السرب الأول / عبدالهادي راجي المجالي

عبدالهادي راجي المجالي ( الأردن ) الإثنين 6/2/2017 م …

لقد تابعت البيان العسكري , الذي صدر عن الجيش, حول قيام مجموعة من طائرات السرب الأول بقصف أهداف جنوب سوريا..

قال البيان :- أن العملية نفذت مساء الجمعة , ماالذي كنت أفعله يوم الجمعة في اللحظة التي كانت الطائرات تدك أهدافها ؟.. كنت في البلد أتناول الكنافة وأكسدر مع رفاق السوء في الزواريب… وأتحاور معهم حول (الكرش) الذي بدأ يتشكل لدي , وأطبطب عليه ممازحا.

طائرة (إف 16) هي من الجيل الرابع , وتعتبر من أحدث الطائرات في العالم وأكثرها انتشارا , ونحن لا نعرف من نفذ العملية من شبابنا.. ولكني زرت السرب الأول في الصيف الماضي, وجلست في (كبينة) هذه الطائرة… قال لي طيار شاب, كان عائدا للتو من مهمة.. ووجهه يشبه الضحى لحجم البسالة المغروسة فيه , قال لي:- حين تنطلق على المدرج.. ولحجم السرعة الهائلة تشعر أن جسدك قد التحم مع حديد المقعد , أخبرني أيضا هذا الطيار الشاب والجميل , أن بعض المناورات التي يقومون فيها أثناء القصف ..يتضاعف وزن الجسم فيها (9) مرات ..

أوقفوني قريبا من المدرج , وشاهدت إقلاعا لطائرة …أرعبني الصوت فالهدير أحسست أنه تغلغل لشرايين قلبي وهزها ..كيف هي شرايينهم إذا وهم ..يصعدون السماء , دون إكتراث للخوف أو للزمن أو للنار .

الناس هنا تتباكى على لقمة الخبز , وبعضهم يصرخ لأجل المقاطعة ..والبعض يصدح في مجلس النواب , مدافعا عن الشعب.. ونقول عنهم في مجالسنا:- (والله فلان زلمه) ..بطولاتنا قائمة على الكلام, والخطب …بطولاتنا قائمة , على رمي الملفات في مجلس النواب, والمناكفات عبر الجرائد ..وإنشاء صفحة على الفيس بوك لأجل المقاطعة …ورجم أحمد هليل ومهاجمة ما نسميه خطاب التسول …بالمقابل ماذا نقول عن شاب عمره (26) سنة قاد يوم الجمعة (إف 16) وتوجه إلى الجنوب السوري, وكان يحمل ما زنته (2) طن من القذائف ..واشعل الأرض نارا من تحته.. وحين أدار مقدمة الطائرة صوب الجنوب كي يعود للوطن , حمل الموت على كفيه وكان يدرك أن الحياة بيد الله , ومهما كانت الطائرة حديثة.. أو كانت سرعة الرياح مناسبة …أو كان الموقف جيدا, فإن أمرا بسيطا في التقدير ربما سيكلفه حياته ..هؤلاء مهنتهم:- ليست بطولات (الفيس بوك) ولا خطب المجالس النيابية , ولا المقالات أو (الجعجعة) على الشاشات , هؤلاء مهنتهم.. أن يشعلوا الأرض جهنما فوق رأس (داعش) ..ولا أحد يعرفهم , ولا يأخذون مياومات.. ولا تصرف لهم مرسيدس, وليس لديهم سائق خاص ..هؤلاء , حين عادوا في المساء, مباشرة حملوا أقراص التصوير ..وتم تقييم العملية من ضباط الإستخبارات , وكانوا سيحاسبون إذا أخطأوا الهدف وسلموا طائراتهم .. دون أي ضرر , ثم اتجهوا للمطعم الخاص بالسرب.. وكان العشاء:- (حمص , فول ..وبيض مسلوق)..

نحن لا نعرف من هم , لا نعرف أشكالهم , ولا رتبهم ولا أرقامهم العسكرية لا نعرف ألوان عيونهم , لانعرف هواياتهم …وأين يسكنون, ربما يمر من جانبك في السيارة , ربما أحد الضباط الذين نفذوا العملية , سيقف على الإشارة ..وتنظر إليه وتظنه ….شاب بسيط , مجرد شاب بسيط ..ربما ستجده في عيادات المدينة الطبية , مرافقا والدته ومنتظرا دورها عند طبيب السكري وتعتقد أنه مجرد شاب يهمه رضى الأم , ربما سيقف خلفك في الدور عند مخبز, كي يشتري (كعك وبيض) …في النهاية لا نعرفهم ولكننا شاهدنا كيف أشعلوا الأرض نارا .

على كل حال هؤلاء هم عصب الدولة الحقيقي , هؤلاء هم الدولة ..وهم الوطن .

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.