المجلس الوطني الفلسطيني بين الانعقاد و الانقسام / د.عزمي منصور
د.عزمي منصور* ( الأردن ) الإثنين 30/1/2017 م …
*أكاديمي وناشط سياسي أردني من أصل فلسطيني …
من الواضح ان هناك تباينا في وجهات النظر بين اعضاء اللجنة الحضيرية لانعقاد المجلس الوطني انعكاسا لتباين مواقف فضائل المنظمة و من هم خارجها , وهذا امر بديهي طالما ان هناك تباينا في الرؤى و الرسالة و الوسائل لدور م.ث.ف , و مجلسها الوطني و لجنتها التنفيذية , وهنا لا بد من الاشارة ان م.ث.ف هي الجهة التي وقعت على اتفاق اوسلو , الذي يحيل فصائل م.ث.ف الى حركة مدنية ,تنبذ الكفاح المسلح , وتاكيدا على ذلك فقد تم شطب البند المتعلق بالكفاح المسلح من الميثاق الوطني الفلسطيني في مؤتمر غزة . كما ان اتفاقية اوسلو التي قسمت المناطق المحتلة عام 1967 الى أ و ب و ج , حيث ان مناطق أ تقع تحت اشراف م.ت.ف , و مناطق ب مناطق تحت اشراف مختلط (فلسطيني _ اسرائيلي ) و ج مناطق تحت الاشراف الاسرائيي . و هناك ينص على حق “الاسرائليين” في المطاردة الساخنة في مناطق أ اذا اقتضت الضرورات الامنية ذلك , كما نصت الاتفاقة على التنسيق الامني , الذي رغم اتخاذ قرار بالغاءه من قبل المجلس المركزي عام 1916 الا انه لم يجر العمل بهذا القرار , وبقي التنسيق الامني مستمرا , و اعتباره “مقدسا” لدى القيادة المتنقذة في م.ث.ف , و مسكونا عنه لدى اطراف و محل رفض و انتقاد لدى اطراف اخرى .
ان اتفاقية اوسلو تنص اصلا على سلطة حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية و غزة , على امل اقامة الدولة بعد خمس سنوات من خلال التفاوض على ذلك , مع تأجل قضايا ما سمي الحل النهائي ( اللاجئين و المستوطنات و المياه و الحدود و القدس ) الى محادثات و مفاوضات في اطار دولي لاتخاذ الحل النهائي . اي بمعنى اخر ان المفاوضات التي تجري في المرحلة الاولى , هي مفاوضات على كيفية ادراة المناطق المحتلة , اعتقد الجانب الفلسطيني انها خطوة تمهيدية لاقامة مؤسسات “الدولة” بعد خمس سنوات , في اطار المناطق المحتلة منذ عام 1967, مستندة الى قرار مجلس الامم رقم 242 الذي ترى انه ينص على انسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧ في حين يرى الجانب “الاسرائيلي” انه ينص على انسحاب من “اراضي” محتلة عام ١٩٦٧. اي ان هناك اختلافاً اصلاً في فهم و تفسير القرار ٢٤٢ الصادر عام ١٩٦٧ عن مجلس الأمن .
كما ان اتفاق اوسلو لم ينص على “سلطة وطنية فلسطينية” و انما على حكم اداري ذاتي للسكان ، و اختراع مسمى ” سلطة فلسطينية ” هو اختراع فلسطيني ، يوهم الشعب الفلسطيني بأن مسيرة الكفاح تكللت بسلطة وطنية كخطوة على طريق بناء الدولة . و لم يمانع الجانب الاسرائيلي بالتسمية حتى لو اطلق عليها الفلسطينيون مسمى “امبراطورية” طالما انها لا تتعدى إدارة ذاتية للسكان على صعيد الصحة و التعليم و البلديات و الأمن الداخلي ، و القضاء ، و قد اثبتت السنوات ان هذا هو واقع الحال ، و ان رئيس السلطة لا يستطيع التنقل من منطقة الى منطقة داخل الضفة الغربية الا بإذن من السلطات الاسرائيلية المحتلة .
و انه لا حصانة لما يسمى وزراء او اعضاء لمجلس تشريعي ، و كل ما لديهم هو بطاقات VIP تتيح لهم شيئاً من الامتيازات القابلة للسحب و التلاعب كل لحظة ،كما ان الاجهزة الامنية والشرطية التي تاسست مع السلطة ليس مهمتها مجابهة الاحتلال ، و انما الحفاظ على الامن الداخلي ، و الحيلولة دون حدوث اعمال تهدد أمن الكيان الصهيوني ، و من هنا كان التنسيق الأمني .
و اغداق الدول المانحة للاموال لهذه الاجهزة ، مشروطة بقيامها بمهامها الامنية . مما خلق لدى السلطة جيشاً من المنتفعين ، ويشكل تسريحهم عبئا على السلطة لو حاولت ذلك ، و قد تضخمت هذه الأجهزة أيضاً بعيد استلام “حماس” للسلطة اثر الانتخابات التي جرت في الاراضي المحتلة ، و فوزها في هذه الانتخابات ، و انقلاب الدول المانحة ، و خاصة امريكا على فوز حماس ، مما وضع الحاله الفلسطينية في مأزق حاد خاصة و ان الكيان الصهيوني قد شن حربين على قطاع غزة المحاصر ، مما فاقم في الازمة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، و زاد الطين بله محاولة “محمد دحلان” الانقلاب على السلطة في غزة ، مما اضطر حماس لتصفية رموز فتح بإعتبارها حزب السلطة المنافس،، و التفرد بحكم غزة المحاصرة ، و بالتالي تفرد فتح في حكم اجزاء من الضفة الغربية المحتلة .
و انقسام الشطرين ( غزة و الضفة الغربية ) ووجود حكومتين للفلسطينيين في اجزاء الوطن الفلسطيني المحتل .
و تعمق الانقسام اكثر فأكثر ، نظراً للتدخلات الخارجية لدى كل طرف ، و نظراً لتباين الرؤى حول جدوى المفاوضات او كيفية ادارتها.
و بالرغم من محاولات انهاء الانقسام في اكثر من محطة عام ٢٠٠٥ و ٢٠١١ الا ان عوامل و اسباب الانقسام بقيت على حالها ، فلم تفلح حكومة الوحدة الوطنية بإنهاء الحالة كما لن تفلح اللجنة التحضيرية لإنعقاد المجلس الوطني لمنظمة التحرير بإنهاء الانقسام طالما بقيت بعض التنظيمات خارج اطار المنظمة و طالما لم يعاد بناء المنظمة على اسس جديدة تنطلق من المصالح العليا للشعب الفلسطيني و من اعتبار المرحلة ( مرحلة تحرر الوطني ) و ليس مرحلة بناء الدولة ، و الخروج من اتفاقية اوسلو و ملحقاتها ، و اعادة الاعتبار للميثاق الوطني الفلسطيني قبل التعديلات التي ادخلت عليه ، والاتفاق على قواسم مشتركة للكفاح و ايجاد قيادة موحدة للعمل المسلح و اشكال النضال الاخرى وفق رؤية سياسية واضحة . فإذا كانت اللجنة التحضيرية تطالب بتخفيض عدد اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني و انتخاب اعضائه في المناطق الممكن اجراء انتخابات بها ، والتعيين في المناطق المتعذر الانتخاب بها ، فالأولى بها ان تطرح اتفاقية اوسلو للإستفتاء الشعبي في المناطق الممكن الاستفتاء بها ، و عبر التكنولوجيا الحديثة في المناطق المتعذر الاستفتاء بها او ما شابه ذلك .
و دون اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية و احتوائها لكل فصائل العمل الوطني الفاعلة و ليست لفصائل مجرد اسماء و يافطات ،و اعادة الألق للكفاح المسلح الموحد للكل الفلسطيني ولكل اشكال النضال فإن الانقسام سيبقى سيد المرحلة مما سيجر الوبال على الشعب الفلسطيني و التفريط بعدالة القضية و حقوق الشعب التاريخية .
كما مطلوب من م.ت.ف عدم التدخل في شؤون الدول العربية و عدم السماح لهذه الدول بالتدخل بشؤونها و الابتعاد عن سياسة المحاور و الاحلاف ، و محاولة كسب مزيداً من الاصدقاء و المناصرين لقضيتنا ، و ليس كسب مزيداً من الاعداء من خلال الانحياز للأيدولوجية او المذهب قبل الانحياز للوطن . كما ان مكان انعقاد المؤتمر مسالة هامة ،فمن غير الممكن ان ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني تحت الاحتلال ،واي اصرار على انعقاده في الارض المحتلة يعني سلفا الفشل ومصادرة القرار الفلسطيني .
خاصة وان شعبنا يواجه في هذه الظروف الحرجة سياسة امريكية جديدة تدعم سياسة الاحتلال و الاستيطان بلا تحفظ . كما يعيش عالمنا العربي حالة من التشرذم و التشظي و الانهماك في اوضاع داخلية غير مسبوقة .
التعليقات مغلقة.