الأردن بين كماشة الاقتصاد والسياسة ليكون الوطن البديل

 

د. عبد الحي زلوم ( الأربعاء ) 22/2/2017 م …

الأردن بين كماشة الاقتصاد والسياسة ليكون الوطن البديل

“ليس هناك أكثر عمى من اولئلك الذين لا يريدون أن يبصروا “

نشرت مجلة كيفونيم الاسرائيلية في فبراير لعام 1982 دراسة بعنوان ” استراتيجيات إسرائيل في الثمانينات ” قامت رابطة الخريجين العرب في الولايات المتحدة بنشرها بعد ان ترجمها للانجليزية استاذ الكيمياء العضوية الاسرائيلي شاحاك – وقمت بنشرها في كتابي أيضاً ( الربيع العربي: ثورة أم فوضى غير خلاقه؟) وملخص الدراسة أن الدول العربية وحدودها مصطنعة حددتها ظروف توازن القوى ما بعد الحرب العالمية الاولى، وأن تلك الدول تتصارع داخلها طوائف وقبائل وأقليات دينية وعرقية ومذهبية ، وان اسس تكوين هذه الدول لا يقوم على مبادئ ثابتة يجعل تفكيكها امراً ممكناً بل سهلاً ويمكن اعادة تركيبتها على اسس جديدة ، وتحويلها الى كيانات صغيرة تقوم على اسس طائفية أو عرقية . وهكذا تصبح اسرائيل الدولة اليهودية متجانسة مع الدويلات الناشئة على اسس مذهبية ودينية وعرقية – وان هذا هو النصر الحقيقي لاسرائيل لأن بقاء الدولة اليهودية لا يمكن استمراره بالقوة العسكرية وحدها .

كانت هذه الخطة مصحوبة بخارطة اسرائيل الكبرى والتي تضم فلسطين وشرق الاردن وشرق النيل وسيناء في مصر – واجزاء من سوريا والجزيرة العربية ( السعودية) الى غرب الفرات في العراق.

إن الفوضى غير الخلاقة في العالم العربي بعد الربيع العربي وتحويل دول سايكس بيكو الى دول فاشلة أو شبه فاشلة وإضعاف الاردن بين مطرقة الاقتصاد وسنديان السياسة هو جزء من هذا المخطط .

لم يقبل بن غوريون وضع حدود لدولته اليهودية وتركها بلا دستور .

يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف بهذا الشأن:

” لم يكن توسيع حدود إسرائيل مجرد حلم أخذ شكل الحديث العام لرجال السياسة، بل إن عدداً من الجنرالات ممن يؤمنون بهذه الفكرة عمدوا إلى طرحها للنقاش الفعلي والجاد، لدرجة أن الحديث دار حول ما الذي سينبغي على إسرائيل فعله بالضفة الغربية بعد احتلالها. كانت الخيارات المتاحة إما ضمها لإسرائيل أو إقامة دولة فلسطينية تحت السيطرة تخدم كمنطقة فاصلة… كان النقاش يدور بسرية وتكتم ولذلك لم يجد صدى في الشارع الإسرائيلي”. ومضي سيغيف للقول:” غير أن فكرة إسرائيل الكبرى لم تكن غائبة عن أعين وأذهان تلامذة المدارس ممن هضموها، من النظر إلى اللافتات والكتيبات التي كانت توزعها الكتائب التربوية التابعة للجيش الإسرائيلي في المدارس عام 1959 . كان بعض الكتيبات يتحدث عن دولة إسرائيل الممتدة من النيل إلى الفرات، بينما يظهر البعض الآخر خارطة إسرائيل التي تضم غزة وسيناء والضفة الغربية.”

كان اختيار العلم اليهودي معبراً عن ” اسرائيل الكبرى” حيث كان من خطين ( هما الفرات والنيل ونجمة داود في وسطهما) . لم يتم تحديد حدود ” اسرائيل” فحدودها حيث توصلها جيوشها ( او دبلوماسيتها وأجهزة مخابراتها وغباء أو عمالة جيرانها ) .

في الاسبوع الاول لتولي ليفي اشكول رئاسة الوزارة سنة 1963 طلب من قيادة الاركان أن تحدد الخطط لتعديل حدود اسرائيل في سوريا لضم الجولان ، وضم غرب النيل وسيناء– ولضم جنوب لبنان حتى الليطاني . كانت كل تلك الخطط جاهزة وفي الادراج قبل نهاية 1963 ، بل تم تعيين الجنرال حاييم هيرزوك قائداً عسكرياً للضفة الغربية قبل احتلالها بأربع سنوات – تعّرف خلالها على ادق تفاصيلها وتمّ وضع الهيكل التنظيمي والاداري لكيفية الحكم بإدق التفاصيل .

هدف اسرائيل الكبرى ما زال قائماً والاردن في اعلى اولويات الاستهداف.

يرجع حزب الليكود الحاكم اليوم برئاسة نتنياهو الى عقيدة فلاديمير جابوتنسكي الذي انفصل عن الحركة الصهيونية بعد موافقتها على فصل شرق الاردن في صك الانتداب البريطاني واسس حركة الصهيونية المتجددة ” Revisionist ” وقاتل بن غوريون سياسيا بل وعسكريا ووصفه بن غوريون مرةً بالفاشي واخرى بالنازي . شعار اصول حزب جابوتنسكي/ الليكود اليوم ” للاردن ضفتين هذه لنا ( اي فلسطين) وكذلك الاخرى ( اي شرق الاردن)” فهل ماتت هذه العقيدة ؟

يعتبر الصهاينة ان اتفاقية وادي عربة لترسيم الحدود الاردنية مع دولتهم هي ورق في ورق يسهل تمزيقه متى أوجدوا

الظروف الملائمة لهم لذلك . ألم تكن كل قرارات الامم المتحدة جزءاً مما يسمى بالشرعية الدولية والتي لم تقبل اسرائيل اياً منها سوى قرار تأسيسها ؟

قبل وادي عربة قال شارون – الاستاذ المعلم لنتنياهو – في 30/8/1982 :” الاردن هو الدولة الفلسطينية حيث أن 60% من السكان هناك فلسطينيون .”

وبعد وادي عربة قال اثناء حملة الانتخابات الاسرائيلية سنة 2001 للصحيفة الالمانية فوكس: “ايضاً شرق الاردن من ارض اسرائيل.”

بعدما خرج بنيامين نتنياهو كالطاووس من اجتماعه مع الرئيس الامريكي ترامب في 15/2/2017 قال وزير التعليم الاسرائيلي وزعيم حزب “البيت اليهودي:” إن علم فلسطين اُنزل اليوم ، وتم استبداله بعلم اسرائيل . للفلسطينيين دولتين ، الاولى في غزّة والثانية في الاردن ولا داعي لدولة ثالثة.”

اسقط ترامب حل الدولتين وبشر بحلف امريكي صهيوني (سُني) والله ورسوله والسنة والشيعة والعروبة والاسلام براء من هذا الافك. !

إن نظرة الى خريطة اسرائيل الكبرى كما جاءت في خطة 1982 يتبين أنها هي نفس خارطة حلف الصهاينة الأمريكان واليهود والعرب. قال نتنياهو في البيت الأبيض جهاراً نهاراً أن دول ( السُنه) العرب هم حلفاء إسرائيل ولم يصدر أي إستنكار من أحد!

إن تطابق خريطة اسرائيل الكبرى بالحلف المقترح الجديد ليس عفوياً كما ان الضغط الاقتصادي والسياسي على الاردن من الاشقاء الالداء قبل الاعداء ليس أمراً عفوياً . حوصر الاردن اقتصادياً عبر اغلاق حدوده مع العراق الشريك الاقتصادي الاكبر ، ومع الشمال – سوريا – ممره الى لبنان والعالم ، وتم تقنين المساعدات عنه وأثقلوا الشعب بالضرائب فوق طاقته ليخلقوا شرخاً بين الشعب ونظامه وليبقى اقتصاده على شفير الهاوية متى ارادوا له ذلك .. فهل الانتظار الى ان يقع (الفاس بالراس ) أو المبادرة بإحباط تلك المؤامرات والتي قد تكون مكلفة ولكنها أقل كلفة من الانتظار حتى الانتحار البطيء .

لعنة قبول احتلال المقدسات الاسلامية والارض التي بارك الله حولها ستطول كل من قبل أو ساهم أو اعترف بها .

سَيُذكر من ساهم او قبل في ديمومة الاحتلال لثالث الحرمين الشريفين والارض التي بارك الله حولها بلعنة من الله ورسوله والشعوب والتاريخ وسوف يُذكرون أنهم اُكلوا يوم اُكلت فلسطين – تماماً كما اصابت اللعنة أبو عبد الله محمد الثاني عشر آخر حكام المسلمين في الاندلس حين قالت له امه عائشة حين بكى وهو ينظر لاخر مرةً على مُلكه الضائع :” أبكي كالنساء على مُلك لم تحافظ عليه كالرجال .

وسيكون المطبعون أول الضحايا فليس للايمبراطوريات أصدقاء. بينما كان حلفاء الامبراطورية البريطانية العرب يقاتلون الدولة العثمانية إبـّان الحرب العالمية الأولى كانت حكومة صاحب الجلالة تخطط سراً لنظام ما بعد الحرب، نظام دويلات سايكس بيكلو.

حلفاء الامبراطورية الجديدة اليوم لن يكونوا أكثر حظاً من حلفاء الأمس، فاليوم ينتظر حلفاء الامبراطورية الجديدة العرب خريطة طريق لتكون نواة لدولة إسرائيل الكبرى .

ليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يـُوارى به جثمان شاه إيران. ثم أين هو سوهارتو؟ وأمـّا مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما. ثم أصبح السجين رقم 41586 في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا. وهذا ما لا نتمناه لاي عربي أو مسلم .

“نظام ما بعد الغرب” .

في 18/2/2017 قال وزير الخارجية الروسي أن على العالم ان يخرج من نظام الهيمنة الغربية الى نظام اسماه (نظام ما بعد الغرب). ما يتفق عليه اي عاقل أن الغرب عاث في الارض فساداً في القرون الماضية من تجارة العبيد الى العبودية عبر الاستعمار قديمه وعولمته الحديثة ونهبه لثروات الشعوب وشن حروب الابادة ضد من يقف للدفاع عن مصالحه. فهل الخروج من النظام الغربي ممكن ؟ وهل هو ضرورة ؟

روسيا في ايام يلتسن كانت شبه مستعمرةً امريكية تمّ نهب ثرواتها العامة التي كونها الشعب خلال 70 سنة فأستولى عليها عشرةٌ من المليارديرات واغلبهم من اليهود والذين تواطئوا مع اباطرة النظام المالي العالمي من بني جنسهم بحيث استحوذ هؤلاء العشرة على نصف الاقتصاد الروسي لدرجة ان عجزت الدولة عن دفع رواتب الجنود والمتقاعدين على تفاهة مبالغهما.

وجدت روسيا أن الخروج من عباءة الغرب هي طريق السلامة ووجدت معها دول البريكس الامر نفسه وهي تحاول الانعتاق من ذلك النظام الناهب لثروات العالم والذي يمارس اقذر ممارسات ارهاب الدولة تحت غطاء اقدس الشعارات . كما تخرج الصين اليوم ايضاً من عباءة ذلك النظام الظالم . وبدأت بعمل المؤسسات البديلة لامثال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي … الخ مما يثير حافظة الدولة العميقة في الولايات المتحدة التي ترى في هذه الحركات تناقضاً مع طيف هيمنتها الكامل العالمي.

خرجت لبنان عن نظام الغرب وذلك بإتحاد سُنيّها وشيعيها ومسيحيها ودروزها في بوتقة ديمقراطية ليست مثالية وامتلكت ارادتها حتى ضد كلب الحراسة الامريكي ( الكيان الاسرائيلي). ولنقرأ ما قال رئيس لبنان على عدوانية رسالة الكيان الاسرائيلي في 18/2/2017 والذي لا يستطيع رؤساء دول اضعاف حجم لبنان أن يقول مثله وجاء فيه : ” الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تمارس سياستها العدوانية ضد بلدنا من دون رادع، قد ولى إلى غير رجعة، وأي محاولة إسرائيلية للنيل من السيادة اللبنانية أو تعريض اللبنانيين للخطر ستجد الرد المناسب”

إن مثل هذا التلاحم بين الحاكم والمحكوم في الاردن سيمكنه من افشال مشروع الوطن البديل وإن الخروج من عباءة الهيمنة والاستعمار القديم والجديد في عولمته وادواته مثل صندوق النقد الدولي الذي يوصي دوماً بوصايا تزيد الشعب فقراً لتزيد الهوة بين الحاكم والمحكوم ليتمكن الغرب وكلب حراسته لابقاء الدولة ضعيفة وعلى حافة الافلاس لتفقد سيادتها الاقتصادية والسياسية . إن ذلك هو الانتحار البطيء ولعل تغيير المسار قد يصاحبه كلفة الا ان البقاء على نفس الطريق ستكون كلفته اعلى وعلى الشعب أن يتعلم أن الغوغائية كما في الربيع العربي قد تغير رئيساً أو رأس دولة لكنها لا تغير النظام . وعلى رأس الأنظمة أن يعلموا أنهم سيكونوا كبش الفداء وأذا لم تصدقوني فأسألوا حسني مبارك أو شاه إيران أو سوهارتو. . وعلى الشعب في الاردن من شرق النهر أو غربه أو شمال القطر أو جنوبه أن لا يمس بالوحدة الوطنية وأن حبل نجاة الحاكم والمحكوم هو في وحدتهم لافشال مشروع الوطن البديل.

آمل الا يكون أحد منّا شعوباً وحكومات كمن وصفهم الله في كتابه الكريم :

“لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ “

مستشار ومؤلف وباحث.

راي اليوم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.