الديمقراطية خيار الشعوب المتطورة / حمادة فراعنة

حمادة فراعنة ( الأردن ) السبت 4/2/2017 م …

اذا كان أحد قيادات ” تنظيم الشريعة في بلجيكا ” يرى حرفياً أن ” الديمقراطية كفر ” فلماذا هو يقيم في بلاد الكفر؟ ولماذا لا يعود الى أرض وطنه، أرض الأيمان والعقيدة والأستقامة والعدالة والمساواة ؟؟ أم أنه يرغب ويتطلع لتحرير بلجيكا من أصحابها وعقائدهم وتصويب حياتهم؟ ما صرح به أحد قيادات تنظيم الشريعة في بلجيكا، مجهول الاسم، استفزازا لكل انسان يؤمن بوراثة قيم الانسان وتداخلها والأستفادة المتبادلة من انتاج البشرية المشترك، فالدولة الاسلامية، بكل مراحلها ومسمياتها كان لها فضل على مسار البشرية وتطورها، مثلما استفاد العرب والمسلمون من تراث ما قبلهم من الأمم المتقدمة في ذلك الوقت، من الرومان والفرس، ومن العديد من القوميات التي سبقت العرب في تحضرها وتقدمها خلال مئات السنين، وأفادوا من جاء من بعدهم .

ولذلك ليست الديمقراطية نتاج المجتمع الأوروبي وحده، وان كان لها الفضل في تطويرها وفي تطبيقها، ولكنها لم تكن نتاج أوروبا الحديثة فحسب، بل هي عملية وراثية تراكمية مرت في محطات مختلفة حتى وصلت الى ما وصلت اليه في أوروبا الحديثة المتطورة، ورغم ذلك، فالديمقراطية لها تطبيقات مختلفة تعكس تطور كل مجتمع وثقافته وقيمه، ولكن ثمة أصول باتت راسخة في قيم البشرية جمعاء، في حق الانسان في الأختيار وفي الحكم الرشيد، وتداول السلطة، نتاج صناديق الأقتراع وغيرها من الأدوات والوسائل، واحترام حق الانسان في الحياة وتحريم قتل النفس الانسانية، وانهاء حياته بالقانون والمحاكمة العادلة النزيهة، وأن لا يدعي أحد الايمان دون غيره، وحق تمثيل السماء دون الأخرين، وتكفير من هو خارج فهمه ودينه ومذهبه، وأن يبقى التعايش والشراكة على أساس التعددية والندية، فالأصل في الانسان والكون والخلق هو التعددية، لا فضل لأحد على أحد، الا بالتقوى والعمل الصالح .

داعش، والقاعدة، وأحزاب ولاية الفقيه، وحزب التحرير، والاخوان المسلمين، تنظيمات سياسية عابرة للحدود، لا تتوقف عند قومية ولدى بلد، بل هي تراث انساني للبشرية، ولأنها سياسة فهي تختلف عن بعضها البعض، في الأداء والفهم والأدارة والتعامل والأولويات، بعضها لا يحبذ العنف، ويؤمن بالعمل الجماهيري والنقابي والبرلماني، وبعضها يرفض ذلك ويؤمن فقط بالعمل الجهادي وصولاً الى السلطة والى الحكم، وبعضها الثالث لا يؤمن لا بهذا ولا بذاك بل عبر انقلاب الجيش وتجنيد المؤسسة العسكرية، بهدف السيطرة على الدولة واعلان الخلافة .

وطالما هم كذلك فهذا يعني أيضاً وجود اجتهادات أخرى، وأدوات متنوعة، ووسائل غير عملية وصولاً الى السلطة، وطالما هم تنظيمات سياسية، فعليهم أن يدركوا وأن يفهموا وأن يتكيفوا مع معطيات أخرى تشاركهم التطلع وصولاً الى ادارة الدولة ومؤسساتها على قاعدة تداول السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع، فالديمقراطية وسيلة للوصول الى السلطة، والى مؤسسات صنع القرار، وهي ليست هدفاً، فالهدف هو الوصول الى موقع صنع القرار، ولذلك يفترض أن لا تكون لها صلة بالكفر، كما يدعي صاحب ” تنظيم الشريعة ” المقيم في بلجيكا، الذي يستغل الديمقراطية المتاحة له باعتباره مواطناً بلجيكياً ويقول ما يُود قوله، وما له قاله، وما يقوله غيره، لا يملك شجاعة أن يقوله في بلده، واذا ملك الشجاعة، فلن تتوفر له وسيلة ليقول ما يشاء، وما يؤمن به في مؤسسات بلده الأعلامية .

أحزاب التيار الاسلامي في أغلبها كانت حليفة للأنظمة غير الديمقراطية، بل كانت أحد أدواتها في مناهضة أحزاب وشخصيات التيارات السياسية الأخرى اليسارية والقومية والليبرالية، قبل أن يتصادما بعد نهاية الحرب الباردة، وبعد أحداث سبتمبر، وبعضها عاد للتفاهم والعمل مع الأميركيين والأوروبيين على أثر انفجار ثورة الربيع العربي، وهم وحدهم الذين استفادوا من نتائج الربيع العربي، بسبب تراثهم القوي خلال الفترة الواقعة ما بين الحرب العالمية الثانية، وحتى نهاية الحرب الباردة، حينما تحالفوا ضد الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، وضد عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد، وضد منظمة التحرير واليمن الجنوبي .

الصراع كان سياسياً، ولا يزال، ونتائجه سياسية، وهذا ما يحصل في ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن ومن قبلهم الصومال، وان أخذ أشكالاً ومسميات مختلفة، ولكن أساسها سياسي والقتال والعمل المسلح هو تعبير سياسي بأدوات عنفية وصولاً الى تحقيق نتائج سياسية، ليس الا، فالعمل المسلح، وصناديق الاقتراع، وسائل وأدوات الوصول الى السلطة، اما يتم استعمالها لمرة واحدة، واما تتكرر ايماناً بقاعدة تداول السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع، ويبدو لأن أحزاب التيار الاسلامي، لا تؤمن بالتعددية وتداول السلطة، فلذلك لا تحبذ الديمقراطية واستمراريتها، وهذا هو مصدر العداء لها وتكفيرها، وبذلك فهي لا تختلف في جوهرها عن الأنظمة غير الديمقراطية، ولذلك كانا في حالة التفاهم والشراكة طوال الخمسين سنة الماضية، في مواجهة التيارات اليسارية والقومية والليبرالية .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.