اتفاقية أوسلو بين الهوية والتخاذل / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 24/1/2017 م …
منذ أن تم توقيع اتفاقيتي أوسلو بين الصهاينة ومنظمة التحرير الفلسطينية وناقوس هذه الاتفاقية المذلة يقرع بقوة في كل المحافل التي تعنى بالشأن الفلسطيني ، فكم مقال كُتب بين مؤيد ومعارض وكم من حوار دار وكم من نقد تم توجيهه لهذه الاتفاقية ومن وقعها ، ولكن كل ذلك كان دون جدوى فكل النقد والمعارضة لم تمنع موقعيها ومناصريهم من المضي قدما في تطببيق بنود تلك الاتفاقية وتفاهماتها وتقديم التنازلات المتتابعة ، فلقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة “إسرائيل” (على 78% من أراضي فلسطين التاريخية – أي كل فلسطين ما عدا الضفةالغربية وغزة – كما التزمت منظمة “التحرير” بحق “إسرائيل” في العيش في سلام وأمن على ان يتم التوصل إلى حل كافة القضايا المتعلقة بالأوضع الدائم من خلال المفاوضات بحيث أن يكون إعلان المبادئ في اوسلو بداية حقبة خالية من العنف ، وعليه فإن منظمة التحرير تدين إستخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى – أو بكلمة أخرى المقاومة – كما قامت المنظمة بتعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني متراجعة عن النصوص المتعلقة بحدود فلسطين التاريخة وأن الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة للتحرير ليتماشى ذلك من بنود الاتفاقية .
وفي المقابل انسحبت اسرائيل من اريحا وغزة ثم قامت وبموافقة من منظمة التحرير بتقسيم أراضي الضفة الغربية إلى أقسام ثلاثة ( أ ، ب ، ج ) حيث اعتبرت أراضي القسم “ج ” والتي تشكل 61% من أراضي الضفة لغربية أراض تحت السيطرة المدنية والأمنية ” الإسرائيلية ” الكاملة عدا ما يقطنها من مدنيين فلسطينيين وتشمل مناطق ” ج ” كافة المستوطنات الإسرائيلية ومعظم الطرق التي تربط تلك المستوطنات والتي يقتصر استخدامها على الإسرائيليين دون غيرهم كما تشمل المناطق الاستراتيجية التي توصف بأنها “مناطق أمنية”بأن عدد سكان المستعمرات قد كان 1000 مستوطن إسرائيلي عام 1972 ووصل عام 1993إلى 110000فيما بلغ عددهم عام 2012 أكثر من 300000 وبلغ عددهم في عام 2016 إلى حوالي 700 ألف صهيوني.
أما أراضي القسم “ب” والتي تشكل 21 % من أراضي الضفة فالسيطرة المدنية فيها فلسطينية أما السيطرة الأمنية فتكون ” إسرائيلية ” فلسطينية مشتركة وتشمل العديد من البلدات والقرى والمناطق الفلسطينية، مع عدم وجود مستوطنات صهيونية فيها، وأما مناطق ” أ” التي تشكل 18% من أراضي الضفة والتي تشمل جميع المدن والمناطق المحيطة بها من أراضي الضفة الغربية مع مراعاة عدم وجود مستوطنات إسرائيليةحيث يحظر دخول هذا القسم على ” الإسرائيليين ” وعلى الرغم من عدم وجود نص يسمح بتواجد جيش الاحتلال فيها إلا أنه يقوم بشن غارات لاعتقال النشطاء الفلسطينيين ومن يشتبه الاحتلال بهم .
وبناء على اتفاقية اوسلو وتفاهماتها تم إقامة حكم ذاتي فلسطيني الذي أصبح يعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة ، كما تشكيل مجلس تشريعي منتخب بالإضافة إلى تشكيل قوة شرطة فلسطينية غايتها المعلنة حفظ الأمن الداخلي في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية على أن يتم وفي كافة الأحوال التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال ومنع أعمال العنف والارهاب ( المقاومة ) بعين الاعتبار عدم تشكيل جيش فلسطيني بحيث تكون إسرائيل مسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أي عدوان خارجي ..
ومن هنا بدأ ماراثون لا ينتهي من المفاوضات العبثية التي لم تحقق من خلاله السلطة أي إنجاز غير ما تم الاتفاق عليه على قاعدة اوسلو بل وتجاوز الأمر إلى تقديم التنازلات ومنها التخلي عن حق العودة إلا للسياحة كما تسرطن الاستيطان وتضخم بشكل تجاوز معه ل الحدود مما يشكل خطراً حقيقياً يتمثل بابتلاع كل أراضي الضفة الغربية بما في ذلك الاستيطان في القدس وضواحيها .
لقد كان توقيع اتفاقية أوسلو وما ترتب عليها من تفاهمات نكبة حقيقية بحق الشعب الفلسطيني ، فإن كانت نكبة 1948 قسرية واحتلال فرض على الشعب الفلسطيني فرضاً ، فإن التوقيع على أوسلو كان خياراً طوعياً أضفى الشرعية على نكبة 1948 وبموجب ذلك اضاع التوقيع – بمفهوم اسرائيل والسلطة في رام الله – الحق في 78 % من أراضي فلسطين ، فتبع ذلك أيضا ما قدمته السلطة في رام الله ومنظمة التحرير من تخلي عن الميثاق الوطني الفلسطيني فقفدت بذلك أصل واساس انطلاقتها … إذا علمنا أن تأسيسها عام 1964 قد جاء لتحرير فلسطين – فلسطين بحدودها التاريخية – ولم يكن حينذاك وجود احتلال لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة ، فكيف إذن ينحصر الحق الفلسطيني او النضال الفلسطيني بتحقيق دولة على الأراضي المحتلة عام 1967 .. الا يعتبر ذلك تنازلاً .. ألا ينسف ذلك مبررات وجود منظمة التحرير الفلسطينية ويجعلها منظمة تسعى لإقامة دولة مسخة في الضفة الغربية وقطاع غزة أو جزء منهما ؟؟؟؟؟
وهنا أتوقف قليلاً لأقول بأن علاقة السلطة بأي فلسطيني قد اصبحت مرتبطة مباشرة بمدى موافقة ذلك الفلسطيني على مخرجات وتوافقات اوسلو وعلى موافقته على النهج الاستسلامي التي تنتهجه السلطة فأي موقف غير ذلك يعتبر في نظر السلطة خروجاً عن الصف الفلسطيني ، ولعل ما نلاحظة من طريقة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكافة المواقع القيادية على مستوى السلطة الفلسطينية ، فحق الحصول على الامتيازات والمناصب والمواقع في السلطة يرتبط انصياع الشخص لمعطيات وتفاهمات أوسلو.
إن ما يؤسف له حقاً ان يتم ذلك تحت غطاء ما يسمى بمنظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت منظمة للتنازل ووإطاراً هشاً لتمرير الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية ، ومما يغيظ أن تعمل منظمات اليسار الفلسطيني تحت هذه المظلة الاستسلامية وإن كان من عذر للجبهة الديمقراطية بصفتها قد اقترحت ووضعت الأساس للتنازل من خلال اقتراحها لبرنامج النقاط العشر عام 1974 فأي عذر تقدمه الجبهة الشعبية ومثيلاتها من الفصائل للإنصياع .
وحيث أن السلطة ومنظمتها قد حصرت مسؤوليتها بالضفة والقطاع أو بأجزاء منهما ، وتناست المساحة الأكبر من فلسطين وأصل القضية عندما اعترافت باسرائيل كدولة على 78% من أرض فلسطين، مما أوقع الفلسطينيين في الشتات وخاصة اللاجئين بوضع غريب عجيب فأرضهم محتلة باحتلال تم شرعنته ممن يدعون تمثيلهم متغنياً بمقولة ممجوجة اسمها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وحق هؤلاء اللاجئين في العودة قد تم التنازل عنه .
ويا ليت الأمر توقف عند ذلك بل تجاوزه وصل الأمر في بعض من منظري السلطة وبعض من المصفقين لاوسلو ، بأن ينزع عن اللاجئين في الشتات صفة الفلسطيني ، فالفلسطيني الذي حصل على جنسية أخرى في نظر هؤلاء قد أصبح مواطناً في الدولة التي حصل على جنسيتها ، ولا يحق له التدخل في الشأن الفلسطيني وانحصر بذلك تمثيل اللاجئين وفلسطينيي الشتات في أجهزة منظمة التحرير الفلسطينية واصبح الفلسطيني الذي حصل على الجنسية الأمريكية مثلاً في نظرهم أمريكيا ولا يحق له القول بكونه فلسطينياً ،،،، فهل هناك عهر أو كفر أو تنازل واستسلام أكثر من ذلك ؟؟؟؟
لهؤلاء وأمثالهم ولداعميهم أقول … أن لكل من طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك الحق في العودة لفلسطين وإلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه قبل 1948 وينطبق ذلك على كل فلسطيني كان رجلاً كان أو امرأة كما ينطبق بالضرورة على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، كما ينطبق على كل مواطن فلسطيني سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن عملية طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية ومن حقه في المواطنة ، فحقه في العودة يرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وحقه بالانتماء إلى الوطن الذي حرم منه ، وحقه هنا هو حق غير قابل للتصرف وهو حق يستند على القانون الدولي المعترف به وهو حق مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 كانون الأول / ديسمبر 1948 والتي تنص الفقرة الثانية من المادة 13 منه على أن لكل فرد الحق في مغادرة بلده كما أن له الحق في العودة إليها .
وأُذَكر هنا كل من تنازل وفرط بأن حق العودة هو حق مكفول بكل المواثيق ففي اليوم التالي صدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أي في 11 ديسمبر 1948 صدر القرار الشهير رقم 194 من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض ولقد أكد المجتمع الدولي على قرار 194 منذ عام 1948 أكثر من 135 مرة ولم تعارضه إلا إسرائيل فيما اصطفت معها أمريكا بمعارضته بعد توقيع اتفاقية أوسلو حيث شجعها موقف السلطة الفلسطينية على ذلك وهي التي ليست بحاجة أصلاً لمثل هذا التشجيع .
وربما يجب القول أيضاً والتذكير بأن هذا الحق لايسقط بالتقادم مهما طال الزمن وهو حق من الحقوق الثابتة الراسخة غير القابلة للتصرف ، مثله في ذلك كبقية حقوق الإنسان التي لا تنقضي بمرور الزمن، ولا تخضع للمفاوضة أو التنازل ، ولا تسقط أو تعدل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع ، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدعي تمثيلهم وهو حق شخصي لا يسقط أبداً إلا إذا وقع الشخص بنفسه وبملء أرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط ، وهو حق جماعي أيضاً باجتماع الحقوق الشخصية الفردية وبالاعتماد على حق تقرير المصير الذي أكدته الأمم المتحدة لكل الشعوب عام 1946، وخصت به الفلسطينيين عام 1969 وجعلته حقاً غير قابل للتصرف للفلسطينيين في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 عام 1974 والذي نص من بين نصوصه على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة :
1. تؤكد من جديد حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين، غير القابلة للتصرف، وخصوصاً:
– الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي.
– الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.
2. وتؤكد من جديد أيضاً حق الفلسطينيين، غير القابل للتصرف، في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها، وتطالب بإعادتهم.
كما أن كل اتفاق على إسقاط حق غير قابل للتصرف يعتبر اتفاقاً باطلاً من الناحية القانونية حيث تنص المادة الثانية من معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 على أن أي اتفاق بين القوة المحتلة والشعب المحتل أو ممثليه باطل قانوناً، إذا أسقط حقوق ذلك الشعب .
وخلاصة القول وبالاستناد على القانون الدولي أقول لمن وقع اتفاقية أوسلو وما تبعها من تفاهمات وتنازلات ولمن روج لها وسوقها أو يحاول تسويقها : إن تنازلكم واتفاقياتكم وتوقيعاتكم لا تساوي في قيمتها الحبر الذي وقعتم به أو الورق الذي وقعتم عليه … ففلسطين كانت وستبقى فلسطين بحدودها التاريخية من النهر إلى البحر وهي أرض الشعب الفلسطيني التي لا تقبل القسمة إلا على واحد ولن تستطيعوا تجريد أي فلسطيني في أي مكان في العالم من هويته وانتمائه مهما فعلتم …..
التعليقات مغلقة.