الاردن و روسيا: شراكة اجبارية في البعدين الامني و السياسي / د.عامر السبايلة

د.عامر السبايلة* ( الأردن ) الجمعة 27/1/2017 م …

التعاطي مع موسكو لم يعد خياراً بل اصبح واقعاً لا يمكن اغفاله بالنسبة لكافة دول الشرق الاوسط.

السياسة الامريكية وضعت حلفاء واشنطن في موقف لا يحسدون عليه مما يجعل اطراف المحور الامريكي مضطرين للبحث عن خيارات و تحالفات جديدة مبنية على مصالح استراتيجية جديدة.

منذ اليوم الاول للفيتو المزدوج “الروسي الصيني” بشأن سوريا في العام ٢٠١٢   واضحاً ان دخول موسكو على خط الازمة السورية لم يكن دخولاً عبثياً او مؤقتاً.

بالنسبة لبعض الدول، كان من الطبيعي النظر الى هذا التدخل على انه تدخل مؤقت، حيث اعتمد الكثيرون على منهجية مقارنة سياسات روسيا او الاتحاد السوفياتي السابقة في المنطقة لاسقاطها على الحاضر و الوصول الى استنتاج مفاده ان روسيا غير قادرة على فرض نفسها و استمرار تواجدها في المنطقة. لا بل ان جلسات متعددة شارك فيها سياسيون و عسكريون شهدت تكراراً لواحدة من النظريات الاكثر سطحية، مفادها ان روسيا تحاول رفع سعر تعويضاتها للتخلي عن سوريا.

الحقيقة ان اي قراءة بعيدة النظر تشير بوضوح ان سوريا هي نقطة التحول الرئيسي في طبيعة التعاطي الدولي مع هذه الازمة و التي سيكون لها الدور الاكبر في اعادة صياغة المواقف الدولية.

لسنا هنا في معرض السرد التفصيلي لمحطات الازمة السورية و انعكاساتها، لكن لابد من الاشارة ان الدخول الروسي الى سوريا عبر محطتين، الاولى عبرالبوابة الدبلوماسية في رعاية اتفاق تسليم الاسلحة الكيماوية،اما الثانية فهي محطة الدخول العسكري المباشر.

مع بداية المرحلة الثانية كان من الطبيعي ان تجد موسكو نفسها منخرطة في كافة ملفات المنطقة من مكافحة الارهاب الى عملية السلام.

اما بالنسبة للعلاقة الاردنية الروسية، فالاردن يجد نفسه مضطراً اليوم للتواصل مع موسكو، و ان كانت هذه الخطوة تصنف سابقاً على انها “خيار سياسي” الا انها اليوم اصبحت ضرورة لا مفر عنها. لكن لابد لهذه الزيارة ان تتجاوز عقبات الزيارات السابقة و تتنقل بالاردن الى نقطة ترجمة الزيارة الى خطوات عملية على الارض.

فالحدود الاردنية قد تكون على موعد مع مواجهة قادمة ناتجة عن انتقال المعارك الى جبهة سوريا الجنوبية الامر الذي يعني ان الاردن معني بالتنسيق و التواصل العسكري الامني مع الداخل السوري و الاستعداد كذلك لمواجهة التداعيات الناتجة عن معركة الجنوب السوري او معركة تحرير الرقة.

زيارة الملك عبدالله الى موسكو هي ليست الزيارة الاولى لكن يمكن ان تكون الاهم بالنسبة للتوقيت.

الاردن المضطر للتفكير في خياراته السياسية واعادة بناء تحالفاته و هو معني اليوم بالتعاطي مع التحولات الاخيرة التي طرأت على السياسة الدولية من باب تغليب المصلحة الاردنية على اي شيء آخر.

مرحلة اعادة صياغة التحالفات و التفكير بتنويع الخيارات لم تعد اليوم مسألة يحظر التفكير بها -وفقاً لذهنية كثير من الساسة الاردنيين المتمركزين في مراكز صنع القرار- بل اصبحت حاجة ملحة لا يمكن اغفالها.

فموسكو اليوم هي اللاعب الابرز في مكافحة الارهاب في المنطقة و هي اليوم بوابة العبور الى نقطة التسوية الاقليمية واصبحت منخرطة بشكل كبير في ملف عملية السلام، مما يعني ان موسكو باتت ممراً اجبارياً للاردن على الصعيدين الامني و السياسي.

اعادة التكيف مع مسارات الحل في سوريا و استيعاب التغير الذي طرأ على سياسات كافة الدول يجب ان يدفع الاردن اليوم للبحث عن مخرج حقيقي و اللحاق بركب التحولات التي بدأت تعيد ترتيب شكل المنطقة.

التغيير في السياسة الاردنية يعني ان الاردن مضطر لانتهاج سياسة جديدة و تبني رؤية حديثة مما يعني ان الاردن مضطر لاجراء تغييرات جذرية في شكل و طبيعة تعاطيه مع ملفات ازمات المنطقة.

الزيارة الاردنية لموسكو قد تحمل في رمزيتها معاني و مضامين كبيرة الا انها لا يمكن ان تتحول الي نتائج ايجابية ان لم ترافق هذه التحركات خطوات حقيقية على الارض تعلن بدء مرحلة جديدة، عندها يمكن التفكير بان الاردن بدأ فعلياً مرحلة الانتقال الفعلي لمرحلة تنويع الخيارات.

*كاتب اردني

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.