الإخوان المسلمون جماعة أميركية! / محمد صلاح
محمد صلاح ( الثلاثاء ) 14/2/2017 م …
ليست مستغربة على الحملة المنظمة التي تتبناها جهات أميركية، بينها منظمات حقوقية ومراكز بحثية وصحف وقنوات تلفزيونية ومؤسسات إعلامية وشخصيات عامة غالبيتها تنتمي إلى الحزب الديموقراطي، أو أركان ورموز إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للضغط على الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترامب للحؤول دون صدور قرار يصف جماعة «الإخوان المسلمين» بأنها جماعة إرهابية، فالطبيعي أن يعترض «الإخوان» وأن يجيشوا رموزهم وأعضاءهم وآلتهم الإعلامية الضخمة من صحف وقنوات ومواقع إلكترونية لمنع صدور قرار كهذا، وأن تتعاطف مع الجماعة دول ما زالت ترعى رموزها وتؤوي الفارين منهم، وتنفق عليهم وتؤمن لهم ولأسرهم الوظائف والمشاريع والمعونات إما لأسباب مصالحية أو لقناعات فكرية أو انتمائية للجماعة. لكن مواقف الجهات الأميركية أمر آخر، فأن تخصص صحف أميركية كبرى صفحات وملاحق للتحذير من خطورة تلك القوة، وأن يجتهد عشرات الباحثين في مراكز أميركية لإعداد دراسات وأبحاث والخروج بنتائج تحذر من وصف «الإخوان» بالـ «جماعة إرهابية» وأن تتحول رموز من إدارة أوباما إلى ناشطين سياسيين معارضين ذلك الإجراء المتوقع، فإن الأمر هنا يتجاوز مجرد طرح وجهات النظر، أو النقاش حول موضوع عام، أو مسألة مهمة، ويصل إلى حد الدخول في مواجهة مع إدارة ترامب، كأن إثناءه عن القرار المحتمل هدف لا يمكن التراجع عنه، ومعركة وجود لا بد من الانتصار فيها.
اللافت هنا أن كل تلك الجهات هي ذاتها التي ظلت على مدى ثماني سنوات، هي عمر إدارة أوباما، تدفع في اتجاه تغيير الأنظمة العربية ومنح الإسلاميين الفرص للحكم، ودفعت برياح الربيع لتضرب استقرار العالم العربي لتدب فيه الفوضى، فينتهي الأمر بأن تسدد الشعوب العربية أثماناً باهظة من دون أن تحصل إلا على الدمار والفوضى. إنها الجهات التي حولت المنطقة العربية إلى كرة لهب تحرق كل من اقترب منها فاتسقت مواقفها الأخيرة مع أفعالها على مدى السنوات الماضية، إذ ارتبطت بجماعات مصالح وشخصيات «إخوانية» استطاعت اختراق إدارة أوباما بل التحكم في قراراتها، وظلت على مدى سنوات تمهد الطريق لـ «الإخوان» ليتسلقوا القطاعات الشعبية ويؤسسوا المراكز الإعلامية ويصعدوا سلالم السلطة بمزاعم ديموقراطية. المخطئ هنا من تصور أن وصول ترامب للسلطة كفيل بأن تكف هذه الجهات عن دعمها «الإخوان»، أو أن تغلق أبوابها وتبحث عن نشاط آخر فهي ما زالت تأمل بأن تهب شظايا الربيع العربي من جديد على المنطقة.
وفقاً لتقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» حول «الكارثة التي حلت بالعالم العربي»، فإن خسائر الوطن العربي بلغت 830 بليون دولار نتيجة ذلك الربيع، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسورية. والصحيفة ذاتها التي أشارت إلى مرحلة من التاريخ العربي وصفت «بعصر الانحطاط»، اعتبرت أن الانحطاط الذي يشهده الوطن العربي اليوم «غير مسبوق في التاريخ»، خصوصاً أنه «يحدث في عصر تحرز فيه الشعوب مزيداً من التقدم والارتقاء». بعدما أقرت بأن عملية تدمير الوطن العربي «ما زالت مستمرة».
العرب يحاربون العرب في اليمن ويدمرون البلاد، والعرب يحاربون العرب في سورية ويدمرون سورية، والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرون ليبيا، والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرون العراق. ومع أن الإرهابيين يشنون حربهم على الإنسانية باسم الإسلام، فإن 70 في المئة من ضحاياهم مسلمون.
جماعات المصالح الأميركية الداعمة «الإخوان» تتعامل معهم كأنهم جماعة أميركية وتقاتل من أجل عدم إدراج الجماعة كـ «تنظيم إرهابي» لأن الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء، وأي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق. بالتالي، فإنها تحتفظ بالأمل في استعادة الأدوار التي لعبتها من قبل وهي تعتقد أنه طالما بقيت الصراعات في الوطن العربي وما دامت الفوضى تضرب بعض دول المنطقة فإن الفرص ما زالت سانحة أمام «الإخوان» ليفوزوا بالسلطة في هذا البلد أو ذاك وبالتالي أن تعود كل تلك الجهات الأميركية إلى واجهة الأحداث مجدداً.
عموماً، فإن المؤكد أن ترامب وإدارته ورموز حكمه لديهم مواقف صارمة ضد «الإخوان» وإذا ما صدر القرار بتصنيف الجماعة «تنظيم إرهابي» فإنه سيؤثر بكل تأكيد في أوضاع «الإخوان» في أميركا وأوروبا وخارج الوطن العربي، لكن الأهم أن «الإخوان» تمّ تصنيفهم بالفعل في مصر ودول عربية أخرى، وما القرار الأميركي المتوقع إلا خطوة مكملة.
التعليقات مغلقة.