واقعيون

الخميس 9/2/2017 م ..

الأردن العربي – كتب عمر العساف ( خبرني ) …

أتذكرون في صغرنا كيف كنا نغافل آباءنا و”نَتَسَلْبَد” صباحا لنغزو جيب البنطال ونختلس “شِلْنا” أو “بريزة” أو عشرين قرشا؟ ويشتري بعضنا بها سجائر “فرط”.

المضحك أننا لم نكن نعلم أن الآباء كانوا يتعمدون وضع “الفراطة” في جيوبهم ليتسنى لنا اختلاسها، ولا نعلم أنهم يحسون بحركتنا وسطونا على جيوبهم، لكنهم “يغرشون” ويتظاهرون بالنوم.

نحن بدورنا الآن نلعب اللعبة ذاتها مع أبنائنا، مع فارق أن المبلغ المختلس أكبر قليلا؛ “ارباع ونْصاص” وفي أحيان “نيرات” قليلة. لكن الوضع يبقى تحت السيطرة طالما “السرقة الجميلة” تحت السيطرة.. وبعلمنا، وإن كنا نستغشِم بمزاجنا.

واقعيون نحن.. نعرف متطلباتهم اليومية الزائدة عن المصروف المخصص، فنترك لهم فسحة دون أن نفصح عما نُكِنّ.

واقعيون.. أكثر من الواقع ذاته.. واقعيون حدَّ الوجع، نرى “العَوَجَ” بأعيننا.. لكننا “نُغَطْرِش” كثيرا.. أتدرون لماذا؟ لأننا نخشى على البلد ونخاف عليه، ولأننا أعقل بكثير من حكوماتنا البلهاء التي تستغفلنا بطفولية نزقة وتظن أنها “فهلوية”.

نرى الواقع ونفهمه جيدا، نلاحظ التجاوزات، نعرف الفاسدين بالإسم، لسنا بحاجة لقانون “من أين لك هذا؟” لإثبات فسادهم، ونرى التعيينات بالواسطة لكل من هبّ ودبّ وتوريث المناصب، والعطاءات المخصصة، والمشاريع الوهمية، والتطاول على مال الشعب، والمزاودات وادعاء الشفافية والنزاهة.. ونتظاهر بأننا لا نرى.

واقعيون نحن ومغرقون في الواقع حتى نسينا الحلم..

لا يطالبْنا أحد بأن نكون واقعيين أكثر مما نحن عليه.. لأن مزيدا من الواقعية سوف…

دعونا نتحدث عن اللاواقعية.. عن الغرائبية.. عن العالم السوريالي الذي نعيشه..

أَنْ تُفصَّل قوانين للانتخاب لتخرج مجالس نيابية وبلدية على المقاس.. تبيعنا برخيص باسم الديمقراطية والمشاركة بالحكم.. وأن تقر قانونا لمنع الاحتكار فيما البلد محتكرة لبعض العيارين والشطار..

أَن تَنشأ هيئات وهيئات للرقابة ومكافحة الفساد وللنزاهة والشفافية والمحاسبة والمظالم.. فيزيد الظلم والفساد وتُنتهك النزاهة والشفافية ويزداد الفاسدون..

أَن تضع استراتيجية لحقوق الإنسان، وتنتهكها الدولة يوميا وتحجر على القضاء وتقوّض استقلاليته.. ويُحصَّن الفاسدون بينما الأحرار يزج بهم في السجون لقولهم للفساد “لا”..

أَن تنهار المنظومة التربوية والتعليمية ويستباح التعليم العام والعالي لتجار، حتى يصبح “العلم في عمان أزياء” كما قال “عرار”.. ويمرض أناس ولا يجدون تأمينا ولا علاجا.. وأجنحة طبية فندقية مفتوحة للمحاسيب..

أَن يُنعم الله علينا بالفوسفات والبوتاس والصخر الزيتي والسيليكون واليورانيوم والنحاس.. ولا نرى منها خيرا.. ثم يقال أن البلد فقير ومحدود الموارد..

أَن تَدخل البلدَ مليارات الدولارات منحا ومساعدات وتحويلات ولا نرى لها أثرا.. وتُعلَّق كل عواقب الفساد وآثاره التدميرية على مشجب “اللاجئين”.. ونغرق في مديونية بمليارات الدولارات..

أَن يُنادى ليلَ نهار بتمكين الشباب.. ويؤتى بمُستحثّات فاسدة عفا عليها الزمن.. وبتمكين المرأة ويؤتى بوزيرتين وكوتا نسائية “عن العين” لإظهارنا كدولة متمدنة..

أَن تشاركك الحكومة منزلك وسيارتك بضرائب ورسوم وجمارك فيما أجانب يُمنحون أراضيَ بأسعار شبه مجانية بحجة تشجيع الاستثمار..

أن تجد أردنيين “يمعَسون” حاويات القمامة بحثا عن طعام

أَن تباع المحروقات بأضعاف سعرها الحقيقي وترفع أسعارها فيما هي تنخفض عالميا، ورغم المنح النفطية، وعقود استيراد النفط تخصص لأشخاص وشركات وهمية.

أَن يغتالَ الصهاينة قاضيا أردنيا بدم بارد ويسجن مواطنٌ إرضاءً لدولة انتقدها، وتحتجز هذه الدولة قسرا مواطنا أردنيا لعام وأكثر.. ولا تجد مسؤولا في رأسه بقيةٌ من نخوة أو كرامة أوغيرة على الأردنيين..

أن.. وأن.. وأن..

واقعيون نحن في عالم غرائبي مُفجع.. واقعيون حتى وقعنا قاعاً..

بالمناسبة.. آباؤنا كانوا يتغافلون عن سرقاتنا الجميلة الصغيرة لجيوبهم طالما هي ضمن المعقول..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.