رمز القضية مرة أخرى / حمادة فراعنة

 

حمادة فراعنة ( الأردن ) السبت 11/2/2017 م …

قرأت مقالكم عن محمود درويش الخاص بتكريس ما يسمى أكاديميا ” كرسي محمود درويش ” ولإيضاح الحقيقة ارجو نشر المعلومة الكاملة عن هذا الموضوع كما يلي :

اقامت الفدرالية الفرنكوفونية بالتعاون مع قصر الثقافة في بروكسل، ومع جامعة بروكسل، وجامعة لوفان الكاثوليكية، يوما ثقافيا كاملا عن شعر محمود درويش وادبه المترجم الى اللغة الفرنسية، وذلك لاشهار هذا القرار بايجاد كرسي محمود درويش وجعلوا السيدة ليلى شهيد سفيرة فلسطين المتقاعدة رئيسا لهذا الكرسي .

والقى كل من مدير قصر الثقافة البلجيكي، والوزير الاول رئيس الفدرالية الفرنكوفونية ( بروكسل ووالونيا)،والسيدة ليلى شهيد، كلمات الافتتاح، ثم بدأ الحفل بحلقات ناقشت اهم جوانب شعر محمود درويش، كان اهمها تلك الحلقة التي اشترك فيها الياس صنبر ممثل فلسطين في اليونسكو ومترجم اشعار درويش الى الفرنسية، والروائي اللبناني الشهير الياس خوري، والشاعر فاروق مردم بيه، وصاحب دار نشر غليمار الباريسية ناشر اشعار درويش بالفرنسية، وغيرهم من اساتذة الادب العربي في جامعات فرنسية، وانتهى الحفل الذي بدأ في التاسعة والنصف صباحا بفيلم عن الشاعر الراحل، وفرقة غنائية فلسطينية، وامتد الحفل حتى العاشرة مساء .

واكتب لك هذا التوضيح لأنني كنت موجودا في هذا الحفل من البداية حتى النهاية ولانصاف الجامعة العريقة جامعة لوفان والفدرالية الفرنكوفونية، والحق يقال ان رئيسها السيد رودي دي موت هو من انصار القضية الفلسطينية، ولا ننسى ان هناك تمويلا من الشركاء للباحثين من طلبة الماجستير والدكتوراه، يقوم المشاركون بتقديم بعثات ومنح لدراسة واشهار شعر درويش، وهذا هو معنى كرسي محمود درويش اكاديميا .

وتقبل ايها الكاتب والصحفي المحترم اطيب التحيات، من أحد متابعيك المهندس كمال مصاروة، مهندس اردني متقاعد يقضي نصف وقته في الأردن، والنصف الاخر في بلجيكا بلده الثاني، ومن الحافظين لشعر درويش منذ بدايته حتى موته، رحمه الله .

****

كان خبراً جميلاً، وباعثاً على الفخر والاعتزاز، ما تناقلته الانباء عن قرار جامعة بروكسل، وهي احدى اعرق الجامعات الاوروبية، بإنشاء مقعد للدراسات الأكاديمية باسم الشاعر العربي الكبير، شاعر فلسطين محمود درويش، تقديراً لمكانته الوطنية والقومية والأممية واعترافاً بدوره المميز في إغناء التراث الإنساني، كمناضل من أجل الحرية بأفاقها الرحبة، الخالية من التعصب والعنصرية والكراهية.

محمود درويش كان صوت شعبه، المعبر عن ضميره، الهاجس بالحرية، صانع أبلغ معاني المقاومة وارقى اشكالها الناعمة، كفعل انساني نبيل، في مواجهة الظلم والاحتلال والعنصرية والفاشية، التي يمارسها المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بأبشع الصور، فنال بذلك كله منزلة رفيعة في وجدان شعبه، وحقق من خلال إبداعاته الشعرية، وقناعاته المبدئية، وجملته الشعرية التي لا تساوم، ورؤيته الانسانية الشفيفة، حضوراً عالمياً باذخاً، اسهم في جلاء الصورة الفلسطينية الفذة ببعدين:

أولهما : تقديم رواية شعبه ببلاغة نادرة، كشعب تعرض للظلم والاحتلال والعنصرية، سواء لمن هم مقيمون في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، او الرازحون تحت نير الاحتلال الثاني عام 1967، وأولئك الذين طُردوا وتشردوا خارج وطنهم من اللاجئين، هذه الرواية التي يتطلع اليها الفلسطينيون مثلهم مثل كل شعوب الأرض، نحو الحرية والكرامة والتقدم والتحرر من الاحتلال وتحقيق السلام العادل، من خلال المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني .

وثانيهما : تعرية زيف الرواية الصهيونية الإسرائيلية، دحضها اخلاقياً، وكشف مشروعها الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتحالفاتها مع الاستعمار والامبريالية، وعدائها للشعوب، وإزدرائها لحقوق الإنسان، وتعارضها مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية .

لذا كان جميلاً وباعثاً على الاعتزاز-كما قلنا- أن تُنشئ جامعة بروكسل البلجيكية مقعداً للدراسات باسم محمود درويش. فهذا يعني رفض الجامعة والقائمين عليها للرواية الاستعمارية الصهيونية، ويعني ايضاً تقدير هذا الصرح الاكاديمي لصدق الرواية الفلسطينية ولشرعيتها، واحترام توجهاتها وتطلعات شعبها ومتى ؟؟ في وقت تجتاح أوروبا بشكل عام وبلجيكا بشكل خاص، عمليات الارهاب و” فوبيا الإسلام والعروبة ” ما يدلل على عمق الفهم التقدمي الديمقراطي والإنساني لدى الأوروبيين ولدى أهل بلجيكا وقياداتها، وتفريقهم بين المسلمين والعرب كشعوب يتوسلون الندية والتعايش والكرامة والسلام مع الآخر، وبين المتطرفين الذين يمارسون الارهاب.

ذلك ان الارهاب ليس صفة من صفات شعوب العالم العربي والإسلامي، بل هو تطرف سياسي عابر للحدود والقوميات، يمارسه أفراد أو تنظيمات يتبعون الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، فقد سبق وأن عانت أوروبا من جرائم تنظيمات سياسيه يسارية متطرفة، مارست الارهاب قبل أن تتبدد وتتلاشى، وتلقى هزيمتها بالديمقراطية والأمن وتماسك الشعوب وحكم القانون..

ما قامت به جامعة بروكسل ليس تكريماً لقامة وقيمة محمود درويش فحسب، وانما تكريم للثقافة والابداع الفلسطيني ايضاً، فضلاً عن الاقرار الضمني بعدالة ومشروعية الكفاح الوطني الفلسطيني، من جانب مركز اشعاع اوروبي عريق لا يتعاطى السياسة بشكل مباشر، الا انه يومئ اليها بطرف العين، فهل لهذه البادرة البلجيكية أن تغري الجامعات والمعاهد الاكاديمية في العالم العربي بشيء مماثل، وان تُؤسس مقعداً أكاديمياً مشابهاً لشاعر فلسطين الكبير ورمزها الثقافي البارز، وامام مثقفيها ومبدعيها، محمود درويش .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.