أبطال الزنازين: أسطورة الحرية وعار الصمت

 

السبت 4/1/2017 م …

الأردن العربي – كتبت نجوى ضاهر

“أين القمر المعصوب يُساق

وسط السُحب الفارغة الأشداق

أسوار تفتح وظلال عارية

تركض، أبواب

تذبح خلف الأبواب،

الصرخة علم خفّاق

الصرخة.. أوراق

تسقط من شجر اللحم

غصون وثمار”..

هذه الصرخة التي أطلقها المناضل معين بسيسو من حجرة التعذيب تُجسد التعبير الأقوى عن واقع ما يحدث وما يُلح ضرورة حدوثه في ظل انتفاضة الأسرى في السجون الصهيونية الأخيرة، من خلال ابتداع أسلوب الطعن بما يتوفر لديهم من أسلحة بدائية، والتي لم تبدأ أمس مع عملية طعن البطل خالد السيلاوي من بيت لاهيا في غزة للسجان في سجن نفحة، وطعن الشرطي الصهيوني من قبل الأسير أحمد عمر نصار بشفرة حادة من قرية مادما قضاء نابلس في سجن النقب.

ففي قراءة لأبرز عمليات الطعن خلف الأسوار، تُطل رواية الأسير البطل هاني جابر الذي قام بطعن مدير سجن بئر السبع ونائبه في الخامس من حزيران لعام 2002، وفي الرابع من أيار لعام 2012 قام الأسير عوض الصعيدي بطعن ضابط أمن في سجن نفحة، وفي الثالث والعشرين من شهر شباط لعام 2015 قام حمزة أبو صواوين بطعن ضابط أمن في سجن ريمون، تبعها عملية طعن لسجان صهيوني قام بها الأسير فارس دار الشيخ سعدة في سجن النقب.

يتحمل الإحتلال الصهيوني بسياساته القمعية المسؤولية الكاملة عن كل تداعيات العمليات القمعية المتواصلة والتصعيد الهمجي الخطير الذي تقوم به مصلحة سجون الاحتلال ووحداتها الإجرامية بحق الأسرى، وتحديدًا ما يجري في سجني نفحة والنقب من انتهاكات وإهانات وتنكيل وجرائم يومية وعمليات انتقامية بحقهم، والتي جاء تصعيدها مباشرة بعد إقرار المجلس الوزاري (الإسرائيلي) المصغّر للشؤون الأمنية «الكابينيت» في جلسة عقدها قبل أسابيع قليلة، عددًا من الإجراءات والعقوبات التي سيتم اتخاذها ضد الأسرى الفلسطينيين.

كما تشرف وحدة “المتسادا” على كل العمليات الإجرامية والإنتهاكات الصارخة ضد الأسرى، وهذه الوحدة تشكلت عام 2003 بقيادة “يعقوب جانود” الذي كان وقتها في منصب مأمور إدارة السجون، ومهمتها الرئيسية المداهمة والاقتحام والسيطرة والتدخل السريع حيال حدوث حالة خطف أو تهديد، على أن يكون استهداف الأسرى الفلسطينيين بشكل رئيسي أولًا وخلافًا لوحدات القمع الأخرى.

تحمل هذه الوحدات بعض أنواع الأسلحة، منها الرصاص المطاط ورصاص الفلفل وغيرها من الأسلحة تستخدمها خلال الاقتحام، وتستخدم كذلك الكلاب البوليسية المدربة وأعضاءها، وأثناء اقتحام الغرف والأقسام يكون أعضاؤها مقنعين بقناع أسود. وتشير المعلومات الموثقة إنّ الهدف المعلن من وحدة “المتسادا” هو الاقتحام والسيطرة، أما المبطن فهو ممارسة الإرهاب ضد الأسرى من خلال هذه الوحدة بشكل رئيسي التي تقتحم غرف الأسرى ليلًا وهم نيام، ويقوم كل اثنين من أفرادها بالسيطرة على أسير ويوقعانه أرضًا ويكبلانه بالقيود في محاولة ممنهجة لكسر إدارة المقاومة لدى الأسرى.

وحدة “المتسادا”

وسبق للأسرى أن حذروا منذ عام 2003 من خطورة دور وحدة “المتسادا” وما قد ترتكبه من جرائم خاصة بعد قرار إدارة السجون إدخال الوحدات بكافة السجون، وما حدث من مواجهة خلال اقتحام سجن نفحة بداية عام 2004، حيث كان قرار الأسرى حاسم من جهة الوحدة المجرمة، وما تلا ذلك من اقتحام سجن النقب في عام 2007 واستشهاد الأسير محمد الأشقر على يد وحدة “المتسادا”، وأيضًا في دخولها لأقسام الأسرى بعد هذه المواجهة الدائمة في النقب.

ولم تمضِ عدة أيام حتى عادت عام 2013 إدارة السجون لاتخاذ قرار دخول وحدات “المتسادا” إلى غرف الأسرى الفلسطينيين بنفس الأسلوب والطريقة السابقة وبذات الأهداف، وقد أصدر الأسرى ذات التحذير واقتحمت الوحدة بعض أقسام السجون، وكان قرار الأسرى بأنّ كل اقتحام من قبل هذه الوحدة المجرمة للقسم سيتم حرق غرفة، وهذا ما تم في سجن نفحة عام 2015 حيث تم اقتحام سجن 15 على يد الوحدة المذكورة وجرى الاعتداء على الأسرى، وكان الرد صباحًا بحرق غرفة بالقسم 13، وهكذا بقيت السجون ساحة حرب مستعرة بين عناصر القمع الصهيوني في وحدة “المتسادا” وبين الأسرى الذين ما زالوا يخوضون معركتهم خلف الجدران بالأمعاء الخاوية وحيدين، وبابتكار أساليب المواجهة المختلفة التي تؤكد دائمًا على الحقيقة الصارخة بعدم قدرة العدو على كسر إرادتهم مهما تعددت وسائل إجرامهم.

كما أنّ الأسرى دفعوا ثمنًا غاليًا من أجل هزيمة السجان الصهيوني بكل وحداته الهمجية، وكلنا نذكر الأسرى المرضى الذين استشهدوا مكبلين على أسرّتهم، ومنهم الأسير ميسرة أبو حمدية الذي استشهد نتيجةً للإهمال الطبي داخل سجون الاحتلال عام 2013، والأسير الشهيد عرفات جرادات الذي انضم الى سلسلة من المناضلين الذين استشهدوا اثناء التحقيق معهم في اقبية التحقيق، والشهيد حسن الترابي الذي ارتقى نتيجة الإهمال الطبي رغم التحذير المستمر.. وغيرهم من قائمة الشهداء الأسرى الذين استشهدوا وسط صمت إعلامي حقوقي مُريب، لم يكترث بشكل جدي يومًا لمعاناة الأسرى وحربهم اليومية التي يخوضونها ضد كل قوانين العزل الإنفرادي والإعتقال الإداري، ولن يبصروا يومًا ما حدث أمس من تحطيم لرأس الأسير أحمد نصار وضربه بشكل وحشي مما أدى الى نقله في حالة غيبوبة ونزيف حاد الى مستشفى سوركا (الاسرائيلي)، في الوقت الذي تعرض ما يقارب 30 أسيرًا لاعتداء وحشي عليهم في قسم 16 في سجن النقب بالضرب بالدبسات والبنادق، وأصابتهم بجروح ورضوض وكسر في اطراف اجسامهم والقيام بالدعس عليهم وهم عراة.

وسيبقى تهديد مدير سجن النقب بقتل كل الأسرى قائمًا ليس ردًا على ما فعله الأسيران خالد السيرواي وأحمد نصار كحق مشروع ضد كل محاولات الإذلال البغيضة، بل لأنّ سياسة الكيان الصهيوني الغاصب قائمة على عقيدة الجريمة والعنصرية ولغة الدم بالدم التي تقابلها لغة الحرية لأبطال الزنازين، الذين يدركون انطلاقًا من مبادئهم الراسخة أنها هي كل المقابل الضروري لسياسة الصلف الصهيونية. فكل معتقل في السجون هو رواية الصمود والتحدي لكل فلسطيني ما زال وسيبقى يحاصر حصاره وحده، ويقدم نموذجًا فريدًا في أسطورة النضال التي تكتب بالدم خلف القضبان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.