المناطق الآمنة مشروع إسرائيلي تركي قديم لتقسيم سوريا

أليف صباغ* ( فلسطين ) الأربعاء 1/2/2017 م …

*محلل سياسي مختصّ بالشأن الإسرائيلي

في هذا الوقت بالذات، يقرر نتانياهو أن يستقبل 100 طفل سوري يتيم، ويستعد لإعطائهم إقامة دائمة بعد أربع سنوات، وربما جنسية إسرائيلية بعد حين، أو ضم أحد الأقارب من الدرجة الأولى إلى كل منهم. هل حقا هو عمل إنساني؟ هل تنام “إنسانية” نتانياهو عندما ينظر إلى الطفل الفلسطيني اللاجئ؟ ويستفيق فجأة عندما يتذكر الطفل السوري؟ وهل تأتي هذه الخطوة للتغطية على جرائمه بحق الأطفال الفلسطينيين أم أنها تأتي في سياق آخر، هو السياق السوري الاستراتيجي؟

في هذا الوقت بالذات، يقرر نتانياهو أن يستقبل 100 طفل سوري يتيم، ويستعد لإعطائهم إقامة دائمة بعد أربع سنوات، وربما جنسية إسرائيلية بعد حين، أو ضم أحد الأقارب من الدرجة الأولى إلى كل منهم. هل حقا هو عمل إنساني؟ هل تنام “إنسانية” نتانياهو عندما ينظر إلى الطفل الفلسطيني اللاجئ؟ ويستفيق فجأة عندما يتذكر الطفل السوري؟ وهل تأتي هذه الخطوة للتغطية على جرائمه بحق الأطفال الفلسطينيين أم أنها تأتي في سياق آخر، هو السياق السوري الاستراتيجي؟

تأتي هذه الخطوة فجأة بعد محادثة تلفونية طويلة بين نتانياهو والرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، وبعد تصريح الأخير، في اليوم التالي، بأنه ينوي إقامة “مناطق آمنة” في سوريا لإيواء اللاجئين السوريين. هل اٌستفاق الضمير الأميركي فجأة أيضا؟

من راقب ويراقب صيرورة الأزمة السورية منذ بدايتها، وتدخُّل القوى الدولية والإقليمية فيها، ومصالح كل طرف، أو، على الأقل، أهداف الأطراف المعادية لسوريا، الإقليمية والدولية، وأقصد إسرائيل وتركيا وفرنسا وأميركا وغيرهم، لا تفاجئه هذه الخطوات والتصريحات، ولا عناوينها البرّاقة تحت شعارات ما يسمى “مساعدة اللاجئين السوريين”، ألم يتخذ مجلس الأمن قراراً “إنسانيا” بفرض حظر جوي و”مناطق آمنة” في ليبيا؟ وسرعان ما جلبت دماراً وتمزقاً للأرض الليبية وشعبها ونزيفاً مستمرا حتى يومنا هذا، ونهباً لخيرات الشعب الليبي ومدخراته لصالح من نسّق هذه القرارات “الإنسانية”؟

إذا ما عرضنا الوقائع التي نعرفها أوما نشر منها فقط، فلا نحتاج إلى تحليل سياسي، باٌعتبار أن أصحاب المشروع يتحدثون بفمٍ ملآن ولغة فصيحة باللغتين العبرية والإنجليزية، وأحيانا بالعربية أيضاً. وهم لا يخفون نواياهم السياسية تحت ما يسمى عملاً إنسانياً.

في الثالث والعشرين من هذا الشهر نشر موقع FAIR OBSERVER مقالاً تحت عنوان “ينبغي للرئيس ترامب أن يستثمر بالمتمردين في جنوب سوريا”، وهو مقال بقلم كل من حسان حسان وبسام برابندي ونيكولاس هيراس، يطالبون فيه الرئيس ترامب بأن يولي اهتمامه لمنطقة جنوب سوريا من الحدود العراقية مروراً بالحدود الأردنية وحتى الجولان السوري المحتل، ليجعلها منطقة آمنة للمعارضة الموالية للولايات المتحدة وتحت رعايتها، ويؤكدون أن “للجبهة الجنوبية قيمة خاصة كشريك للولايات المتحدة لمكافحة نشاطات ايران الخبيثة التي تستهدف إسرائيل مباشرة” ويضيفون، “أنها تشكّل درعاً للأردن على حدودها الشمالية من خطر داعش، وهي لا تبعد كثيراً عن دمشق، بحيث يمكن أن تكون وسيلة لممارسة الضغط على حكومة الأسد اذا لزم الأمر”.

نشر الناشط الإسرائيلي الدولي مردخاي كهانا هذا المقال على حسابه الخاص (الفيسبوك) مضيفاً :” انها ثمره جهودنا لمدة أربع سنوات”، والمعروف عن كهانا أنه يشكل حلقة الوصل بين حكومة نتانياهو وعدد من التنظيمات الإرهابية السورية، بما في ذلك جبهة النصرة، التي تحتفظ بموقع خاص على خاصرة الجولان الجنوبية، بالقرب من الحدود الأردنية، وهو يجمع الأموال في أميركا وإسرائيل وأماكن أخرى لصالح هذه التنظيمات، وينسق زيارات رموز هذه التنظيمات لإسرائيل، إذا كان اولهم كمال اللبواني الذي يزور إسرائيل منذ عام 2013 علنا وآخرهم من زاروا الجامعة العبرية وحائط البراق ليصلّوا أمامه باٌعتباره حائط المبكى، كما يدعي اليهود.

لقد استغرب كهانا عندما سألتُه، لماذا مسح تعليقه على المقال الذي نشره على صفحته؟ وبعد فحص عاد إليّ غاضباً على صديقه “سعيد” الذي مسح التعليق دون إذن منه، وأصرّ أن ينشر من جديد كل الخطوات التي قام بها للوصول إلى هذا الهدف، ليؤكد أن ما وصل إليه ترامب هو انجاز لجهوده مع آخرين طيلة خمس سنوات مضت، ومذكّراً باٌجتماعه مع رؤساء المنظمات اليهودية في العالم في شباط / فبراير 2014 ، ومع مقربين من المرشح، ومن ثم الرئيس، دونالد ترامب، في وقت لاحق، بمن فيهم جون كابيليو وعوز سلطان وستيف بانون، ولم ينسَ كهانا ان يذكر جهود السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، رون ديرمر، كي يتبنى ترامب هذه الخطوة “العظيمة”.

التقطت تركيا تصريحات ترامب ويبدو أنها استعادت أنفاسها، فرحّبت بفكرة المنطقة الآمنة في الجنوب السوري كما في الشمال، وعادت الى تصريحاتها السابقة بضرورة رحيل الأسد بعد ان تراجعت عنها قبل أشهر، ولكن المتابع لتدحرج الأحداث، بكرِّها وفرِّها، يدرك أن مشروع تقسيم سوريا لم يمت يوماً بل أعاده ترامب إلى الطاولة في خطوة شكلت مفاجئة لروسيا.

ومن هنا، على روسيا وسوريا أن تنتبها من سيطرة تنظيمات إرهابية على مناطق سورية برعاية أميركية أو سعودية أو أردنية أوإسرائيلية أو تركية، خشية أن يرافق ذلك احتداد الصراع ومن ثم قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية، فيبقى كل على حاله وفي مكانه، ويصبح توحيد سوريا مهمة صعبة وطويلة الأمد.

هذا يؤكد ان الخطوة الإسرائيلية باستقبال أطفال سوريا قد جاءت في السياق السياسي وليس الإنساني، تمهيدا لخطوات أميركية-إسرائيلية لخلق مناطق تسيطر عليها تنظيمات ارهابية تحت ما يسمى “مناطق آمنة” للاجئين السوريين، وهي تأتي ضمن مخطط استراتيجي لتقسيم سوريا وقد استعاد أنفاسه من جديد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.