أين ستكون المنطقة الآمنة داخل سورية التي تكلم عنها الرئيس الأميركي ؟
شارل أبي نادر ( الإثنين ) 6/2/2017 م …
تأخذ القرارات الغريبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حيزاً واسعاً من الاهتمام، داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها على مساحة المجتمع الدولي، وغالباً ما تكون لافتة في جرأتها أو في وقاحتها، وذلك بالنسبة للمسار الديبلوماسي الدولي المتعارف عليه بشكل عام، والذي دأبت أغلب الدول على احترامه أو التظاهر بتقيدها به على الأقل، و لم تكن سياسة الولايات المتحدة، وفي أغلب الأوقات والملفات بعيدة عن ذلك .
تكمن خطورة ما نراه اليوم حول القرارات الرئاسية الأميركية أنها صدامية وغير متوازنة، وبشكل عام تناقض أغلب الأعراف الدولية، وهي بدرجة معينة تخالف تفاهمات أو حتى اتفاقات، كانت قد التزمت بها الولايات المتحدة الأميركية بشكل ثنائي أو مع مجموعة واسعة من الدول كالاتفاق النووي الإيراني، والذي كانت الأخيرة، اي (الولايات المتحدة الأميركية) واحدة من ست دول وقعته والتزمت به، او حول قرارات جائرة وغير عادلة في منعه دخول رعايا عدد من الدول إلى الولايات المتحدة الأميركية، أو حول تطرفه الزائد في موضوع الجرائم الإسرائيلية بشكل عام، وبالأخص في موضوع دعم وتغطية الاستيطان الفاضح مؤخرا في الأراضي العربية داخل الضفة الغربية لفلسطين المحتلة.
الأزمة السورية
في موضوع الأزمة في سوريا والحرب عليها، جاءت قنبلة “المنطقة الآمنة”، والتي تكلم عنها ترامب مؤخراً، لتضفي جواً من الحذر والترقّب والدهشة على المشهدين الإقليمي والدولي، وخاصة إذا ما قارنّا هذا القرار مع ما ذُكر اعلاه حول غرابة وجرأة ووقاحة القرارات الأخرى، وحيث إن الموضوع لم يفاجأ الإيرانيين والسوريين لتعوّدهم على العداء الأميركي لهم، فقد تفاجأ بهذا الطرح الروس كون الادارة الأميركية السابقة كانت قد نسقت معهم حول فكرة هذه المنطقة الآمنة، وكانوا قد توصّلوا الى تفاهم معها على استبعادها، فإن الأتراك أيضاً صدموا كونهم استبعدوا عن كامل فكرتها حسبما يراها ترامب، فانهم (اي الأتراك) لم يكونوا بتاتاً بأجواء مكانها وعناصرها وشروطها وما الى ذلك .
من هنا، وفي ظل هذا الجنون الرسمي الأميركي حاليا، والمترافق مع التناقض الدولي والإقليمي حول المنطقة الآمنة في سوريا، وانطلاقا من المشهد الميداني السوري حالياً، ومن تطورات معركة الجيش العراقي والحشد الشعبي الناجحة ضد داعش داخل العراق، شمالا في الموصل وتلعفر، او وسطاً في صلاح الدين وعلى ضفاف الفرات غرب الأنبار، يمكن تلخيص عناصر ومعطيات المنطقة الآمنة المرتقبة حسبما يراها الرئيس الأميركي كالتالي:
– في ظل المفاوضات السورية – السورية بالأستانة، برعاية ثلاثية من روسيا وتركيا وإيران، مع رفض الأخيرة لأي دور للولايات المتحدة في الاشتراك بهذه الرعاية، وفي ظل النفور الأميركي – التركي حول عدد من المسائل، والمتصاعد حالياً على خلفية الاندفاعة التركية شرقاً والتقارب مع روسيا ومع ايران، لا يمكن أن تكون “منطقة ترامب الآمنة ” في الشمال السوري، حيث دائما كانت الولايات المتحدة الأميركية ترى في الميدان الأخير فرصة ومكاناً للاشتباك والنزاع المتعدد الاطراف كما كانت وما زالت دائما تبني إستراتيجيتها.
– بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، من الطبيعي أنها لن توافق، أو لن تكون مرتاحة بتاتاً، بأن ترى سيطرة كاملة للجيش العربي السوري على كامل المنطقة الشرقية بين دمشق والحدود العراقية، وحيث سيكتمل في ذلك التواصل الإستراتيجي لسوريا مع إيران عبر العراق، فإن ترامب حتماً سيعمل على تثبيت قطع هذا التواصل، وذلك عبر منطقة نفوذ، ترعاها بطريقة مباشرة او غير مباشرة الوحدات الأميركية، ومن الطبيعي والمنطقي أنها ستكون ما بين الحدود العراقية والسورية والأردنية، فالبيئة القريبة من التوجه الأميركي تتواجد في تلك المنطقة، و سيطرة الجيش العربي السوري غير موجودة هناك حالياً، والمجموعات المسلحة التي يدرّبها الأميركيون تنتشر هناك أيضاً، اعتبارا من محيط معبر التنف الحدودي مع العراق ولمسافة معقولة شمال غرب باتجاه دير الزور، أو جنوب غرب باتجاه مخيم البقعة على الحدود الاردنية.
– لم يكن الدعم الوقح غير المباشر من قبل وحدات التحالف الأميركي لداعش في دير الزور بعيداً عن تحضير الأرضية الميدانية لهذا التوجه الأميركي، وكانت دائماً “الاخطاء” الجوية الأميركية في قصف أهداف حساسة وإستراتيجية لوحدات الجيش العربي السوري، تؤسس وبشكل واضح لإضعاف فعالية الأخير والحدّ من توسيع سيطرته في منطقة دير الزور انطلاقا من مواقعه في المدينة وفي المطار، و”الخطأ البشري الأميركي ” كما صدر عن واشنطن في قصف جبل الثردة وتأمين تغطية جوية لداعش أسست لسيطرة التنظيم على الجبل الاستراتيجي، خير دليل على نوايا الأميركيين المبيتة في ذلك .
وأخيرا … استنادا لما ذُكر أعلاه من وقاحة رسمية أميركية حالية، ومن ظروف ومعطيات ميدانية ملائمة لتنفيذ الفكرة الأميركية للمنطقة الآمنة في الشرق السوري، وتحديدا في مثلث الحدود الأردنية – العراقية – السورية، تبقى مواجهة ذلك وخربطته واردة من قبل الدولة السورية وحلفائها الحقيقيين – وليس المرحليين حسب مصالحهم – وذلك عبر خطين أساسيين.
أولا: تفعيل الحوار السوري – السوري في آستانة وجنيف عبر إعطائه كل ما يلزم من جدية ومن تنازلات تحترم السيادة السورية من جهة وحقوق كافة مكونات الشعب السوري الصادق من جهة اخرى.
ثانياً: عبر تركيز كافة الجهود العسكرية والميدانية في محاربة داعش وملاحقته شرقاً حتى الحدود العراقية، وتثبيت سيطرة الدولة السورية على كامل جغرافيتها .
العهد
التعليقات مغلقة.