئناف للمبادرة, موضحاً أن فرنسا لن تعترف تلقائيًّا بدولة فلسطينية ¸فهذا ليس شرطاً مسبقًا لعقد المؤتمر, وبقراره هذا ألغى المسؤول الفرنسي نوايا سلفه.

تقضي المبادرة بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود الرابع من يونيو 1967, مع تبادل مناطق بمساحات متفق عليها, وعلى أن تستجيب الدولة الناشئة “لاحتياجات الأمنية الإسرائيلية. وإجراء مفاوضات لا تزيد مدتها على 18 شهراً للوصول إلى حل الدولتين لشعبين مع الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل, حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين, بالاستناد إلى “آلية تعويض”. على الطرفين وضع معايير تضمن أمنًا لكلتا الدولتين إسرائيل وفلسطين, وتحافظ بشكل فعال على الحدود, وتصد الإرهاب،,وتمنع تدفق الوسائل القتالية, وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح. الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي على مراحل, خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها. واعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقًا مؤقتًا. المقصود.. القول إن باريس تعترف بما يطالب به الكيان من تعديل للحدود. والتعديلات التي يطلبها كثيرة منها الإبقاء على المستوطنات والمستوطنين, والطرق الالتفافية والجدار العازل في الضفة الغربية, أي أن الدولة الفلسطينية ستقام على أقل من 18% من مساحة الضفة الغربية, بالإضافة إلى قطاع غزة.

تظل إدارة هولاند أكثر انحيازًا ونفاقًا لإسرائيل, وخضوعًا لضغوطات الصهاينة واليهود, والأكثر صقورية وعدوانية من أية دولة أوروبية أخرى بدليل موقفها من الحرب في سوريا ,عندما أوهمت باريس نفسها, بِالقدرة على لعب دور مؤثِّر في الأحداث السورية, ورغِبت في نيل حصتها الاستعمارية في الكعكة السورِية, عندما تصدرت قائمة دول ما وُصفت ذات يوم بـِ “أصدقاء سوريا”, فإذا بصداقتها المزعومة هذه, تزيد من معاناة السوريين وتُعمِّق جراحاتهم ومآسيهم.

جملة القول: إن مؤتمر باريس لعب ويلعب دورا سلبيا والتوائيا بالنسبة للحقوق الوطنية الفلسطينية. لم يكن المؤتمر إلا مناسبة خطابية إعلامية. المؤتمر لم يحدد أية خطوات عملية ملموسة لتحصيل الحقوق الوطنية الفلسطينية, ولم يدن الاستيطان الإسرائيلي ولا تهويد القدس ولا الجرائم الصهيونية اليومية بحق شعبنا, بالتالي, فهو مؤتمر تضليلي إلهائي من قبل الدول الأوروبية وفرنسا وبريطانيا, التي تحفظت على التصويت, في محاولة اعتذار واضحة من العدو الصهيوني على تصويتها الأخير في مجلس الأمن على القرار بإدانة الاستيطان. ليس لمؤتمر باريس أية أهمية من تلك التي حاولت السلطة الفلسطينية تهويلها وتعظيمها, والمراهنة عليها في العام الحالي 2017 . لقد غادر فابيوس مبنى “الكي دورسيه”, وخَلَفَه جان مارك ايرلوت, وسقط وعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية, بل ان باريس استبعدت حضور وفد فلسطيني, رغم أن الرئيس عباس كان موجودا في باريس. الرفض يالطبع جاء لأن الجانب الصهيوني رفض الحضور, ما دفع فرنسا إلى استبعاد الطرفين . بالله عليكم ارحمونا, دوشتونا بمؤتمر باريس وبالوعود غير القابلة للتحقيق, نناشدكم: ارحمونا.. ارحمونا.. ارحمونا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.