غارات الجمعة.. تحول استراتيجي أردني / ماجد توبة
ماجد توبة ( الأردن ) الإثنين 6/2/2017 م …
مهاجمة طائرات سلاح الجو الملكي لمعاقل عصابة “داعش” الإرهابية في الجنوب السوري مساء الجمعة، في عملية خاصة للأردن من دون مشاركة مباشرة للتحالف الدولي، تحمل عدة إشارات سياسية واستراتيجية يمكن قراءتها بتمعن، خاصة مع ربطها بمجموعة من الحراكات السياسية الأردنية الأخيرة في غير عاصمة عالمية، وأيضا مع ما سبق أن صرح به رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الفريق الركن محمود فريحات بمقابلته اللافتة قبل أسابيع.
بيان القيادة العامة للقوات المسلحة حول العملية النوعية أعاد أسبابها المباشرة إلى نوع من الثأر لأرواح الشهداء الأردنيين في الحرب على الإرهاب، وضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، لكن ذلك لا يمنع من قراءة نوع من التحول الاستراتيجي في هذا الاشتباك مع معاقل الإرهاب، وتحديدا الذي يمثله “داعش” وما يدور بفلكه من تنظيمات، خاصة أن الضربات الجوية هذه جاءت لمواقع للتنظيم بجنوب سورية، المحاددة للأردن، فيما كانت المشاركة الأردنية العسكرية المباشرة بعمليات التحالف الدولي تستهدف مواقع التنظيم في الشمال الشرقي السوري.
ويمكن اعتبارها تحولا مهما له ما بعده أيضا إذا ما علمنا أنه رغم انخراط الأردن رسميا بعمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ أكثر من عامين، إلى جانب أكثر من 60 دولة، فإن الجهد العسكري، وأغلبه جوي، بقي من مهام الولايات المتحدة بصورة أساسية، خاصة أن الأردن وأغلب دول التحالف لا تملك الإمكانيات العسكرية واللوجستية لإدامة مثل هذه العملية، بخلاف واشنطن التي تمتلك القدرات المناسبة.
في التحليل النهائي، تبدو الحرب ضد “داعش” واجتثاث “دولته” قد قاربت على نهاياتها، وإن لم تنته خلال شهرين أو ثلاثة، فلا يتوقع لها أن تطول حتى نهاية العام، لكن ذلك يفتح الباب أمام تهديدات أمنية كبيرة، لا ينهيها القضاء على البنية العسكرية للتنظيم بأماكن تواجده، وثمة توقعات بحدوث انزياحات ومحاولات تسرب لأفراد التنظيم إلى غير منطقة، فيما تبدو الحدود الأردنية ملجأ ملائما لمثل هذا السيناريو، كما بدت مؤشراته في مخيم الركبان، فضلا عن وجود تنظيم “خالد بن الوليد” الذي أعلن منذ أشهر ولاءه لـ”داعش”، وهو –كما قال الفريق فريحات مؤخرا- يملك أسلحة خطيرة ومتقدمة، وبالتالي يشكل خطرا على الأمن الأردني.
كما أن الخطر على الأمن الأردني لا يقف في النهاية عند عصابة “داعش”، بل يشمل في المحصلة تنظيم القاعدة وذراعه جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام، وغيرها من تنظيمات سلفية مسلحة، تشهد خريطتها حاليا صراعات وإعادة فك وتركيب بعد أن تغيرت معادلات دولية وإقليمية في الصراع على سورية، وسط تقدم واضح للجيش السوري بدعم روسي كبير، لاجتثاث هذه المجموعات، وتحرير المناطق التي استولت عليها وحولتها لإمارات حرب خاصة بها!
أمام تبلور الصورة الاستراتيجية الجديدة للصراع في سورية، يجد الأردن نفسه معنيا أكثر من غيره بحسم خياراته الاستراتيجية القادرة على الحفاظ على مصالحه بالمرحلة المقبلة، وهي خيارات أعتقد ويعتقد الكثيرون أنها تلتقي بصورة رئيسية مع إعادة الدولة السورية لسيطرتها على أراضيها، وانتهاء مرحلة إمارات الحرب والسلفية والإرهاب، التي سرقت ثورة الشعب السوري وكادت تسرق مستقبله أيضا، بإدخال البلاد في حرب طاحنة ودمار شامل لصالح أجندات وصراعات دولية وإقليمية.
أعتقد أننا سنكون في المرحلة المقبلة على موعد مع غارات وعمليات عسكرية أردنية أخرى ومباشرة في الجنوب السوري، تحديدا ضد معاقل “داعش” وجيش “خالد بن الوليد”، وفلوله المنسحبة من الرقة والموصل، وأيضا ضد غيرها من تنظيمات لا تختلف في إرهابها وخطرها كثيرا عن “داعش”، ولن تكون عملية الجمعة بقوتها وأهميتها بالوحيدة. وإذا كان العلم العسكري يؤكد أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فأعتقد أن مثل هذه الغارات والعمليات الأردنية في عمق “داعش” وحلفائه بالجنوب السوري، تنطبق عليها هذه القاعدة بقوة.
التعليقات مغلقة.