إشتعال الحرب المرتقبة بين تركيا ومحور المقاومة / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي * ( سورية ) الأحد 22/2/2015 م …

*كاتب أكاديمي

من الواضح ليس هناك سياسة تركية واحدة تجاه دول المنطقة بل سياسات متعدّدة وذلك تبعاً لمصالحها، ولم يعد سراً على الإطلاق أن تركيا دعمت وأرسلت المسلّحين المتطرفين إلى سورية، بهدف إسقاط الرئيس الأسد ولتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية، ولم يكن ظهور تنظيم داعش بهذه القوة مفاجئاً، إنما يرجع تمكنه من السيطرة على معظم المناطق في سورية والعراق  إلى دعم الإستخبارات الغربية وحلفاؤها في المنطقة، فبعد تشكيل التحالف الدولي بقيادة أمريكا لمحاربة داعش، رفضت أنقرة المشاركة العسكرية في هذا التحالف، مفضلة إستخدامها كورقة ضغط لتحصل على المزيد من المكاسب، ورغم إقرار البرلمان التركي توسيع تفويض الجيش لشنّ عمليات عسكرية خارج الأراضي التركية، تمنّعت أنقرة عن المشاركة  في التحالف، واضعة شروطاً على مشاركتها،أهمها، إسقاط النظام السوري، وفرض منطقة عازلة وحظر جوي على الحدود السورية ـ التركية، بالمقابل لم تلقَ هذه الشروط تجاوباً لدى واشنطن التي أرادت إنضواء تركيا الكامل في التحالف من دون شروط، لذلك مضت تركيا في أجندتها الخاصة فيما يتعلق بدورها من الأزمة السورية.

اليوم تشهد الجبهة الشمالية في سورية معارك شرسة  بين الجيش السوري وحلفاؤه من جهة، والجماعات التكفيرية من جهة أخرى، إذ حقق الجيش السوري إنجازات ميدانية هامة، هذا الأمر دفع الجماعات المسلحة الى تبادل الإتهامات بالخيانة وتحمل مسؤولية الهزائم، وسط رفع الأصوات بالإستغاثة طلباً للمساعدة من الجماعات المسلحة الأخرى، وبعد عجزهم عن تقديم المساعدة بعد تساقط قرى عديدة في الريف الشمالي لحلب بأيدي القوات المسلحة السورية،  جاءت المساعدات عن طريق تركيا التي دفعت بخمسمئة مسلح، أنطلقوا عبر أراضيها  من خلال معبر باب السلامة، باتجاه مناطق العمليات الحربية، وهو ما سلط الضوء مجدداً على الدور التركي السلبي في الأزمة السورية، ويبدو إن التآمر التركي على سورية، لا يتوقف عند هذا الحد، فقد أعلنت واشنطن عبر المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي انه تم تحديد نحو ألف ومئتي مقاتل مما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة، لتدريبهم على مشاركة محتملة في برنامج يقوده الجيش الاميركي لمحاربة النظام السوري.

في سياق متصل أكدت معارك شمال حلب عن مواجهة مباشرة وغير مباشرة بين إيران وتركيا وفشل كل الإتصالات لتطبيع العلاقة بين الدولتين رغم محاولاتهما لترتيب الأمور بالحد الأدنى لكنها باءت بالفشل بسبب الملف السوري الذي أسقط كل محاولات التقارب في ظل موقف تركي صريح بإسقاط الرئيس الاسد ورفض أي حلول للأزمة السورية، وهذا ما يؤشر الى أن المعارك في سورية تتصاعد وستأخذ أشكالاً كبيرة من العنف، كما سيتوسع التوتر ليشمل العلاقات الروسية التركية بعد فشل كل الإتصالات الروسية لاقناع أنقرة بتليين موقفها من سورية، بالتالي إن التبدل التركي يعود لانزعاج أنقرة من التقارب الإيراني – المصري، والتقارب الأميركي – الإيراني وقرب الوصول الى إتفاق نووي، كما أن الأتراك وسعوا من نفوذهم في سورية في الفترة الأخيرة ودفعوا بمقاتلين الى درعا وريفي القنيطرة والجولان المحرر لتغيير موازين القوى والضغط على العاصمة دمشق.

هذه المحاولات التركية رد عليها الإيرانيون وحزب الله على الفور، ووجهوا رسائل حاسمة لتركيا عبر العملية العسكرية في ريفي القنيطرة ودرعا وإستتبعوها بريف حلب الشمالي حيث إنهارت مواقع المسلحين بشكل سريع، مما دفع تركيا الى التدخل المباشر، وإنطلاقاً من ذلك أكد اردوغان بأنه لن يسمح بإحداث تبدلات في ريف حلب الشماليي، كون تقدم الجيش السوري له منعكسات سلبية على تركيا ووجوده في السلطة، وبالتالي عمد الجيش التركي عبر إشراف مباشر من كبار ضباطه الى التدخل الفوري في معارك حلب وقاموا بالتشويش على الجيش السوري، وشاركت المدفعية التركية بعمليات القصف مع إدارة العمليات البرية وقد وصل اكثر من حوالي ألف مقاتل الى ريتان مدعومين بقصف شديد لا يملكه المسلحون.

لا شك أن العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري وحلفاؤه في محافظة حلب في الشمال هي بالغة الأهمية من حيث توقيتها، لاسيما أنها أتت بالتزامن مع المعارك الطاحنة التي تشنها القوات المسلحة في الجنوب، رغم إختلاف الأهداف بين الجبهتين، إلا أنها تؤكد على جهوزية الجيش السوري للتحرك على مختلف الأراضي السورية، وتدحض كل الأقاويل التي تتحدث عن إستنزافه بعد مضي سنوات على بدء الأزمة، أما الغاية من الهجوم الواسع النطاق في الشمال، فهو قطع الطريق بين محافطة حلب وتركيا، لا سيما بعد موافقة الحكومة السورية على طرح الموفد الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا تجميد القتال في “الشهباء”، لأن قطع طريق حلب – تركية، سيؤدي الى فصل المسلحين عن الأخيرة، وبالتالي قطع الإمداد عن المجموعات المسلحة المنتشرة في ريف حلب الشمالي والمدعومة من أنقرة، فتصبح مجرد بؤر مسلحة مقطعة الأوصال، كما يضع الجيش السوري الجبهة الجنوبية في سلم أولوياته لما لها من أبعاد إستراتيجية مهمة، أولها قطع طرق إمداد المسلحين، وثانيها إنهاك جبهة النصرة وشلها في درعا والقنيطرة، أما ثالثها، التضييق على التعاون الوثيق بين المسلحين والجيش الإسرائيلي وإستخباراته العسكرية، وإفشال المخطط الإسرائيلي بإقامة حزام أمني في الجولان وصولاً إلى شبعا بلبنان، فالهجوم الذي بدأه الجيش السوري لتعزيز مواقعه الدفاعية على المثلث الذي يربط محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق، عشرات الكيلومترات من الأراضي المحتلة بالقنيطرة إستطاع الجيش السوري تحريرها ليحقق تغييراً إستراتيجياً في موازين القوى الإقليمية، بالمقابل تراقب إسرائيل أبعاد هذه العملية الإستباقية بقلق شديد، خاصة وأنها أعلنت كثيراً بأنها لن تسمح بفتح جبهة الجنوب السوري، لكنها تجد نفسها اليوم أمام خيارين، إما أن تستعد لوجود مقاومة في الجولان، أو أن تعود إلى ما يعرف بقواعد كيسنجر عن فصل القوات في تلك المنطقة طبقاً إلى عام 1972، بالتالي فإن المعارك التي يخوضها الجيش السوري في الجبهة الجنوبية، يضع إسرائيل أمام مأزق التدخل المباشر أو قبول خسارة مراهناتها.

في إطار ما سبق يمكنني القول إنه تخيم على تركيا اليوم أجواء غير عادية مشحونة برائحة الحرب والبارود، أجواء إحتمال وقوع حرب مع كل من سورية وحزب الله وإيران، وقد لا يمر يوم دون أن تتصدر الصحف المختلفة أنباء عن إحتمال وقوع هذه الحرب، وخاصة بعد أن قررت دخول الحرب المعلنة في الظاهر ضد تنظيم داعش بتفويض برلماني يستهدف على وجه الخصوص حماية الجماعات التكفيرية وفي الوقت نفسه ضرب المتمردين الأكراد في الشمال السوري، وهنا يمكنني القول إن إرهاصات التوتر التركي – الإيراني بدأت بالظهور من النافذة السورية، مع حرص الطرفين على تفادي الصدام حفاظاً على مصلحة الطرفين، لكن إن تجاوز الأتراك التدخل السياسي والدعم العسكري والمذهبي واللوجيستي والمادي للمسلحين، فسيبادر الإيرانيون إلى تطبيق معاهدة الدفاع المشترك مع سورية، وضرب الجيش التركي، العضو في حلف الناتو، الذي ستُفتح له الأبواب للتدخل الخارجي خارج إطار مجلس الأمن بحجة مساعدة تركيا، وهذا ما سيشعل النار في كل المنطقة، لأن سقوط سورية هو الخطوة الأولى لإسقاط العراق، ثم إسقاط إيران، وصولاً إلى إسقاط روسيا والصين، ولذا فإن تركيا ستدفع ثمن تهورها وإندفاعها المشبوه في سورية، وسمعنا أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أعطى إيعازات للحرس الجمهوري بأن لا يبقى مكتوف الأيدي، ويتبع هذا  بأن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي في حال إندلعت حرب شاملة ضد سورية كونها الحليف الرئيسي للنظام السوري.

ومجملاً…إن تقدم الجيش السوري وحلفاؤه في الشمال والجنوب، شكّل ضربة قوية للدور التركي والإسرائيلي في سورية، فهذه المعركة حاسمة بالنسبة للمنطقة بأسرها، بدليل توحّد محور المقاومة في جبهة واحدة، وإشتراك مقاتلين من مختلف دول هذا المحور في هذه الحرب، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب إذاً، على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.