مشروع “المناطق الامنة”…خطة ” لتقسيم سورية” / امين محمد حطيط
العميد امين محمد حطيط ( لبنان ) الخميس 2/2/2017 م …
بدأت تتكشّف أهداف ترامب الحقيقية في سورية انطلاقاً من نيته بإنشاء مناطق آمنة فيها بحجة إيواء المدنيين ومعالجة مشكلة النزوح والهجرة والتهجير في سورية. هذه المشكلة التي يقول ترامب إنها تؤرق العالم وتهدّد الأمن العالمي عامة والأمن القومي الأميركي خاصة. وللمعالجة اتخذ ترامب قرارين يتصلان بالأمر.. الأول يمنع رعايا الدول التي تشهد اضطرابات ومواجهات مسلحة من السفر الى أميركا، وأضاف إليهم إيران، والثاني نيته بإنشاء المناطق الآمنة في سورية واليمن والدول المجاورة.
لكن الأهمّ في خطة ترامب حول المناطق الآمنة هو ما كشفته مصادر «إسرائيلية» عنها، وهو أمر يتطابق مع الهواجس القديمة الجديدة حول الخطة الأميركية ب والتي تقوم على أساس تقسيم سورية. فقد كشف مؤخراً بأنّ ترامب لا يريد إرسال قوات برية الى سورية من أجل إقامة المناطق الآمنة المزعومة بل إنه يريد تكليف جهات محلية وإقليمية بالمهمة ويقدم الطيران الأميركي الدعم الجوي لها كما يقيم حظراً جوياً فوق تلك المناطق.
أما في التفاصيل فإنّ الخطة الأميركية «الإسرائيلية»، كما تسرّب تقضي بإنشاء منطقة كردية آمنة في الشمال الشرقي يولي أمرها لقوات سورية الديمقراطية التابعة لأميركا وتمتدّ من منطقة الحسكة حتى الفرات. وهي المنطقة التي يحلم الأكراد بإقامة كيانهم الذاتي فيها. والمنطقة الثانية هي منطقة الشمال وتقع في شمالي حلب وتمتدّ من الحدود التركية الى مدينة الباب وبجبهة تصل الى 75 كلم، ويولي أمرها الى تركيا. وهو بعض ما كانت تحلم به بعد سقوط مشروعها. والمنطقة الثالثة هي المنطقة الجنوبية التي يولى الأمر فيها للأردن ظاهراً ومعه «إسرائيل» ضمناً، وتكون بمثابة منطقة أمنية لـ«إسرائيل» تمتدّ من الجولان الى درعا فالسويداء. أما المنطقة الرابعة فهي منطقة الساحل الى حمص ويولى أمرها إلى روسيا.
إنّ مَن يدرس خريطة المناطق الآمنة المزعومة ويراجع خريطة التقسيم التي سرّبتها المخابرات الأميركية في عهد أوباما، أو بالأصحّ سرّبها الصهاينة يومها، يجد أن هناك شبه تطابق بين المشروعين. لكن تبدو خطة المناطق الآمنة أكثر ذكاء واحتيالاً من خطة التقسيم الصريح التي واجهت رفضاً عنيفاً في الميدان وفي السياسة. وتظنّ أميركا، والحقيقة تظنّ «إسرائيل» التي تتلاعب اليوم بترامب وبقراراته، حتى بات أداة طيّعة بيدها لا يتخذ قراراً إلا ما يشير به عليه الصهاينة واليهود الذين يحتلون المناصب الحساسة في إدارة ترامب، يظنّان أميركا و»إسرائيل»- أنه بالإمكان احتواء انتصارات سورية والالتفاف عليها عبر تمرير خطة المناطق الآمنة التي تمهّد للتقسيم، لأنّ هذه الخطة تحفظ لكلّّ من روسيا وتركيا و»إسرائيل» مصالحهم في سورية، كما أنها تدمّر وحدة سورية أرضاً وشعباً، حيث إنها تسلخ عن الدولة السورية المكوّن الكردي في الشمال الشرقي والمكوّن العلوي في الغرب الساحلي والمكوّن الدرزي في الجنوب وتعطي تركيا وجوداً في الشمال قابلاً للتمدّد على المناطق المتبقية بعد أن تجرّد سورية من دعم حلفائها ويدير كلّ هذه المناطق حلفاء وأدوات لأميركا.
وإمعاناً في الأمر، وتحقيقاً لأهداف «إسرائيل» وأميركا، نجد أنّ الخطة، وفي أحد بنودها التي تسرّبت أيضاً تقضي بعزل الحكومة السورية عن حلفائها في محور المقاومة عبر خروج كلّ من لا تقبل به القوة العسكرية المولجة بأمن المناطق الآمنة براً وجواً، وبالتالي تعني ببساطة خروج إيران وحزب الله والحلفاء الآخرين من خطهم السياسي، خروجهم من تلك المناطق خاصة خروج المقاومة من منطقة الجنوب السوري لإراحة «إسرائيل» عبر إقامة منطقة أمنية في الجولان معترف بها دولياً .
ولتمرير الخطة، تظنّ أميركا انّ بإمكانها رشوة روسيا بمنطقة نفوذ على الساحل السوري والإقرار لها بمصالحها في كامل سورية والمنطقة بما في ذلك العراق من أجل تمرير قرار المناطق الآمنة في مجلس الأمن، خاصة أنّ عملاً من هذه الطبيعة وهذا الحجم لا يمكن أن يحصل إلا بوجه من وجهين إما قرار من مجلس الأمن يعطيه الشرعية الدولية، أو عمل عسكري تنفذه أميركا وحلفاؤها ويفرض المشروع بالقوة ويمنحه شرعية القوة والغلبة، وطالما أنّ ترامب لا يريد أو أقله حتى الآن لا يريد إقحام جيشه في الميدان، كما وعد فإنّ السبيل الوحيد المفتوح أمامه هو الاستحصال على قرار من مجلس الأمن. هذا الأمر الذي يتطلب قبولاً روسياً للتفلّت من الفيتو فهل توافق روسيا؟
لقد أعلنت روسيا بأنها مستعدّة لدرس الموضوع، ولكنها اشترطت للموافقة عليه أن يتمّ التنسيق في تنفيذه مع الحكومة السورية، أيّ انها حتى الآن تظهر التزاماً بالموقف السوري. والموقف السوري جاء واضحاً على لسان وزير الخارجية وليد المعلم عندما أعلن أنّ إقامة المناطق الآمنة دون التنسيق مع الحكومة السورية له نتائج وخيمة ويعتبر خرقاً للسيادة السورية، بمعنى أنّ سورية ترفض ان يتمّ أيّ عمل أجنبي على أراضيها إلا بالتنسيق معها، فأيّ تنسيق تريد سورية بالضبط؟
في البدء نقول إنّ المناطق الآمنة الحقيقية والفعلية في سورية هي موجودة الآن في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية وإنّ السوريين لا يحتاجون الى مشاريع جديدة تؤدّي الى المحافظة على حالة الحرب القائمة، بل إنهم بحاجة الى تطهير أرضهم من الإرهاب فيستعاد الأمن والمعادلة واضحة وبكل دقة وتقول «إن الأمن حيث الدولة والإخلال بالأمن لا يحصل إلا على يد الإرهاب». فإذا كانت هناك نية بمعالجة جذرية لمشكلة النزوح، فإنها تكون ببساطة بإعادة النازحين الى المناطق التي تفرض الدولة الأمن فيها وجُلّ ما يُطلب من «الغيارى» تهيئة الفرص وتقديم المساعدات المعيشية والإنسانية للنازحين بدلاً من تقديم السلاح للإرهابيين الذين هجروهم.
نقول هذا مع علمنا بأنّ أميركا معها من قاد العدوان على سورية وأفسد أمنها ليسوا بصدد تقديم خدمات للدولة السورية بشكل يعيد لها استقرارها ضمن وحدة الأرض والشعب، ولهذا جاؤوا بالخطة الشيطانية الخبيثة للتقسيم وتوزيع المغانم تحت عنوان مناطق آمنة.
ولهذا، ومع تأكيدنا على وجوب رفض مشروع المناطق الآمنة لأنه طريق الى تقسيم يمهّد له تقسيم فعلي ثابت بما يذكّر بقرارات تقسيم فلسطين او تقسيم السودان او بالأمر الواقع في العراق، فإننا نؤكد أيضاً انّ المشروع يستهدف محور المقاومة وجوداً ودوراً وفعالية في سورية ومنها الى المنطقة، ويمكّن «إسرائيل» وأميركا من تحقيق بعض أهدافهما ضدّه، مع معرفتنا وتأكيدنا لكلّ تلك المخاطر التي تدعو الى رفضه، فإننا نرى انّ الصيغة الوحيدة التي يمكن أن تُقبل في ما خصّ تلك المناطق هو ان تكون أيّ منطقة بإدارة وإشراف مباشر من الحكومة السورية، وأن تتولى دول الجوار مهمة إقفال حدودها بوجه الإرهابيين وأن لا يوجد على الأرض السورية أيّ قوة عسكرية أجنبية من الجوار او الأبعدين لا تعمل وبتعاون وتنسيق مباشر مع القيادة العسكرية السورية الشرعية.
اما روسيا، فإنها مدعوة للتنبّه لمخاطر الخطة الأميركية الخبيثة ومنع تمريرها في مجلس الأمن، حتى لا يصدر قرار مقنع بتقسيم سورية، كما أننا نرى بانّ محور المقاومة امام مرحلة جديدة من المواجهة، إذ إنه وبعد أن أسقط مشروع إسقاط سورية، وبعد أن أسقط مشروع التقسيم الصريح بعده، عليه ان يستعدّ لإسقاط مشروع التقسيم الخبيث المقنّع الجديد، وانّ أمر إسقاطه أسهل بكثير من السابق في ظلّ الإنجازات العسكرية الهائلة التي تحققت والتي تكللت في حلب، وفي ظلّ التشرذم الذي بات عليه معسكر العدوان.
أما خطة المواجهة الآن، فينبغي أن تكون مركّبة في السياسة والميدان على حدّ سواء تبدأ برفض المناطق الآمنة مهما كانت الضغوط وتتوالى إلى حشد المؤيدين لرفضها ثم تصل الى مواجهتها في الميدان والغلبة الأكيدة هي لمحور المقاومة الذي أثبت فعالية وقدرة على المواجهات القاسية والعنيفة، مهما بلغت ضراوتها. فالمحور الذي قدّم هذا الحجم من التضحيات وحقق تلك المكاسب لا يمكنه التفريط أبداً بما تحقق ولا يمكنه أبداً التفريط بدماء شهدائه والوقوع في الحيل الصهيونية الأميركية الخادعة.
التعليقات مغلقة.