روسيا ومسودة الدستور السوري / ابراهيم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الجمعة 27/1/2017 م …

** تنويه من المدير العام : الرفيق والصديق ابراهيم ابو عتيلة من أهم كتّاب ” الأردن العربي ” ، وهو يعلم كم نحترمه ونحترم ما يكتبه ، سواء في الشأن السوري أو في أيّ شأن آخر ، وهو بالتأكيد كاتب تقدمي ويساري نعتزّ كثيرا بتطابق وجهات نظرنا مع حضرته ، ولكننا هذه المرة نختلف معه في ما ذهب إليه في هذا المقال ، وقد تتاح لنا فرصة شرح وجهة نظرنا في وقت لاحق . لذا ننشر المقال رغم اختلافنا مع مضمونه ، احتراما وتقديرا لرفيقنا العزيز ابراهيم ابو عتيلة …

قامت وبشكل مستغرب بتسليم ما يسمى بوفد المعارضة السورية إلى مؤتمر الأستانه قبل يومين مسودة لمشروع دستور جديد لسوريا حيث اشارت المصادر الرسمية والإعلامية الروسية أن تلك المسودة قد تم إعدادها من قبل خبراء دستوريين من روسيا .. وهنا اقول ما هكذا تكتب الدساتير ولا هكذا تكون علاقة الحلفاء .

ولا أنكر هنا مدى استغرابي للخبر كما استغربه الكثيرون من منطلقين اساسيين :

1.     ليس من العرف الدولي أن تقترح دولة ما مشروع دستور لدولة أخرى إلا إذا كانت تلك الدولة تحتل الدولة الثانية وتهيمن عليها وعلى مقدراتها فمهما بلغت درجة التفاهم والتناغم والتحالف بين الدولتين فالاصل في العرف الدولي والدبلوماسي أن تقدم المسودات والمقترحات من قبل الدولة الثانية .

2.     لم أسمع ولم اقرأ ولم يخطر ببالي قط طريقة لإعداد الدساتير كتلك الطريقة ففي كافة حالات إعداد الدساتير كانت تلك الدساتير تعد في داخل البلد ولا تأتي إليها من الخارج.

      نعم ، وقفت روسيا إلى جانب الدولة السورية في حربها ومعركتها ضد الإرهاب، كما وقدمت لسوريا الشيء الكثير ، وهو أمر طالما رحبت به الدولة السورية وحلفاؤها ، حيث كان لوقوف روسيا فضل كبير في الانتصارات التي حققتها الدولة السورية ضد الإرهاب والإرهابيين ، ولكنها ، أي روسيا كانت في الكثير من الأحوال تتجاوز الأعراف الدبلوماسية حين كانت تصرح على لسان مسؤوليها عن كل ما يجري في سوريا، وكأن الدولة السورية وأجهزتها الرسمية غير موجودة وتجاوز الأمر ذلك حين كانت تصرح باسم الجيش العربي السوري بشكل يتجاوز صيغة ولغة الحليف ليصل إلى لغة المهيمن والمسيطر، ودعونا هنا نتذكر أنه قبل اجتماع الاستانه بأيام قليلة جاء تصريح لافروف صاعقاً حين قال بأن النظام السوري كان على وشك الانهيار خلال اسبوعين لو لم تتدخل روسيا لحمايته .

أما عن طرق وضع الدساتير ، وفي دراسة بحثية قام بها فريق من جامعة برينستون حيث قام بدراسة 200 دستوراً تم إقرارها واعتمادها فى دول العالم المختلفة خلال الفترة من 1975 وحتى 2003 ، فوجد الفريق بأن هناك تسعة طرق عرفتها دول العالم المختلفة في إعداد وكتابة الدساتير ، وكان من أهم التوصيات التي خرج فيها الفريق البحثي : هي أن أهم خطوة في خطوات إعداد الدستور هي الحوار المجتمعي ، خاصةً في تلك الدول التي تنوي التحول إلى النظام الديمقراطي ففي هذه الحالة تتم كتابة الدستور طريق اجتماعات ومشاورات بين الأحزاب والقوى والفعاليات السياسية المختلفة يتم على أثرها كتابة الدستور إما من قبل المجتمعين أنفسهم أو من خلال لجنة يتفق عليها المجتمعون ، على يقوم المجتمعون بوضع الخطوط الأساسية والمبادئ الواجب الحفاظ عليها وايرادها في الدستور ، ولربما كانت أفضل الطرق في إعداد الدستور هي أن تتم صياغته من قبل لجنة منتخبة تتكون من نواب الشعب ، حيث يعتبر هذا الوضع صعب التحقيق في سوريا خلال هذه الفترة مع صعوبة إجراء الانتخابات ، الأمر الذي يؤكد أن الحوار والتشاور بين القوى الحية في المجتمع هو أفضل الطرق لصياغة وإعداد الدستور ، كما تبين من خلال الدراسة أنه ومن أصل 194 دستوراً تم دراسة طريقة إعدادها تبين بأن هناك تسع طرق لكتابة الدساتير وهي :

1-     أن يقوم البرلمان المنتخب من الشعب بإعداد الدستور الجديد (42% من الدساتير موضع البحث = 81 دستور) .

2-     أن تقوم هيئة تأسيسية معينة من قبل البرلمان بإعداد الدستور (9% = 17 دستور).

3-     أن يقوم الحزب الحاكم بإعداد الدستور (5% = 9 دساتير) .

4-     أن يتم إعداد الدستور من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب (17%).

5-     أن يتم إعداد الدستور من قبل السلطة التنفيذية (الحكومة) أو من قبل لجنة تعينها (10%) .

6-     أن يتم إعداد الدستور من قبل لجنة معينة من قبل المستعمر لإنهاء الاحتلال (6%).

7-     أن يتم إعداد الدستور من قبل السلطة التشريعية الموجود في الفترة الانتقالية (6%)

8-     أن يتم إعداد الدستور من قبل مؤتمر وطني (3%)

9-     أن يتم إعداد الدستور من خلال مفاوضات على مائدة مستديرة (2%).

ولم تظهر الدراسة ولا حالة واحدة كالحالة التي نحن بصددها ، فلم تجد الدراسة أن دولة ما قامت بإعداد مسودة دستور لدولة أخرى ، حتى في حالات الاستعمار كان المستعمر يقوم بتعيين لجنة من أبناء البلد للقيام بإعداد الدستور .

ولم تتوقف حالة الاستهجان والغرابة على إعداد المسودة الروسية وتسليمها للمعارضة بل تجاوتها إلى ما ورد في تلك المسودة التي اقترحت إزالة التعابير التي تشير إلى عربية الجمهورية السورية حين جاء في البند الأول من المادة الأولى لمسودة المشروع “تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية ، كبديل عن الاسم الرسمي للدولة وهو الجمهورية العربية السورية ، كما سمحت المسودة بتغيير حدود الدولة عبر الاستفتاء العام ومنحت المسودة الأكراد حكماً ذاتياً حيث نصت المادة الرابعة من المسودة “تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين بالإضافة إلى منح السلطة التشريعية المزيد من الصلاحيات بحيث يتولى البرلمان إعلان الحرب وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية وتنحية رئيس الجمهورية …. كل ذلك علاوة على نقاط حساسة أخرى كثيرة يطول عنها الحديث .

مما تقدم يتضح جلياً مدى غرابة ما قامت به روسيا بفعله حين قدمت مسودة للدستور السوري ، فما قامت به ليس من اختصاصها ولا من صلاحياتها على الإطلاق ولا هو من العرف الدولي ، كما أن مثل هذا الأمر يدل دلالة قاطعة على عدم تكافؤ العلاقة بين سوريا وحليفتها فالحليف وبكل الأعراف يحترم حليفه ولا ينقض من مكانته بشيء ، وربما كان تصرف روسيا بتعاملها مع الدولة السورية أقرب إلى موقف المهيمن والماسك بكل خيوط اللعبة .

وبعد أن ظهرت ردود فعل قوية ضد السلوك والتصرف الروسي فيما يتعلق بمقترح الدستور قامت روسيا وعلى لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالتعليق على مشروع الدستور السوري بقولها ” إن السوريين يقررون كل شيء، وروسيا تتمسك بالموقف الداعي إلى وحدة سوريا العلمانية ” كما أعلنت بأن أن هذا المشروع هو عبارة عن مجموعة أفكار ونقطة انطلاق للنقاش…. فإن كان الأمر كذلك فلماذا تم تقديم المقترح ؟؟؟؟؟؟ فالدستور لن يكون إلا سورياً .. من السوريين وللسوريين …

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.