زحف الجيش السوري.. أهداف أبعد من الباب وتدمر / عمر معربوني
عمر معربوني* ( السبت ) 4/1/2017 م …
ما بعد تحرير الأحياء الشرقية تضاربت التوقعات حول وجهة الجيش السوري القادمة، فمنا من توقع أن تكون الوجهة نحو ادلب، ومنا من توقع ان تكون الوجهة نحو مدينة الباب حتى حسم توجه بعض الجماعات المسلحة الى لقاء آستانة الكثير من الجدل، وبات اتجاه الباب هو الإتجاه الرئيسي لهجمات الجيش السوري بموازاة عمليات فعّالة على جبهات ريف حمص الشرقي وخصوصًا في محيط مطار الـT4.
أمّا لماذا بات الزحف نحو ادلب خارج الحسابات الحالية للجيش السوري وحلفائه، فذلك مرتبط بالتطورات التي نتجت عن لقاء آستانة واهمها الإحتراب الحاصل بين الجماعات الإرهابية والذي سيستمر لفترة ليست بالقصيرة، حيث بات الإنقسام بين هذه الجماعات عاموديًا ولم يعد بالإمكان تلافيه، وهو ما يعني انشغال هذه الجماعات فيما بينها بحرب لن تبقي على أحد من ذئاب الجماعات التي ستنهش بعضها دون رحمة.
في السابق، كانت اشتباكات الجماعات تُحَلّ عبر “المحاكم الشرعية” التي فقدت الآن مشروعيتها، وباتت منقسمة أكثر من اي وقت مضى على أساس الخلاف الجذري بين الشق “الإخونجي” و”الشق السلفي المتشدد”، وهو أمر كان متوقعًا ولكنه على ما يبدو كان يحتاج لذريعة مهمة حيث تعتبر “جبهة النصرة” حربها الإستباقية حرب وجود لا مجال للرجوع عنها.
المشهد الحالي في ادلب وأريافها وبعض ارياف حلب لم يعد يستدعي من الجيش السوري إلّا العمل على تثبيت الجبهات الحالية والدفاع عن نقاط الإرتكاز فيها، حيث لا تستطيع الجماعات الإرهابية التي تتشابك بالمواقع في هذه المرحلة شنّ اية هجمات فاعلة وهي المنشغلة في حروب التصفية فيما بينها، وهي حروب سيستفيد الجيش السوري منها في البعدين السياسي والميداني. فالمعلومات تشير الى سقوط اكثر من 1500 قتيل وضعفهم من الجرحى في الإشتباكات الأخيرة التي رسمت خطوط تموضع واشتباك متداخلة ومعقدة ستؤدي الى تناحر مستمر وخسائر كبيرة.
وعلى أهمية ما يحصل من اشتباكات بين الجماعات الإرهابية، إلّا أنّ المشهد الميداني في جوار مدينة الباب التي أعلنتها الدولة السورية عبر قنوات الإتصال المختلفة خطًا أحمر يمنع على كل الأطراف الإقتراب منها، وهوما يفسر توقف العمليات التركية عند مشارف المدينة.
العمليات نحو مدينة الباب بدأت خلال عمليات تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب، ولكنها بدأت تأخذ زخمها منذ اسبوعين ومن اتجاهين:
1- الإتجاه الأول عبر التقدم على خطين متوازيين من الطعانة والمقبلة شرق المدينة الصناعية في حلب، وهو اتجاه وصلت فيه القوات الى مشارف ديرقاق بعد ان اجتازت بلدات عديدة اهمها شامر والمديونة، فيما تقدمت قوات أخرى على خط الشيخ كيف – الحسامية ووصلت طلائعها الى ام العمد وخربشة وسليمة.
2- الإتجاه الثاني وهو تطويرعمليات الإندفاع من منطقة شمال مطار كويرس نحو السرحان وعين الجحش والشيخ دن، لتصل طلائع القوات الى مشارف بلدتى عران وطومان لرسم خط جبهة مع القوات المتقدمة من الإتجاه الأول، ومنع تنظيم “داعش” من القيام بمناورات التفاف وإجباره على الإنسحاب بعد اكتمال قوس انتشار القوات المتقدمة.
العمليات باتجاه مدينة الباب تسير بشكل متسارع، حيث باتت قوات تنظيم “داعش” داخل قوس انتشار سيجبرها على الإنسحاب منه نحو مدينتي تادف والباب سريعًا، ما سيضع وحدات الجيش السوري على تماس مباشر مع قوة “داعش” الرئيسية في المدينة ويعلن فتح معركة المدينة بشكل مباشر من الجهتين الغربية والجنوبية.
بتقدم الجيش السوري وسيطرته على مدينة الباب، سيقطع الطريق على الأتراك والأكراد معًا وسيصبح المتحكم الرئيسي بمعركة الرقة القادمة أقله بالنسبة للأتراك، ويرسل اشارة الى الأكراد حول قدرات الجيش وامكانياته ويبقي التماس القائم على شد الحبال بين الأكراد والأتراك، وهو ما سيكون بمثابة ورقة قوة مضافة لمصلحة الدولة السورية في اية مفاوضات قادمة.
محاور اخرى ننتظر تنشيط فاعليتها من الجيش السوري وهي محور كويرس دير حافر، وهو محور هام جدًا ومحور خناصر مسكنة حيث سيكون للتقدم من هذين المحورين نتائج كبرى على صعيد الميدان من خلال تثبيت نقاط ارتكاز لمعركة الرقة والوصول الى بحيرة الأسد، حيث يمكن حل مشكلة المياه في مدينة حلب واريافها، والجانبان الميداني والآخر المرتبط بالمياه هما عاملان اساسيان في المرحلة القادمة.
هذا بما يرتبط بمدينة الباب، اما بخصوص العمليات في ريف حمص الشرقي وخصوصًا في محيط مطار الـT4 الذي بات بأمان اكبر من خلال تمكن وحدات الجيش السوري تأمين المطار من الجهة الجنوبية بعد الوصول الى بئر فضة وقصر الحير والى مفرق جحار ومشارف معمل حيان من الجهة الشرقية، بعد ان كانت القوات قد حررت تلول التياس والكتيبة المهجورة.
وعلى ما يبدو استطاع تنظيم “داعش” تبيان الهدف الإستراتيجي للجيش السوري في عملياته الحالية والتي تصب هذه المرة في خانة ما بعد تدمر، فقام بمهاجمة مطار السين وهو يقع شرق مطار الضمير في محاولة لانتزاع نصر كبير على الجيش السوري لم يستطع تحقيقه، في اشارة واضحة أنّ معركة البادية باتت ضمن الأولويات على ما يبدو، حيث ينشط الجانب الروسي مع الأردن بهدف تنسيق الجهود في معركة البادية، والتي ان لم تكن على الأبواب إلّا انها باتت معركة لا بد منها خصوصًا انها ستكون ضد تنظيم “داعش” الذي لا يختلف اثنان على تصنيفه واهدافه.
في كل هذا المشهد، يبدو الجيش السوري القوة الأكثر فاعلية خصوصًا بعد انتصار حلب وتسويات ارياف دمشق، والى حين اكتمال المشهد في الجبهات الأخرى تبقى العين باتجاه الباب وتدمر.
*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
التعليقات مغلقة.