حسين مرتضى يكتب عن خفايا اجتماعات استانة – الجزء الاول
الأردن العربي ( الخميس ) 26/1/2017 م …
بمعزل عن كل الضجيج الذي رافق اجتماع الاستانا الذي عقد بين 23-24-1-2017 في عاصمة كازاخستان، وبعيدا عن كل المشاحنات التي حدثت وتدخل الدول الضامنة، والاوراق التي خرج بها المجتمعون، الا ان الضجيج الحقيقي كان في التفاصيل التي لم تنشر ولم يتحدث عنها الاعلام.
منذ صعدنا الى الطائرة من دمشق باتجاه العاصمة الكازاخية، كنا نراقب كيف يعمل وفد الحكومة السورية حتى ضمن مقاعد الطائرة، الوقت الذي استغرقته الرحلة، كان كفيلاً ان نحصل فيه على فكرة حول ما يحمله الوفد في جعبته، فالنقاشات التي دارت بيننا كانت تدلل على ان العمل المؤساستي هو الغالب على الوفد، وانه يدرك ماذا يريد، وفهمنا ان اعضاء الوفد يحملون معهم هامشا مرنا للتعامل مع الوفد المقابل، وبالطبع لن افشي سراً ان قلت ان ملفات الوفد كانت تحمل العديد من الخطوط العريضة وغيرها الحمراء، لا سيما الموضوع التركي.
عندما وصلنا للفندق الذي سيقام فيه الاجتماع، كان التشديد الامني هو السائد، القاعات كانت جاهزة، والصالات الخاصة بالاجتماع كانت تنتظر وصول الاطراف، والجميع منشغل بحمى المفاوضات. الا ان اللافت في الامر كان هدوء المفاوض الحكومي السوري، والتنظيم العال بين افراده. بالرغم من برودة الجو، الا ان حرارة الحراك السياسي في اليوم الاول للاجتماع، رفع درجة حرارة المكان، وبدأ العمل..
في وقت الجلسة الصباحية والكلمات الافتتاحية، كنا نتحسس مكامن التسريبات، ونتابع الهمسات في اروقة الاجتماع، وبدا لنا ان جميع الاطراف كانت تكُرس مفهوم”جس النبض” بينها، انتقلنا بين الوفود، وبدأنا نحصل على المعلومات الدقيقة والتي لم تكشف في وسائل الاعلام، وفي هذه الاثناء كان في ذهني هو ما يدور من تساؤولات في الشارع السوري، وهل سيلتقي الوفد السوري وجهاً لوجه مع الاتراك او مع المجموعات المسلحة، ووصلت الى الجواب.. وهنا سأكشف للمرة الأولى وبالمعلومات الدقيقة، انه في الكواليس وداخل غرف اللقاءات المغلقة، كان هناك محاولات من قبل المجموعات المسلحة والجانب التركي لجس النبض بغية عقد لقاء تركي سوري، المعلومة التي وصلت بدقة هي رفض مطلق من قبل الطرف السوري لهذا الموضوع وبشكل كلي، كما استكملت المعلومة بعد دقائق ان هذا الطلب كان قد لمح له الطرف الروسي في فترة سابقة والطرف السوري رفض هذا الموضوع، والاكثر من ذلك وبالمعلومات الخاصة انه تم رفض فكرة وجود اي مؤتمر صحفي مشترك، او فكرة وجود طاولة اعلامية اواعلانية مشتركة بين السوري والتركي كانت مرفوضة وغير مقبولة. هنا ادركنا ان المباحثات ستكون بطريقة مختلفة عن الاجتماعات التقليدية، وان ضابط ايقاع هذا الاجتماع هو الوفد السوري بمساندة روسية ايرانية.
انتهت الجلسة الافتتاحية، وانتقلنا الى متابعة الجلسات المغلقة وبداية المفاوضات واللقاءات الثلاثية والثنائية الماراثونية، حيث التقى الوفدان الروسي والإيراني في اجتماع ثنائي استمرّ لمدة قصيرة، تلاه انضمام الوفد التركي إلى طاولة الاجتماع المغلق. ومثّل البلدان الثلاثة في الاجتماع الذي استمر ما يزيد على خمس ساعات متواصلة، كل من رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، إلى جانب نائب وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري، ونظيره التركي سادات أونال، هنا ظهرت الخلافات بين اعضاء وفد المسلحين، ومن المفارقات في الاجتماع ان عدد الشخصيات التي تضمنها وفد المجموعات المسلحة قد فاق الخمسين شخصا، وتباينت ارائهم حول فكرة من سيقوم بتمثيل كل هذا العدد، ومن سيحضر جلسات المحادثات منهم، فشكل هذا الموضوع معضلة بين المسلحين، وهو دليل على عدم امتلاكهم لأي رؤية واضحة. في هذا الوقت لا يمكن وصف المشهد الا كونه كوميديا سوداء يقودها من يدعي انه يفاوض باسم الشعب السوري، هذا المشهد عمق فكرة الشتات في ذلك الوفد، وهو السبب الحقيقي وراء التوتر في الجلسة الاولى، حيث وصلت المعلومات من داخل الابواب المغلقة على ذلك الوفد، ان اصرار بعض المسلحين الخروج عن كل الأهداف التي كان من المفترض ان يتم طرحها، وهنا فهمنا سبب محاولتهم اخذ النقاشات مع الوفد الحكومي الى جانب غير جدي، واستفزاز الجانب السوري الحكومي، ودفعه لرفض ما يتم طرحه، وبخبرة الدبلوماسي الخبير، قلبت الطاولة على رأس وفد المسلحين، وبقي الوفد السوري متمسكا بموقفه ولم تؤثر به كل تلك المحاولات، وهنا يجب توضيح نقطة مهمة من خلال المعلومات التي وصلت همساً الى اذني، ان رئيس وفد الجماعات المسلحة علوش كان حاضرا وكأنه حاملا الأفكار السعودية بالتعاون مع التركي، وتحديدا تلك الافكار المعبأة ضد ايران وحزب الله، فمحمد علوش لم يكن لديه اية تعارض مع جبهة النصرة او داعش، وانما الاعتراض كان يظهر جليا عند الحديث عن حزب الله، حيث يعتبر علوش انه على حزب الله الانسحاب من سوريا، لكن هذا الامر لم يتم التعاطي معه، ولم ينجحوا في اثارة هذه المسألة ابداً، كما حاولوا ادراج اسم حزب الله على قائمة الارهاب، وكأنه كان يصر على ترديد المطلب “الاسرائيلي” بادراج حزب الله على قائمة الارهاب، وهذا ما فسر خروج علوش عن نص الكلمة التي كانت تريد تركيا ايصالها للوفد الحكومي الرسمي، ولكن السؤال المهم هنا، هل يستطيع علوش ان يخرج عن ارادة المشغل التركي؟ الجواب طبعا لا، وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها كانت تقول إن ماجرى هو محاولة توزيع ادوار بين التركي والسعودي، ومن هنا كان الهدف هو اخذ المحادثات الى جانب اخر.
ومن الغريب في اليوم الاول من الاجتماع مشاركة ديمستورا ودوره في الوساطة، وهنا يجب القول بشكل قطعي ان المبعوث الاممي كان يسعى لعرقلة اتمام او حتى انعقاد هذا الاجتماع، لانه كان يعتقد ان مجرد انعقاد المؤتمر، هو سحب لملف حل الازمة السورية من يده، ولكن عندما ايقن ان المؤتمر سيعقد، حينها قرر ان يشارك او بالأحرى قامت الامم المتحدة بإرساله، ويجب ان نوضح ان ديمستورا كان الشخص الاقرب لوفد الجماعات المسلحة، حيث كان يحاول استرضائهم للدخول الى الجلسات، وهو ما يدلل على التنسيق الموجود بين الطرفين، او على الاقل يشير الى الأفكار التي كان ديمستورا يعمل على تمريرها سابقا والتي تتقارب الى حد كبير مع افكار الجماعات المسلحة.
التعليقات مغلقة.