الفقراء بين تجار السياسة والدين والأزمات / د. محمد سيد احمد
د. محمد سيد احمد ( مصر ) الأربعاء 15/2/2017 م …
الفقراء وحدهم يدفعون الثمن فى بر مصر منذ رحل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 وحتى الآن, فقد كان الرجل وبحق ( قولاً وفعلاً ) زعيم الفقراء والمدافع عن قضاياهم والمنحاز لهم من خلال جملة سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, والتى شكلت مشروع اجتماعي له ملامح خاصة يمكن لكل ذو عينين سواء كان منصف أو غير منصف أن يقول أنه أكثر ميلا للفقراء وأكثر ميلا الى تحقيق العدالة الاجتماعية.
وبرحيل جمال عبد الناصر دخل الفقراء فى دوامة لم يتمكنوا من الخروج منها حتى اليوم, تلك الدوامة كان الفاعل فيها دائما مجموعة من التجار والمفعول به دائما هم الفقراء, وكانت البداية مع تجار السياسة الذين أعلنوا أن 99 % من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان, وهو ما يعنى أن مقدراتنا وقراراتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستقلة التى شكلت ملامح المشروع الناصرى لم تعد صالحة, وأننا على أبواب مرحلة جديدة تتميز بقدر كبير من التبعية, وهنا تصبح التربة خصبة لنمو كل ما هو ضار وغير نافع وتبرز الطفيليات وتتسلق السلم الاجتماعى, وبالفعل مع إعلان سياسات الانفتاح الاقتصادى وتبنى تجار السياسة للمشروع الرأسمالى الفاشي المنحط الذى ينحاز للشرائح والفئات والطبقات العليا على حساب الفقراء والكادحين بدأ الفقراء يدخلون فى دوامة المعاناة.
وفى نفس التوقيت الذى أعلن فيه تجار السياسة عن مشروعهم الجديد المنحاز ضد الفقراء, برز فى المشهد تجار الدين الذين عقدوا صفقة غير مشروعة مع تجار السياسة الذين سمحوا لهم بحرية الحركة داخل المجتمع لفرض مشروعهم الذى يتطابق الى حد كبير مع مشروع تجار السياسة فكل منهما يؤمن بآليات السوق التى تفرم الفقراء مع أن لكل منهما مبررات مختلفة فى عملية الفرم, تجار السياسة يقولون أن الليبرالية والرأسمالية لا تنظر الى هذه الأشياء ولا تعنيها ظروف الفقراء ومعاناتهم هى تسعى فقط لتعظيم الأرباح بعيدا عن أى أبعاد انسانية, وتجار الدين يستخدمون التراث الدينى فى غير موضعه ويتعاملون معه بانتقائية وانتهازية شديدة ويرون أن الله قد خلق الناس فوق بعض طبقات وبالتالى معاناة الفقراء هى إرادة المولى عز وجل وعليهم أن يقتنعوا بنصيبهم وإلا حلت عليهم لعنة الله وغضبه, وفى ظل هذه الأجواء يظهر تجار الأزمات الذين يستغلون ما يشيعه تجار السياسة وتجار الدين من أفكار لينمو ثرواتهم عبر مص دماء الفقراء أثناء عملية الفرم, حيث يستغلون كل الفرص المشروعة وغير المشروعة للمتاجرة بقوت الفقراء.
وظل تجار السياسة والدين والأزمات يتصدرون المشهد ويتلاعبون بأحلام الفقراء لما يقرب من أربعة عقود كاملة حتى هب الفقراء وخرجوا عن صمتهم وأعلنوا أنهم ليسوا خراف تساق الى المذبح ليتم ذبحها وسلخها وفرمها بواسطة هؤلاء التجار الثلاثة الذين يعملون بالوكالة لدى المشروع الرأسمالى الغربي الذى يتلون بأشكال مختلفة أخرها دعاوى العولمة وهى المرحلة الأكثر شراسة ووحشية لهذا المشروع الاستعمارى البغيض, فكانت ثورة 25 يناير التى رفع فيها الفقراء شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, وانتهت الثورة وعاد الثوار ( الفقراء ) الى بيوتهم ينتظرون تحقيق مطالبهم وأحلامهم بعد أن ظنوا أنهم قد أطاحوا بتجار السياسة المنبطحين للأمريكى والصهيونى من المشهد, لكن للأسف خاب ظنهم حيث قام المشروع الرأسمالى الغربي الذى يديره الأمريكى والصهيونى بالدفع بتجار الدين وكلائهم الجدد الى المشهد ليستمر مشروعهم كما هو وتتم عمليات فرم الفقراء ومص دمائهم.
ولم يتحمل الفقراء عملية الفرم الجديدة بواسطة تجار الدين, حيث قام تجار السياسة المخلوعين بإطلاق حلفائهم من تجار الأزمات ليصنعوا مزيد من المعاناة للفقراء, وهنا ثار الفقراء من جديد فى 30 يونيو وتم الإطاحة بتجار الدين من المشهد وتجددت أحلام الفقراء فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, لكن وللأسف الشديد عاد تجار السياسة بوجوه جديدة وأزياء مختلفة حيث قام الأمريكى والصهيونى بتقديم نصائح لوكلائهم الجدد, وكانت أهم هذه النصائح هى تقليم أظافر الفقراء قبل عمليات الفرم الجديدة وتأديبهم على ما قاموا به من ثورة ضدهم وضد مشروعهم, وأكبر عقاب يمكن أن يمارس ضدهم هو إطلاق تجار الأزمات عليهم لينهشوا لحمهم ويكسروا عظامهم قبل وضعهم فى المفرمة.
هذا هو حال الفقراء فى بر مصر حيث يقعون فريسة بين أنياب تجار السياسة والدين والأزمات الذين يعملون بالوكالة لدى المشروع الرأسمالى الغربي الذى يديره الأمريكى والصهيونى, وإذا أراد الفقراء الخلاص من بين أنياب هذه الوحوش المفترسة عليهم أن يدركوا أن ثورتهم القادمة لابد وأن تتجاوز تجار السياسة والدين والأزمات لتصل الى جوهر المشروع الرأسمالى الذى يعمل هؤلاء التجار وكلاء له, والبديل هو مشروع تنموى مستقل بعيدا عن مشروع التبعية, مشروع يعتمد على الذات فى الزراعة والصناعة والخدمات, بدلا من المنح والقروض واستيراد كل شيئ لدرجة أن بائع الذرة والبطاطا يحدثك اليوم عن سعر الدولار, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
التعليقات مغلقة.