المرأة والعمل النقابي / د. آية عبدالله الأسمر

د. آية عبدالله الأسمر ( الأردن ) الإثنين 13/2/2017 م …

جاء في الحديث الصحيح «النساء شقائق الرجال»، وقد فسر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كلمة «شقائق»–استنادا إلى أصول اللغة طبعا- على أنهن مثيلات وأخوات للرجال، من هنا ودون أن نسوق عشرات الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، لندلل من خلالها على تكريم الإسلام للمرأة، وإقراره بإنسانيتها، واعترافه بوجودها وعقلانيتها، يمكننا أن نبدأ الحديث بعد أن تجاوزنا المرتكز الديني الذي نتكئ عليه دائما عندما نتجرأ على خوض نقاش ما يدور حول المرأة.

ولأن المناهج التربوية المدرسية والجامعية، وعلوم الأحياء والعلوم الطبّية، والدراسات والأبحاث العلمية القديمة منها والجديدة، لم تثبت حتى يومنا هذا أن المرأة تولد بجهاز عصبي مركزي مختل، أو بجهاز عصبي طرفي ناقص مقارنة مع الرجل، فإننا نخلص إلى القول أنه لا فارق بين الجنسين–من الناحية العلمية- في القدرات الفكرية والذهنية والاستيعابية والحركية والوظيفية، فلنتفق إذا على أن المنظار التمييزي الشوفيني الذي ينظر المجتمع من خلال عدسته المغبرة حد الاتساخ، والقديمة حد العطب، غير عادل في حكمه، وغير دقيق في نتيجته، وغير صالح عموما للاستناد عليه في أي عملية تقييمية، تتناول إنجازا أو إبداعا ما؛ ذلك أنه فقد أهم ركائزه الأساسية ألا وهي الحجة الدينية، والأساس العلمي.

من هذا المنطلق فإنني أتحدث إلى أبي وأخي وزوجي، وابني وزميلي وصديقي الرجل، ولا أنوي أن أجره إلى مبارزة عقيمة، حول من منا الأفضل أو الأحسن أو الأقوى أو الأجدر؛ لأننا إن كنا قد اتفقنا على أننا متساوون من الناحية الإنسانية فإننا متفقون أيضا على أننا لسنا متماثلين من ناحية التكوين البيولوجي، والهرموني والجنسي والنفسي والشكل الخارجي، وأصر هنا على الابتعاد عن أي صيغة تفضيلية بليدة وبلهاء ولا معنى لها، كل ما أحاول الحديث عنه وحوله هو ضرورة تمزيق أكفان بالية من الأفكار الهزيلة، والعتيقة عن دونية المرأة وضعفها، وضرورة قمعها وكبتها والاستبداد بها وقهرها، لكونها مهيضة الجناح، وناقصة عقل ودين، وضلعا أعوجا، وهشة ورقيقة، وبطلة أساطير الشرف والعار وعود ثقاب الكبريت!

في القرن الواحد والعشرين نتباهى بافتخار بالكثير من الجهود الحثيثة، و العديد من الإنجازات الحقيقية العظيمة التي حققتها المجتمعات البشرية بشكل عام، ومجتمعنا العربي على وجه الخصوص، عندما تحالف الرجل والمرأة، والوعي المستنير والفكر الجاد، والجهد والمثابرة، بين الأفراد والمؤسسات والحكومات في سبيل تكسير أصفاد الجاهلية الفكرية التي كبلتنا بها أصنام الفحولة المتعنتة، والرجولة المتسلطة، وآلهة الذكورة السادية، فاستطاعت المرأة تمزيق شرنقة الخوف والقهر والعجز، لتمتطي صهوة العلم والوعي والثقافة، وتعدو في ميادين العلوم والاقتصاد والأدب والسياسة والفن، وفتحت سجون الجهل والاستبداد أبوابها أمام آلاف السبايا، اللواتي تمكن من الفرار من أسر الأمية والعجز والظلم، والانعتاق من عبودية التخلف والقهر، لتتراشق مئات بل وآلاف الأسماء «النسوية» اللامعة والبراقة والمتميزة، في فضاء الإنجاز والإبداع السياسي والقيادي والأدبي والعلمي، فالمرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها.

على صعيد العمل التطوعي العام بشقيه السياسي والنقابي، مازلت المرأة تخوض مخاضا شاقا ومرهقا، من أجل إثبات الذات وتحقيق القدرة والكفاءة وتولي المسؤولية، وهذا يعود لأسباب مختلفة نذكر منها على سبيل المثال:

1- الوعي الجمعي لدى المجتمع -ذكوره وإناثه- بعدم قدرة المرأة على تحمل زمام المسؤولية، وعدم شرعية وقوفها في الصفوف الأولى، والإصرار المبطن بتعليبها في قالب يتم احتجازها فيه كتابع يُقاد، وطرف يُساق، ورهينة تّعلب.

2- النظرة المغلوطة تجاه قدرة المرأة على توليها مناصب قيادية، وحقها وأحقيتها بالتربع على عرش السلطة والقيادة، مما أدى إلى اتهامها بالاسترجال حينا، أو التخوّف من وصولها إلى تلك المواقع حينا آخر، أو عدم الاعتراف بها كمنافس أو كشريك بصورة جدية تؤخذ على محمل الجد أحيانا كثيرة أخرى، بالرغم من أنها تمكنت من إثبات عكس ذلك تماما في الكثير من المواقع المتنوعة، على صعيد مختلف الحضارات قديمها وحديثها على مستوى العالم.

3- التنشئة الاجتماعية التي ما زالت بقاياها عالقة في ثنايا ذاكرة ووعي المرأة، بأنها الحلقة الأضعف في السلسلة، وأنها الطرف الضعيف من المعادلة، مما شكل لدى بناتنا ونسائنا حالة من عدم الثقة بالنفس، وتشكيك في القدرات، وخوف بل ورهاب من التقدم لقيادة العمل السياسي أو النقابي أو الإصلاحي، مما دفعهن للاستكانة لمعطيات الظروف الراهنة، دون التجرؤ على خوض غمار التجربة.

4- هذا الإرث الهائل والبناء التراكمي المثقل بالمعيقات، أدى إلى ابتعاد المرأة عن ممارسة العمل العام، إما طواعية منها لعدم إيمانها بقدراتها، أو رغما عنها نتيجة الإقصاء والتهميش، مما أسفر عنه ضعفا حقيقيا في أدائها وأسلوبها، وافتقارها للتجربة بأدواتها العملية الفعلية، وحرمانها من الخبرة الميدانية التي تؤهلها لشق طريق طويل ومرهق، ومثقل بالمسؤوليات والتبعات غير القادرة هي على استيعابها، أو التعاطي معها بسبب أميتها في هذا الحقل.

5- حجم المسؤولية الضخم الملقى على عاتق المرأة خاصة في مرحلة الشباب، وخاصة إذا كانت هذه المرأة متزوجة وأما وعاملة، أدى إلى حرمانها من عامل الوقت الإضافي الكافي، للانخراط في العمل العام بشكل يمكنها من العطاء والإبداع والتميّز والتفوق.

إلا أنني مازلت مؤمنة تماما بأن ثقة المرأة بنفسها وبقدراتها، ودأبها على تطوير نفسها وإمكاناتها يذللان كل الصعاب، ويزبلان كل العراقيل والعقبات، لا تسأل عن الطريق، فالمسير يصنع الطريق!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.