ليبيا: الجنرال حفتر إذ يرفض.. «الوصاية الدولية» / محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الأربعاء 8/2/2017 م …
في آخر تصريحاته التي جاءت في إطار مقابلة طويلة أجرتها مع صحيفة «جورنال دو ديمانش» الفرنسية, دعا الجنرال/ المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني» الليبي وأحد «أقوى» إن لم يكن الرجل القوي الوحيد في ليبيا إلى ترك الليبين يُقرِّرون شؤونهم بما يلائمهم, موضّحًا أنّ «المجموعة الدولية» لا تتفهم حقيقة الوضع في بلاده, مضيفا في نقد لاذع وغير مسبوق, أنّ لدى المجموعة «معلومات خاطئة تستند إليها لإتخاذ قرارت سيئة, وغبر قابلة للتطبيق.».
ما قاله المشير حفتر يستبطن رفضًا واضحًا لما وصفه بـ»الوصاية» الدولية على ليبيا, ولم يسلم المبعوث الدولي الألماني مارتن كوبلر من هجوم المشير اللفظي والقاسي عندما قال: «إن الليبين لا يُحبون كوبلر, إنهم يُسمَّونه الشيطان», ما يعني أيضا أنّ حفتر يريد شطب دور المبعوث الدولي الذي رفض على الدوام استقباله, وبالطبع لم يكن كوبلر هو الآخر,يُوَفِّر الجنرال الليبي من انتقاداته, عندما قال «أن ليس لدى حفتر جيش حقيقي, بل هم مجموعة من الميليشيات غير المتدربين, والعسكريين غير المهنيين, يدفع حفتر لهم رواتبهم». لكنه «كوبلر» وبعد أن بدأ «المشير» يتوفر على مزيد من الأوراق, ويُراكم إنجازات عسكرية ميدانية, وبخاصة عندما حرّر مناطق المثلث النفطي من المجموعات الاسلاموية, وجعل صادرات النفط الليبي ترتفع وتذهب بـِ»سلاسة» إلى أوروبا, ثم جاءت زياراته «التاريخية» إلى موسكو, ولاحقًا عندما صعد إلى حاملة الطائرات الروسية الأميرال كوزنتسوف, وقيل «وقتذاك» أنّه وقّع على اتفاقات عسكرية «تسليحية», بل ذهب البعض إلى الزعم بأنّه وافق على وجود قاعدة عسكرية بحرية روسية في الموانئ الليبية(وهو ما نفته موسكو), ثم زيارته للولايات المتحدة, وبروزه كرجل ليبيا القوي, الذي يسعى رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج إلى لقائِه. رغم أنه كما يقول عن نفسه (نقصد السرّاج): أنه رئيس الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.
نقول: يبدو أن الرياح السياسية, والدبلوماسية التي تهبّ على ليبيا, المُمزّقة والمبتلاة بفوضى الميلشيات والمرتزقة, والمُرتهنة عاصمتها (طرابلس) لحكم ونفوذ وسيطرة «الإسلامويين», الذين تدعمهم وتموّلهم دولة عربية وتُصِرّ على عرقلة كل مساعي المصالحة, معتبرة حكومة خليفة الغويل ومجلسها الوطني هما أساس الشرعية, تجري(الرياح) لصالح «سفُن» حفتر, الذي بدأ نجمه يسطع, وأخذ يضع شروطًا للقبول بمقابلة فايز السرّاج, منها أن لا يتدخل «أنصاره» عندما تحصل المقابلة (إن حصلت اصلاً), قائلًا في الوقت ذاته :»أنّ الذين يدعمون حكومة الوفاق في طرابلس هم قِلّة, ولا يهتمون إلّا بالمال».
وإذ بدأ المشير حفتر يشعر أنّه بات رقمًا صعبًا في معادلة ليبيا الهشّة, والمُتغيّرة بل والأكثر تدهورًا في مشهد الفوضى الذي يهيمن على المنطقة العربية, فإنه أخذ يُولي علاقاته الخارجية أهمية خاصة, مُراهنًا على تحسّن علاقاته مع «قطبي» التأثير في المنطقة وهما موسكو وواشنطن ,مبديًا استعداده لإقامة تحالف مع الأميركيين والروس في الآن ذاته, تحت راية الحرب على الإرهاب, لخّصها في العبارة التالية « إذا تقاربت روسيا والولايات المتحدة بهدف استئصال الإرهاب, فإنّ ذلك يُمكن أن يساعدنا, سندعم –قال حفتر- الإثنين وسنتحالف معهما».وخصوصاً قوله عن فرنسا التي تدعم السراج, لكنها ارسلت مجموعة من العسكريين الى جانب قوات حفتر «ان فرنسا تدعم سياسيا اشخاصا لا سلطة لديهم,لكن ذلك يُناسِبنا,إذا حصلنا على معلومات استخبارية».
تبدو هذه التصريحات متناقضة وربما سعي من الجنرال حفتر إلى جمع الشتاء والصيف على سطح واحد, وهو أمر لم يكن مُتاحًا في عهد أوباما خصوصاً في الأزمة السورية, التي هي أكثر خطورة وحدّة واحتمالات لتوسّع دائرة الحرب فيها, لتغدو إقليمية وربما عالمية, ولم تلتقِ واشنطن وموسكو عند الحدود الدنيا لحل الأزمة أو تبريدها, بل سعت إدارة أوباما إلى «توريط» موسكو وإفشاء انخراطها فيها, مُذكِّرة إياها بالمستنقع الأفغاني. لكن موسكو كانت أكثر حكمة واتّزانًا وقراءة استراتيجية عميقة سبقت انخراطها المباشر في تلك الأزمة, والتي بفضلها (موسكو) نجت سوريا من مخطط التقسيم والتدوير والفدرلة والتشظّي, وهي مشاريع شيطانية عكفت عليها عواصم دولية وأخرى اقليمية (إقرأ تركيا) وثالثة عربية, ما تزال حتّى اللحظة ترفض الاعتراف بهزيمتها وفشل مشروعها الظلامي.
صعود حفتر إلى مقدمة المشهد الليبي متواصل, لكنّه ليس سهلاً عليه أو ميسّرًا, إذ ثمّة عقبات ما تزال أمامه, ليس أقلّها القوّة العسكرية التي تتوفر عليها ما تسمى قيادة «عملية البنيان المرصوص» في مصراته, التي يعتمد عليها فايز السرّاج لإبراز دوره وحكومته, التي لم تحصل على ثقة مجلس النوّاب المُنتخَب في طبرق, الذي يرأسه عقيلة صالح الداعم الابرز لحفتر, ناهيك عن الدور الذي ما يزال يلعبه مارتن كوبلر, رغم كل الانتقادات التي تُوجّه له من قِبل معظم الأطراف الليبية, وأيضاً الدور الحيوي الذي تنهض به الدول الاقليمية والاتحاد الاوروبي, بمن فيها دول الجوار الليبي الثلاث.. مصر, تونس والجزائر.
هل ينجح حفتر في جذب دول الجوار إلى جانبه, بعد أن ضَمِنَ دعم موسكو وربما واشنطن.. ترامب؟
الأيام ستخبرنا.
التعليقات مغلقة.