هل تذكرون فلسطين؟ / د.احمد مصطفى

 

د.احمد مصطفى ( الخميس ) 19/1/2017 م …

”.. لا نريد الدخول في جدل يطول حول الأسباب والدوافع لكن لنتعامل مع النتيجة: لم تعد فلسطين قضية العرب المركزية، ولم تعد أخبار الصراع مع إسرائيل أولوية حتى إن البعض لم يعد يعتبر اسرائيل عدوا ـ أو على الأقل العدو الرئيسي. وربما من المبالغة أن نحمل الإعلام وحده وصولنا إلى هذه النتيجة، فالإعلام في النهاية سياسة وثقافة المجتمعات التي ينبت ويؤثر فيها.”

يعلم كثير من الصحفيين أن تغطية أخبار فلسطين في السنوات الأخيرة أصبحت مشكلة، وتحديدا منذ حرب العراق حيث بدأ مسؤولو التحرير في أغلب وسائل الإعلام الرئيسية يلومون من يقترح تغطية الصراع العربي ـ الإسرائيلي (الذي أصبح الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي). وحجة هؤلاء المسؤولين أن “قضية فلسطين” ليست سوى حجة الكسول الذي لا يريد أن يعمل على قصص تتطلب جهدا، بما أن أخبار فلسطين مكررة ولا تحتاج جهدا. ومع تعدد القضايا العربية، الإقليمية والمحلية، وانتشار برامج “الكلام” المسماة (توك شو) أصبح الحديث عن فلسطين والصراع مع اسرائيل مجرد ملء فراغ أكثر منه جدي تهتم به أي وسيلة إعلامية. مرة أخرى لأنه من السهل الحديث عن فلسطين مع وضوح العدو: اسرائيل.

قد يكون هناك ما يبرر موقف وسائل الإعلام الرئيسية بعدما طغت قضايا مثل الإرهاب والحروب داخل دول المنطقة، ولا يمكن تصور أن هناك “قوى تستهدف القضية الفلسطينية صنعت كل تلك الأزمات لتصرف عنها الأنظار”ـ فذلك ابعد حتى من تفسير المؤامرة. وحتى لو استسهلنا وسلمنا بذلك من باب الجدل فإن ما يحدث يتم بأيدينا وعلى نفقتنا، فنحن جميعا إذا ضالعون في المؤامرة لو ان هناك واحدة. ولا نريد الدخول في جدل يطول حول الأسباب والدوافع لكن لنتعامل مع النتيجة: لم تعد فلسطين قضية العرب المركزية، ولم تعد أخبار الصراع مع إسرائيل أولوية حتى أن البعض لم يعد يعتبر اسرائيل عدوا ـ أو على الأقل العدو الرئيسي. وربما من المبالغة أن نحمل الإعلام وحده وصولنا إلى هذه النتيجة، فالإعلام في النهاية سياسة وثقافة المجتمعات التي ينبت ويؤثر فيها.

فماذا حدث إذا كي نصل على ما نحن عليه، خاصة بالنسبة لجيل أمثالي الذي تربى على أن فلسطين قضيته المركزية وأن الصراع مع اسرائيل “صراع وجود لا حدود” وأن “مصر الاحتلال إلى زوال حتى لو طال”؟ أتصور أن الأمر معقد، وليست هناك إجابة بسيطة مباشرة. ومع تعدد العوامل والظروف، يصعب تحديدها في جدول يتضمن ترتيبا بالأهمية فكلها مهمة ويتباين تأثير الواحد منها من حين لآخر. ولنقسمها لدوائر، تبدأ بالأوسع وتحديدا منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي والذي انتهى بالانتفاضة الفلسطينية الأولى ـ والأهم في رأيي ـ متزامنة مع نهاية نظام عالمي ثنائي القطبية لم يفض بعد إلى نظام جديد احادي أو متعدد الأطراف. لكننا في المنطقة قررنا من البداية اعتبار أن النظام العالمي أحادي القطبية واتبعنا مقولة الرئيس المصري السبق الراحل أنور السادات حول الصراع العربي الاسرائيلي: “99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة”.

وتطلب الأمر سنوات طويلة لنكتشف أن الوضع ليس كذلك، وأن هناك لاعبين من دول صغيرة في المنطقة إلى قوى اقليمية كإيران وتركيا وأن أوراق اللعب توزعت دون أن نملك منها شيئا واصبح جلوسنا على الطاولة مجرد “كمالة عدد”. ولما اكتشفنا ذلك كنا قد دخلنا في صراعات أخرى كثيرة بعضها داخلي وبعضها اقليمي وانهكتنا حروب من أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن. وما زال ذلك العامل الأوسع فاعلا، إذ إننا لم نستوعب بعد الاستراتيجية الأميركية في المنطقة والعالم وما زلنا نردد أنها “ضعيفة” وأنها “خذلتنا” .. إلى آخر تلك الترهات. لكننا تخلصنا من ذلك العبء الثقيل الذي لا قبل لنا به، واعتبرنا الصراع “العرابي ـ الإسرائيلي” صراعا بين الإسرائيليين والفلسطينيين على حدود أراض ومستوطنات. وتصورنا اننا هكذا ألقينا نصف الحمولة عن كاهلنا، وبقي أن “نعاون” و”نساعد” ونتبرع للأونروا والهلال الأحمر خجلا من أن يقول الناس أننا نتبرع لضحايا فيضانات لويزيانا ولا نتبرع لضحايا الخليل والقدس المحتلة.

ثم جاءت موجة الاحتجاجات والاضطرابات في بعض دول المنطقة قبل سنوات قليلة، والتي تفاءل البعض بأنها قد تعدل بعض الموازين التي مالت سلبا إلا أن الشباب المحتجين اعتبروا “قضية فلسطين” شماعة استغلها الحكام الذين احتجوا عليهم لتبرير عدم تلبية حقوق شعوبهم الأساسية. وهنا تم تحميل “فلسطين” وقضيتها أوزار المنطقة كلها تعسفا وظلما. وسارت الاحتجاجات على خطى القاعدة وداعش في مثالية الهدف النهائي “تحرير فلسطين”، لكن التركيز الآن هو على تحرير بلادنا أو تدميرها “في طريقنا إلى القدس”. المصيبة أنه تزامنا مع تلك العوامل الدولية والإقليمية، وربما بتأثير منها ايضا، شهدت الساحة الفلسطينية ذاتها تغيرات سلبية ساهمت في الوصول إلى ما نحن عليه الآن. وكثير من هذا لا يحتاج إلى تفصيل.

المهم، أن القوى الإقليمية والعالمية، صارت تتعامل مع فلسطين على طريقة ما يعتبره مسؤولو الإعلام “حجة الكسول” لدى الصحفيين. لذا سمعنا خطابا ناريا من وزير الخارجية الأميركي قبل مغادرته منصبه بأيام يبدو وكأنه يتذكر قضية فلسطين، وكذلك رئيسه يتحدث عن فلسطين. وحتى الفرنسيس دعوا لمؤتمر حول فلسطين (لم يحضره المعنيون وإنما حضر الرعاة)، وكل ذلك من باب إضافة مهمة عمل لسجل إداري في نهاية مدة الخدمة!. أظن الآن لا حاجة للإجابة عن السؤال: هل تذكرون فلسطين؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.