شبكات التجسّس الإسرائيلية تغطّي الوطن العربي ! فأين شبكات تجسّسنا فيها ؟

 

كاظم الناصر ( فلسطين ) السبت 25/2/2017 م …

شبكات التجسّس الإسرائيلية تغطّي الوطن العربي ! فأين شبكات تجسّسنا فيها ؟ …

عالم الجاسوسيّة والجواسيس قديم جدا . التاريخ يقول إنه تمّ إنشاء أوّل جهاز تجسّس رسمي في عهد الفراعنة منذ ما يزيد على 4000 عام ، ولكن التجسّس أصبح الآن بشقّيه الداخلي والخارجي جزء من النظام السياسي لكل دولة من دول العالم الحديث . أجهزة المخابرات ، كما تسمّى في معظم دول العالم ، هي التي تتولّى عمليّة التجسّس في داخل الدولة وخارجهالتحمي المواطن ، والأمن الداخلي ، وتحارب الجريمة بكل أنواعها ، وتكشف المجرمين الذين يتجاوزون القوانين وتقدّمهم للمحاكم ليعاقبوا على جرائمهم ، وتعمل في الخارج لتجمع معلومات تستخدمها فيحماية دولتها ، وفي مواجهة الأعداء الذين تتجسّس عليهم .

عالم الجواسيس سرّي ومتشعّب الأسباب والأهداف . إنّه عالم الرجال والنساء المجهولين الأذكياء الذين يعملون بصمت وبعيدا عن الأضواء للقيام بمهام معقّدة وخطيرة لا تعرف الممنوعات والمحرّماتوالأخلاق . ولهذا فإنه عالم متوحش ، لا يؤمن بدين ، ولا يعرف العواطف النبيلة، ولا يهتم بالقيم والأخلاق والأعراف ، ولا يرحم ، ولا يباليبالمشاعر الإنسانية ، ويقوم عل القتل والكتمان والذكاء وسرعة التصرّف ، ويستخدم المال والنساء والتضليل والكذب في الوصول إلى أهدافه .

إسرائيل تولي إهتماما خاصّا للتجسّس على الشعب الفلسطيني والدول والشعوب العربية . لقد تمّ تأسيس أجهزة إستخباراتها المكوّنة من جهاز الأمن الداخلي ” شاباك ” ، وجهاز الإستخبارات والمهمّات الخاصّة ” موساد ” ، وشعبة الإستخبارات العسكرية ” أمان ” ، بعد قيام الدولة الصهيونية عام 1948 . كل هذه الأجهزة مهمّة جدا في حماية إسرائيل ، لكن الموساد هو الأكثر نشاطا وأهميّة وتغلغلا في العالم العربي والعالم.

جهاز الموساد مكلّف بجمع المعلومات والدراسات الإستخباريّة وتنفيذ العمليات السرية خارج حدود إسرائيل . إنه يتواجد في كل سفاراتها ، ويعمل بصفته مؤسّسة رسميّة بتوجيهات من قادتهامع مراعاة الكتمان والسرية في أداء عمله ، وتقع على عاتقه العديد من المهام التي تندرّج ضمن مجالات متنوّعة كالعلاقات السرية مع أطراف خارجية ، والمفقودين ، وعمليّات الإغتيال . كذلك فإنه مسؤول عن شبكات التجسس في كافة الأقطار الخارجية وجمع المعلومات بصورة سرّية عنها ، وإحباط تطوير الأسلحة من قبل الدول المعادية ، وإحباط النشاطات التخريبيّة التي تستهدف مصالح إسرائيل واليهود بصورة عامة ، وتهجير اليهود من دول أخرى إليها ، والحصول على معلومات لتنفيذ عمليات خارجها .

لقد تغلغل ” الموساد ” في العالم العربي ، وإخترق كل الحواجز للحصول على معلومات مهمّة جدا عن قادة دولنا ، وجيوشنا ، واقتصادنا ، وأسلحتنا ، وخططنا ضد إسرائيل ، ومكوّنات مجتمعاتنا ، وديننا ، وخلافاتنا السريّة والعلنيّة وكل شيء يتعلق بحياتنالمعرفة إنساننا ، وما يجري في أوطاننا لإستخدامه في إضعافنا وزعزعة استقرارناومحاربتنا عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا .

الوطن العربي مغطّى بشبكات التجسّس الإسرائيلية . لقد أثبتت تلك التي تم اكتشافها سابقا وحديثا في مصر ولبنان والأردن وسورية والعراق ومعظم الدول العربية ، أن إسرائيل تغلغلت في مفاصل دولنا ، وانها تعرف عنا أكثر ممّا نعرف عن أنفسنا ، وإن عملاء الموساد يحصلون على معلومات تلعب دورا هاما في توجيه الأحداث بمنطقتنا . إن جاسوسيّتها في الوطن العربي لا تميّز بين الدول التي أبرمت وتلك التي لم تبرم معها إتفاقات سلام لأنها تستهدف أوّلا وأخيرا الأمن القومي العربي سياسيّا ،واقتصاديّا ، وعسكريّا ، واجتماعيّا ، وتعمل على مدار الساعة على جمع المعلومات التي تساعدها في خلق المشاكل والفتن الداخلية كي تستفيد منها في شرذمةوطننا ، وهزيمة شعوبه ، وحماية نفسها .

فقد ذكرت صحيفة الوطن العربي بتاريخ 14- 2- 2017 أن ” الموساد ” إغتالت العديد من العلماء والمفكّرين العرب ” خنقا ، وحرقا ، وقتلا بالرصاص ، وبقنابللاصقة ومغناطيسية ، وتفجيرات عن بعد ، وحوادث مرور سيارات مفتعلة ” . ومن ضمن من إغتالتهم أجهزة الموساد : 1- د. يحيى المشد عالم ذرة مصري كان يعمل في البرنامج النووي العراقي ، 2- د. جمال حمدان مؤرخ مصري ، 3- د. سمير نجيب عالم ذرة مصري ، 4- د. سلوى حبيب قتلت بسبب كتابها ” التغلغل الصهيوني في إفريقيا ” 5- د. رمال حسن رمال عالم فيزياء لبناني 6- د. نبيل فليفل عالم طبيعة نووية فلسطيني ، 7- د. إبراهيم الظاهر عالم ذرة عراقي ، 9- د. جاسم الذهبي عميد كلية الإدارة والإقتصاد في جامعة بغداد ، 10 د. محمد الزواري التونسي الذي كان يساعد كتائب عز الدين القسام في تصنيع طائرات بدون طيار .

لقد تمكّن الموساد من إقامة شبكات تجسّس خطيرة غطّت جميع الدول العربية وكان من أخطرها شبكة التجسس الأردنية التي ضمّت 59 جاسوسا وتم إكتشافها عام 1962 وعملت ما بين أعوام 1948—1962 ، والشبكة المصرية المعروفة ” بفضيحة لا فون ” عام 1954 التي أدّى إكتشافها إلى إستقالة رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون ، والشبكة العراقية التي استخدمت عراقيين وإيرانيين يهود ، وشبكة ” إلياهو كوهين ” التي عملت لسنوات عدة في سوريا تمكن خلالها رئيسها كوهين من إقامة علاقات مع قادة البلد ومن ضمنهم أمين الحافظ رئيس الجمهورية في ذلك الوقت ، وعدة شبكات تجسس موساديّة أخرى إكتشفت في مصر ولبنان وفلسطين والمغرب وحديثا في الجزائر .

إن أحدث دليل على نجاح الجاسوسية الإسرائيلية كان إكتشاف شبكتها في الجزائر في شهر يتاير الماضي من هذا العام 2017 . فقد افادت وكالات الأنباء أن الأمن الجزائري فكّك شبكة تجسّس دولية تعمل لصالح إسرلئيل تتكوّن من 10 أشخاص يحملون جنسيات ليبيا ، مالي ،إثيوبيا ،غانا ، نيجيريا ، وكينيا .إن نجاح أجهزة الموساد في إستقطاب وتجنيد جواسيس من ست دول إفريقية دليل قاطع على مهنيّتها في عملها ،وإختراقهالدول عربية وغير عربية لتحقيق أهدافها التجسّسية .

والسؤال هنا هو ماذا فعلت المخابرات العربية ضدّ إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 ؟ لم نسمع أنها نجحت في تجنيد جواسيس يهود أو غير يهود يقيمون في داخل إسرائيل أو في خارجها . ولم تكتشف إسرائيل طيلة تاريخها وجود شبكات تجسّس عربية فوق أراضيها إلا في حالات محدودة جدّا ، ولم نسمع أنها ألقت القبض على جواسيس من الدول العربية التي وقّعت معها إتفاقيات سلام أو التي لم توقع ، أو من الدول الإسلامية المتعدّدة التي إعترفت بها وتقيم معها علاقات ديبلوماسية .

إسرائيل نجحت نجاحا كبيرا في التجسس لأنها تختار جواسيسها والعاملين في مخابراتها بعناية فائقة . أنها تستقطب أفضل العقول ، وتختار الشباب والشابات الذين حصلوا على تعليم جامعي ، ويتقنون التحدّث بالعربيّة ولغات أجنبية أخرى ، وتخضعهم لمدّة لا تقل عن سنتين لبرامج مكثّفة في فنون التجسّس وتقنيته ، وعلوم النفس والإجتماع والتاريخ والثقافات قبل أن يبدأون عملهم التجسّسي .

وفي المقابل فإن الدول العربية تختار جواسيسها على أسس لا علاقة لها بعلم وأساليب الجاسوسيّة الحديثة . إنها تختار شبابامن أبناء القبائل والعوائل المنتفعة من النظام والموالية له ، أو عن طريق الواسطة والمحسوبيّة والرشوة . أضف إلى هذا أن معظمهم لم يحصل على شهادة الثانوية العامّة ، ومعرفتهم بالثقافات الأخرى محدودة جداّ ، ولا يستطيعون التحدّث بلغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والعبرية وغيرها من الّلغات التي تساعدهم على التغلغل في بيئات إجتماعية أخرى بقصد التجسّي .

أجهزة المخابرات في كلّ قطر عربي هي من أقوى وأهم الأجهزة وأكثرها نشاطا ، ولها إمتيازات ماليّة كبيرة ، واتّصالات .. مباشرة مع رأس الدولة .. ، وإن معظم كبار رجال الدولة كانوا عملاء مخابرات سابقين . إنها …. تعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء …. ، وتنشر الرعب بين المواطنين ، وتتصرّف بحرّية كما يحلو لها وبمباركة ” ولي الأمر” ودعمه المطلق لممارساتها التجسّسية.

كل دولة عربية توّظّف جيشا من الجواسيس … ليس للتجسّس على أعدائها وفي مقدّمتهم إسرائيل … ولكن للتجسّس على الشعب …! المخابرات العربية وجدت لحماية الحاكم ونظامه من الشعب وليس لحماية الشعب والوطن من الأعداء . عشرات آلاف الشرفاء من مثقفين ، وحزبيين ، ومعارضين راقبتهم المخارات العربية واستدعتهم للتحقيق ،وسجنت كثيرين منهم لسنين طويلة ، واذاقتهم أبشع أنواع الإهانة والعذاب ، وشوّهت سمعتهم ، وخرّبت بيوتهم ، وقتلت العديد منهم خدمة للحاكم ونظامه الإستبدادي .

مخابراتنا شريكة للحاكم في ظلم الشعب وحماية الإستبداد والفساد . إنها لم تنجح في إختراق جهاز مخابرات أي دولة معادية ، وفشلت في مواجهة الموساد الذي قام بالكثير من عمليات الإغتيال لقادة سياسيين وعلماء ومثقفين فلسطينيين وعرب في عدة أقطار عربية دون أن تتمكن أجهزة مخابراتها من القبض على جاسوس إسرائيلي واحد من الذين نفذوا تلك العمليات ، ولم تنجح في تكوين شبكة تجسس عربية واحدة كبيرة ومؤثرة في إسرائيل منذ قيامها .

المواطن العربي يعتبر أجهزة المخابرات في وطنهعدوّة له ، ويحاول تجنّبها بإستمرار . إنه يخاف منها حتى عندما يذهب إلى مكاتبها ليحصل على شهادة حسن سلوك ، أو ليصدّق معاملة أو ورقة شخصيّة تافهة. إنه يهتف ويصفّق ويثتي على إنجازات وسياسات وحكمة “ولي الأمر ” كذبا ونفاقا وخوفا من بطش مخابراته ،وليس لأنّه يحترمه أو يؤيّد حكمه الإستبدادي الفاسد !

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.