الوفاء للشهداء والأسرى… وموقفان
د. فايز رشيد* ( الأردن ) الأحد 5/3/2017 م …
الوفاء للشهداء والأسرى… وموقفان …
*د. فايز رشيد كاتب فلسطيني …
لعل القاسم المشترك بين كافة التنظيمات الفلسطينية هو الوفاء للشهداء والأسرى الفلسطينيين. الوفاء يتخذ مجموعة من الأشكال وليس واحدا منها فقط. تأمين العيش الكريم لعائلاتهم بما في ذلك, طبابة كل أفراد العائلة, وكافة القضايا الحياتية الأخرى. وأيضا إلى جانب كل ذلك, الحفاظ على الأهداف السياسية الاستجراتيجية التي استشهدوا واعتقلوا وحكموا من أجلها. من أجل هذه المقالة, راجعت كل الأدبيات المتعلقة بانطلاقة كافة الفصائل الوطنية الفلسطينية, بيمينها ويسارها. كلها ثبّتت أن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر هو السبب الرئيس التي انطلقت من أجله. بالنسبة للحل الاستراتيجي, فإن غالبيتها وصلت إلى تصور, الدولة الديموقراطية العلمانية الواحدة, التي يعيش فيها الجميع على قدر المساواة. ثم أتت بعد ذلك المساومات والضغوطات لتقزيم الهدف الاستراتيجي إلى القبول بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967, ومع سياسة الأمر الواقع, التي تفرضها دولة الاحتلال الإسرائيلي, بدأ حتى حل الدولة على أراضي 67 يتقزم تدريجيا.
قلت ما سبق, رغم ما قد يبدو أنه ابتعاد عن عنوان المقالة, لا لاستعراض هذه التفاصيل المعروفة جيدا لكل فلسطيني وعربي ومهتم بنضالنا الوطني, ولكن لأؤكد على أن شهداءنا استشهدوا في سبيل تحرير الوطن الفلسطيني بحدوده المعروفة منذ الأزل, كما ضحى أسرانا بحريتهم, من أجل هذا الهدف النبيل, هذا أولا. ثانيا, بالتالي, فإن الحفاظ على هذا الهدف التحريري لكل الأرض, هو بحد ذاته محافظة على دماء شهداء ثورتنا وشعبا. بمعنى آخر فإن تقزيم أهداف الثورة الفلسطينية, هو عدم محافظة (بل الأدق قولا خيانة – بقصد أو بغير قصد) لأرواح الشهداء وتضحيات الأسرى.
ومن دون غضب من أحد, وأنا لا أستهدف جهة أو تنظيما ما! إن بعض تنظيمات الثورة في تكويعها السياسي, لا تحافظ على دماء شهداء شعبنا ولا على أسرانا(رغم عدم تقصيرها في إعطاء عائلاتهم شهريا المخصصات المالية المقررة). نعم, وبغض النظر عن صعوبة المرحلة السياسية الرديئة, التي يمر بها المشروع الوطني الفلسطيني, فإن من يحافظ على الهدف, فاقتنع ودخل, وتنفست الصعداء, أوردت الحادثة لأحمل القارئ على الاستنتاج لما سأقوله تاليا, لكن بعد إيراد الحادثة الثانية وهي مع قائد حيّ وموجود, أطال الله في عمره. استراتيجي في تحرير كامل التراب الفلسطيني, والذي يبدو أن القابض عليه كالقابض على الجمر, فإنما يحافظ على الوفاء لدماء الشهداء وتضحيات الأسرى. في الثورة الفلسطينية هناك تنظيمات أولويتها المالية الأولى قبل كافة الأوليات الأخرى, هي الانتظام الأكيد في دفع التزاماتها المالية تجاه عائلات الشهداء والأسرى.
بالنسبة للموقفين اللذين جاء ذكرهما في عنوان المقالة, كنت شاهدا عليهما, في أواسط تسعينيات القرن الماضي, طلب مني (بل ألحَّ)أحد مندوبي الفضائيات العربية القليلة آنذاك, إجراء مقابلة مع نائب الأمين العام للجبهة الشعبية حينها, الشهيد أبو علي مصطفى عند حضوره إلى عمّان. وفعلا حضر أبو علي, وأخبرته عن إلحاح المندوب في الطلب. هاتفت معد البرنامج لأزف إليه البشرى, واتفقنا على يوم قريب للتسجيل. ذهبت بصحبة أبو علي, وبُعيد ترحيب المندوب الحار به, فإذا بالشهيد يطلب مني الدخول معه لإجراء المقابلة, بالطبع رفضت, وأصرّ من جانبه, إلى أن هددت بالخروج من المكتب.
الموقف الثاني, كان لنائب الأمين العام الحالي للجبهة الشعبية (معروف أن الأمين العام, الدمث والقائد المفكر أحمد سعدات معتقل في سجون العدو الصهيوني ومحكوم مدة 30 عاما). كان ذلك منذ سنوات, كان مقررا سفري لدمشق, طلب مني تقديم الوصول يوما, بسبب رغبته في مشاركتي إياه في برنامج سياسي للتلفزيون السوري, وفعلا, هذا ما حصل. ما أود تأكيده, أن قادة تنظيم بهذا التواضع وهذا الإحساس بشعورهم تجاه رفاقهم, لا التنظيم الذي يقودونه ولا هؤلاء القادة يمكنهم أن التقصير ولو للحظة تجاه وفائهم لعائلات شهداء وأسرى جبهتهم.
التعليقات مغلقة.