مشروع الدستور الروسي لسوريا.. وجهة نظر / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 2/2/2017 م …
” كاتب هذه السطور مع عروبة سوريا وسيادتها, وأشك أن الرئيس السوري سيتخلى عن هذين الشرطين الرئيسيين, فهما جوهر أيديولوجية حزب البعث الحاكم, نؤكد, أن ما قدمه الروس, لا يعدو كونه “مُقترحا”ليس الا, وهو وكما قال لافروف: مشروع سيُساعِد على تطوير النقاش والحوار, وهو ايضاً ( وِفق لافروف) محاولة لجمع وتحديد النقاط المشتركة, وبلاده لا تحاول فرض اقتراحاتها على احد. فبربكم, لماذا هذه الضجة المفتعلة ؟ ”
ضجة إعلامية كبيرة كبيرة أثيرت للمرة الثانية ولا تزال عن فرض مشروع دستور جديد لسوريا, صاغته روسيا. نشكل الضجة مادة “مفرحة” لوسائل إعلام عربية وتركية, وعواصم إقليمية تقف وراء عصابات الإرهاب, التي نمت بفضل تلك العواصم, والتي ما زالت تصر على تقسيم سوريا بأوامر من أسيادها. الخبر شكل أيضا مادة لرقص المعارضة السورية على قاعدة “ألم أقل لكم”! ,التي تحاول التأكيد على “استعمار” روسي لسوريا, التي “تفقد” سيادتها الوطنية وعروبتها تدريجيا. الخبر سيشكل مادة يعتقدونها “دسمة” لكل الأبواق المستهدفة لسوريا. بداية, لا بد من التأكيد على أن مجموعات المعارضة خرجت من دائرة التأثير في الحدث, إن بإفلاسها وانكشافها وسادتها, للجماهير العربية, بعلاقتها الصهيونية, واستعدادها للتنازل عن هضبة الجولان, أو بالاقتتال الداخلي بين فصائلها, التي ينشأ كل يوم منها, فصيل جديد, تماما مثل الفطر, لكنه السأم بالتأكيد. إننا نستثني المعارضة الداخلية, التي تؤكد مطالبها بوسائل ديموقراطية, وتقف ضد استعمال السلاح, وضد التدخل الخارجي في هذا البلد العربي.
الغريب, ان كثيرين من الكتّاب العرب, المولعين عشقا ببرنامج ومخططات الفصائل الإرهابية, لا يقرؤون عن المخططات المنشورة علانية, لتقسيم الوطن العربي إلى 52 دويلة! هذا ما خططه المفكر الصهيوني البريطاني الأصل برنارد لويس, والمسمى باسمه, لقد أفاد لويس, الدوائر الغربية في تفصيلات تشريح وتقسيم الدول العربية, حيث وصفه الصهيوني, مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق بول ولفوفيتز, قائلاً:”لقد تمكن لويس في شكل باهر, من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع, وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوماً. لقد علّمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط, وكيف نستعمله لتحديد خطوتنا التالية, لبناء عالم أفضل لأجيال عديدة”. لقد كتب كثيرون عن مخططه, أخيرهم ولن يكون آخرهم, الكاتب الصحفي البريطاني المهتم بالصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني جوناثان كوك في كتابه “إسرائيل وصدام الحضارات” (لم يترجم بعد إلى العربية), يورد الكاتب المخطط الإسرائيلي لتفتيت الوطن العربي, فيقول نقلا عن أحد القادة الإسرائيليين : إن تفتيت مصر والعراق إلى دويلات عرقية ودينية على غرار ما جرى في لبنان, هو الهدف الاستراتيجي البعيد لإسرائيل على الجبهة الشرقية, أما إضعاف هذه الدول عسكريا, فهو هدفها القريب. سيجري تفتيت سوريا إلى ثلاث دول : دولة للعلويين ودولتان للسنة في دمشق وحلب.
الضجة أثيرت بعد مؤتمر أستانا وعلى أبواب مؤتمر جنيف المقترح, وبعد نجاح موسكو وأنقرة وطهران في مشاركة سبعة فصائل في مباحثات العاصمة الكازاخية وتثبيت وقف إطلاق النار , دون اي مشاركة لمن يَصِفون انفسهم بـ “المعارَضة الحقيقية الشرعية”, التي تحتكرها الهيئة العيا للتفاوض وائتلاف اسطنبول. استأنفت المعارضة حملاتها التشويهية للتشويش على الموقف الروسي و”شيطنته” ,بالادعاء, أن موسكو هي التي “ستتحكم بشكل الحكم ” في سوريا, ونزع عروبتها, (وكأن هذه الأطراف حريصة على العروبة, وقتال عدوها الصهيوني!) , و “تغيير حدود سوريا” وبقاء الأسد.. الخ. وحول الموقف إجمالا, نقول:
من حق روسيا أن تقترح ما تشاء, لكن بالمقابل, من حق سوريا رفض البنود التي تراها مضرة بتأكيد عروبتها وسيادتها في المشروع, وبخاصة أنها أصبحت الطرف الفاعل في موازين القوى, مقارنة مع هزائم المعارضة المتتالية بعد معارك جبهة حلب, وما تدمير داعش لحائط مدرج حلب التاريخي, إلا رد فعل على الهزيمة في حلب, وللإشارة إلى انتصار له بعد هزيمته المدوية في الشمال السوري, ولو من خلال تدمير حضارة التاريخ الأثرية. مشروع الدستور الروسي هو مقترح, ليس إلا. هذا أولا. ثانيا, ليس هناك ما يشير بالمطلق في تاريخ العلاقات الروسية مع أي دولة عربية, إلى نزعة استعمارية روسية لأي بلد تقدم له الفيدرالية الروسية, المساعدة. بالطبع من حق روسيا كما مطلق دولة المحافظة على مصالحها, وفي حالتنا هذه, فإن سوريا تشكل موطىء قدم للمصالح الروسية في المنطقة. خذوا مثلا, عندما طلب السادات من الاتحاد السوفيتي, سحب خبرائه من مصر, ألم يقم بريجنيف بسحبهم؟. ثم عندما تم الإعلان عن موافقة إيران على انطلاق الطائرات الروسية في قصفها للمنظمات الإرهابية, من قاعدة عسكرية إيرانية, حينها اعترض بعض المسؤولين الإيرانيين على هذه الخطوة (وهم معذورون, حتى لا يقال زورا وبهتانا, أن الخطوة, هي بداية استعمار روسي لإيران!) ألم يقم بوتين بسحب كل الطائرات؟ .
كاتب هذه السطور مع عروبة سوريا وسيادتها, وأشك أن الرئيس السوري سيتخلى عن هذين الشرطين الرئيسيين, فهما جوهر أيديولوجية حزب البعث الحاكم, نؤكد, أن ما قدمه الروس, لا يعدو كونه “مُقترحا”ليس الا, وهو وكما قال لافروف: مشروع سيُساعِد على تطوير النقاش والحوار, وهو ايضاً ( وِفق لافروف) محاولة لجمع وتحديد النقاط المشتركة, وبلاده لا تحاول فرض اقتراحاتها على احد. فبربكم, لماذا هذه الضجة المفتعلة ؟ ثم, فلتطلب الدول المساندة لكم, من أميركا سحب قواعدها العسكرية من أراضيها العربية! أم أن هذا جائز تماما من وجهة نظركم؟. يذكرني موقف المعارضة السورية بحادثة طريفة: زار أحد الشيوعيين العرب وصديقه غير المنتمي لحزب, في ستينيات القرن الماضي, إحدى العواصم الغربية. مرا بحديقة شعبية, رأيا بالطبع فتيات وشبانا يقبلون بعضهم البعض, وهم جالسون على المقاعد, احتدّ الشيوعي, وقرأ محاضرة لصديقه عن انحلال الأخلاق بين الناس في الغرب. انتقلا بعد فترة إلى زيارة دولة اشتراكية, رأيا نفس المشهد في إحدى حدائق عاصمتها. ابتسم الشيوعي, وبدأ في قراءة محاضرة لصديقه عن عظمة التآلف بين الناس في الدول الاشتراكية, ومدى الحب والود الإنساني بينهم. وهذه حال المعارضة السورية.
التعليقات مغلقة.