هل تمثل عودة القطار الشبح في روسيا مؤشرا على نشوب حرب باردة جديدة؟
الأحد 22/1/2017 م …
الأردن العربي …
** “القطار الشبح” في روسيا عائد مرة أخرى...
تماما مثل الأيام الكئيبة التي سادت خلال الحقبة السوفيتية، من المقرر أن يجول قريبا قطار عسكري عبر الأراضي الروسية الواسعة وهو يحمل على متنه صواريخ برؤوس نووية مزودة بأنظمة توجيه لضرب الأهداف الاستراتيجية في الغرب.
وفي ظل تصاعد التوترات مع الغرب، بدأت روسيا تستعرض قوتها العسكرية على نحو يلفت انتباه المجتمع الدولي.
ويحذر الخبراء من أن المناورات العسكرية، وإعادة توزيع القوات البرية على طول الحدود الغربية لروسيا مع باقي دول أوروبا، وإرسال طائرات مقاتلة إلى سورية، إنما هي جميعا مؤشرات على أن فصل جديد من الحرب الباردة يستعر تحت الرماد. وفي عام 2014، تم تصنيف حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العقيدة العسكرية الروسية بشكل صريح باعتباره خصما.
وفي بداية عام 2017، من المقرر إطلاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على آخر مراحل تطوير القطار المسمى “بارجوسين” والذي يحمل على متنه شحنه تتراوح ما بين خمسة إلى ستة صواريخ. وكان هذا القطار يثير مخاوف الغرب في ثمانينيات القرن الماضي حيث أنه كان دائم الحركة، وبالتالي كان من الصعب تعقب أثره. وظل الجيش الروسي يشغل هذا القطار حتى مطلع الألفية.
والآن تقرر إعادة القطار الشبح للحياة من جديد. وأفادت وكالة أنباء “إنترفاكس″ الروسية بأن الصواريخ العابرة للقارات اجتازت بنجاح اختبارات الاطلاق الأولى، وسوف يصبح القطار جاهزا للتشغيل بحلول عام .2020
وخلال قمة حلف الناتو في وارسو في تموز/يوليو الماضي، اتسعت هوة الخلاف بين روسيا والغرب، فقد اثار استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم الاضطراب في شرق أوروبا، واتفقت دول الناتو في وارسو على تمركز ألف جندي من قوات التحالف في كل واحدة من دول البلقان، وهي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، علاوة على بولندا.
ورأت موسكو أن الناتو، بهذه الخطوة، قد تجاوز خطا أحمر.
وانتقد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف حلف الناتو قائلا إنه “كتلة عدائية”. والآن ترسل موسكو الآلاف من جنودها لتعزيز قواتها بطول حدودها الغربية. وفي أيار/مايو الماضي، قررت الحكومة الروسية تشكيل ثلاث فرق جديدة تتألف كل منها من عشرة آلاف جندي.
وقد يبدو هذا الإجراء بمثابة خطوة كبيرة، ولكن البعض يرونه إشارة على الضعف من جانب موسكو.
ويقول دميتري ترينين خبير الشئون العسكرية من معهد كارنيجي في موسكو إن “الغرب متفوق على روسيا في شتى المجالات باستثناء المجال النووي.. وفي مثل هذا الوضع، يكون الطرف الأضعف هو الأكثر استعدادا للإقدام على المخاطرة”.
وأشار ترينين إلى خطورة المواجهات الجوية التي حدثت على مسافات قريبة بين الطائرات الحربية الروسية والغربية فوق بحر البلطيق، ويقول إن مثل المواجهات صارت أكثر تكرارا في الشهور الأخيرة، وإذا ما أسفرت واحدة منها عن تصادم بين الطائرات، فمن الممكن أن يتطور الوضع إلى كارثة.
ويتشكك بعض المراقبين العسكريين بشأن الحشود العسكرية الروسية على الحدود الغربية. ونظرا لأن اعداد القوات الروسية لم تتغير بالكاد في عام 2016، حسب البيانات الرسمية الروسية، من قوامها البالغ قرابة مليون جندي، فإن هذه الحشود على الأرجح تعني نقل القوات من آسيا الوسطى.
ورغم أن موازنة الدفاع الروسية لعام 2017 البالغة قرابة 45 مليار دولار هي موازنة ضخمة، إلا أنها تقل بواقع الربع تقريبا مقارنة بعام .2016
ومن بين المواقع التي يوجه إليها الانفاق العسكري الروسي بشكل واضح ميناء بالتيجيسك الحصين قرب جيب كالينينجراد المطل على بحر البلطيق. ويقع هذا الميناء بمنأى عن الأنظار وتتمركز هناك غالبية قطع الأسطول الروسي في بحر البلطيق.
وتحيط بولندا وليتوانيا اللتان تنتميان لحلف الناتو بجيب كالينينجراد، وبالتالي فإن الأنظمة الدفاعية بهذا الاقليم الصغير تم تجهيزها بما يتناسب مع وضعه الجغرافي، حيث قام الجيش الروسي مؤخرا بنقل صواريخ مضادة للسفن من طراز “باستيون” إلى هناك لتعزيز دفاعاته الساحلية.
كما تعزز روسيا وجودها العسكري في سورية وإقليم القرم. وفي ظل وجود صواريخ الدفاع الجوي الروسية من طراز إس- 400، تقيم موسكو منطقة أمنية تمتد لعدة مئات من الكيلومترات فوق هذه المناطق على نحو يجعلها حصينة أمام الطائرات الأجنبية.
ويقاتل الروس في سورية لأكثر من عام حتى الآن، وهو ما يفوق المدة الزمنية التي كانت متوقعة في البداية، وتعتبر هذه المهمة وسيلة لاستعراض التكنولوجيا العسكرية الروسية، ولكن الخبير العسكري ترينين يرى أن أهم تأثير لهذه المهمة هو اكتساب الاحترام.
وأوضح قائلا إن “روسيا تتصرف في الشرق الأوسط على نحو يهدف إلى أن توضح للأمريكيين أنها ليست قوة إقليمية فحسب، بل أنها قوة عالمية”.
ويدرس الكرملين فكرة بناء قواعد عسكرية ليس في سورية فقط، بل أيضا في فيتنام وكوبا، مما يعني وجودا روسيا في كل من بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الأطلسي، وإن كانت موسكو لم تشرع بعد في إجراء محادثات رسمية مع أي من الدولتين.
وتقول مجلة “نيو تايمز″ الأسبوعية الليبرالية المستقلة المعروفة بموقفها المناهض للكرملين: “إذا ما قارنا بين الأوضاع التي تسود الآن وبين الحرب الباردة، فسوف نرى أننا عدنا تقريبا إلى المرحلة التي عايشناها في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي”.
وذكرت المجلة: “يبدو أمامنا كما لو كانت الأزمتان الكورية والكوبية مازالتا قائمتين”، مضيفة أنه لو كانت أي من هاتين الأزمتين قد تصاعدت إلى صراع نووي، لكانت قد أتت على كوكب الأرض. ولابد أن يستفيد العالم اليوم من هذه الدرس التاريخي أكثر من أي وقت مضى.
وخلصت المجلة قائلة: “هذا الدرس المستفاد يطلق عليه اسم التعايش السلمي”.
التعليقات مغلقة.