أوسلو ليست قدراً …

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الأحد 5/3/2017 م …

أوسلو ليست قدراً

منذ توقيع اتفاقيت أوسلو وما انبثق عنها من تفاهمات قبل ما يقارب ربع قرن من الزمان ومسلسل التنازل والتراجع في العمل الفلسطيني مستمر حيث وصل الأمر إلى نقطة تكاد فيها منظمة التحرير الفلسطينية أن تتبخر وتذوب في سلطة يقال عنها ” وطنية فلسطينية” ، سلطة ارتضت بأن تعمل على تسيير شؤون الفلسطينيين في الأراضي التي احتلت عام 1967 دون تسييرها أو تحكمها في الأراضي ، فالأراضي تم تقسيمها بموافقة المنظمة / السلطة إلى مناطق ثلاث ( أ ، ب ، ج ) وتقع غالبية الأراضي في القسم ج الذي يشكل 61 % من أراضي الضفة الغربية وحيث الاستيطان يرتع ويتضخم ويتسرطن دون رادع ، كل ذلك بالإضافة للقيود التي فرضها الاحتلال على السلطة ” بالتراضي” إذ أصبحت تلك السلطة بمثابة شرطي يحمي ويحرس الاحتلال من خلال ما يسمى ” بالتنسيق الأمني ” والذي منعت من خلاله تلك السلطة اي عمل مقاوم ” ارهابي ” ضد الاحتلال .

ومما يجدر ذكره بأن كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قد ساهمت فيما وصل إليه الحال من تردٍ وتراخٍ في النضال الفلسطيني وما وصل إليه الأمر من استسلام تم تبنيه باسم السلطة الوطنية الفلسطينية تحت مظلة ” الممثل الشرعي والوحيد ” للشعب الفلسطيني ” منظمة التحرير الفلسطينية ” جيث لم يبق من المنظمة إلا ذلك الاسم وذلك التمثيل الحصري والوحيد المتباهى به كعنوان تمرر من خلاله كل صفقات الاستسلام والتنازل بعد أن تم التخلي عن الميثاق الوطني الفلسطيني وبعد أن تم التنازل بالاعتراف والإقرار عن 78 % من أراضي فلسطين التاريخية واعتماد المفاوضات والاستسلام طريقاً وحيداً ” للتحرير ” !! بما ينافي منطلقات المنظمة وأسباب تأسيسها .

ومع كل ذلك فقد توقفت ما تسمى بفصائل اليسار الفلسطيني ومعهم الرافضين لنهج أوسلو خلف موقف الرفض النظري لسياسات السلطة الفلسطينية بمفاوضاتها العثية والتي اتخذت من اتفاقية أوسلو نهجاً وطريقاً للتحرير من أجل إعلان دولة فلسطينية موهومة على بعض من فتات أرض فلسطين ، في الوقت الذي لم تحاول فيه كافة الفصائل اليسارية والمعارضة من تأطير الموقف النظري المعارض والرافض الى برامج وادوات يمكن ترجمتها على أرض الواقع بما يعزز ويرقى بالنضال الوطني الفلسطيني وبما يتفق وطموحات الشعب الفلسطيني والخروج من دوامة وقيود أوسلو ، بل ارتضت فصائل اليسار أن تنضوي تحت جناح السلطة وارتضت فصائل معارضة أخرى بخوض الانتخابات على قاعدة أوسلو وكأن اوسلو هي القاعدة التي لا مناص منها ولا وسيلة للخروج من ظلها مع ما تقدمه من امتيازات ورواتب ومناصب لم تحلم بها تلك الفصائل عبر تاريخها فاختلفت برامج النضال الحقيقي إلى خطب جوفاء لا تعبر عن شعب ولا تحرر ولو حتى شبر واحد من ارض فلسطين .

لقد تناست فصائل اليسار ومعارضي أوسلو تاريخ النضال الفلسطيني منذ عام 1917 وكأن شعب فلسطين لا يملك تاريخاً نضالياً يعتد به وكأن هذا الشعب لم يقدم الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى ، ألا تتذكر قوى وفصائل اليسار ومعارضي أوسلو محاولات تصفية النضال الفلسطيني وكيف تم اسقاط روابط القرى بعد عام 1967 حين كانت المنظمة ما فيها تلك الفصائل معبرة عن نبض وروح الشعب الفلسطيني ، ألم يتم الوصول إلى اوسلو تسلقاً على انتفاضة الشعب الفلسطيني المجيدة حين تم تجيير كل تلك النضالات لمصلحة قيادة ارتضت بالهوان سبيلا وبالامتيازات طريقاً بديلاً عن حرية الشعب واستقلال الوطن ، فباعوا النضال والانتفاضة بكراسي السلطة وبطاقات ال ” في آي بي” والأمتيازات المالية العديدة .

وهنا لا بد من الإشارة إلى قضية ومرتكز أساسي وهو ضرورة العودة إلى الأصل والأساس ، العودة لأسس انطلاقة منظمة التحرير ، العودة إلى الشعب بطموحه وأمانيه كي تصبح تلك الفصائل قادرة على ترجمة ما ورد في الميثاق الوطني الفلسطيني وأسس تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية إلى واقع ملموس ورفض كل المحاولات التصفوية ما في ذلك وعلى رأسها الانعتاق من قيود اوسلو … إن كانت أوسلو قيداً … وهي ليست كذلك إلا عند رواد التصفية والمفاوضات .

إن ما تم ذكره يستلزم من قوى اليسار ومعارضي اوسلو جهداً حقيقيا ونضالاً جاداً ضمن تلك الفصائل التي تدعي اليسارية والمعارضة ، فقيادات العديد من تلك الفصائل وبدلاً من تبنيها لقضايا الشعب الفلسطيني وطبقاته المسحوقة ارتضت بما تقدمه لهم السلطة من امتيازات ورواتب ومناصب ووظائف لهم وللمحسوبين عليهم ، فاصبحت البعض من قيادات اليسار وكأنها جزء مكمل لسلطة ارتضت باوسلو قيداً وطريقاً للوصول حيث أن بقاء تلك الفصائل تحت مظلة السلطة وتتحرك بإمرتها يشكل خطراً حقيقياً وكأنها بذلك تقول للعالم أجمع ان السلطة جزء من منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث ان بقاء تلك الفصاائل مع قوى التصفية يضفي شرعية على أعمال تلك القوى وسلطتها وكأنها في ذلك تقول أن هذا ما تريده منظمة التحرير ذات التمثيل الحصري والوحيد للشعب الفلسطيني فسلوك قوى وفصائل اليسار تلك جعل من تغول السلطة على الشارع الفلسطيني أمراً واقعاً وجعلت من السلطة إطاراً معترف به عند العديد من دول العالم فأظهرت ما تطرحه السلطة وكأنه يعبر عن نضال شعب استمر مائة عام .

وعلى الرغم مما حققته المفاوضات بين قيادة السلطة والكيان الصهيوني من فشل ذريع وعلى الرغم من التضخم السرطاني في الاستيطان وفي عدد المستوطنين في الضفة الغربية الذي تجاوز الثلاثة ارباع مليون مستوطن ، وعلى الرغم من كل تصريحات الصهاينة بيمينيهم ويساريهم التي لا تدل إلا على دلالة واضحة بأن لامكان لدولتين بين نهر الأردن والمتوسط وعلى الرغم من الوضوح الكبير في موقف الادارة الأمريكية الجديدة والمتمثل بإسقاط حل الدولتين إلا أن قيادة المنظمة / السلطة مازالت في غيها وسعيها الدؤوب للعودة إلى طاولة المفاوضات كي تستمر اللعبة وتستمر الامتيازات والمناصب والرواتب ..

 

       لقد أثبتت الأحداث والأيام أن المقاومة يمكن أن تنتصر إذا ما التصقت بالجماهير وتبنت قضايا وطموح تلك الجماهير، ولعل ما حدث في غزة وجنوب لبنان وما يحدث في سوريا لأكبر دليل على إمكانية انتصار المقاومة وبرامجها ، وهذا يفرض على فصائل اليسار ومعارضي اوسلو السعي لعقد حوار وطني حقيقي تشارك به كافة قوى اليسار الحقيقي وصولاً لبرنامج وطني يسعى أولاً إلى التحرر من اوسلو ورفض كل ما انبثق عنها وتعرية المتخاذلين وإعادة الروح لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تكاد أن تنتهي حتى لو وصل الأمر إلى الخروج من تحت عباءة قيادة المنظمة الحالية وكشفها وتعريتها حتى يمكن الوصول إلى برنامج حقيقي لمقاومة الاحتلال الصهيوني ورفض ومقاومة نهج اوسلو على قاعدة إعادة اللحمة للشعب الفلسطيني وانهاء الانقسام السياسي بين غزة والضفة الأمر الذي يعمل البعض على تجسيده ليكون واقعاً يتحول معه إلى كيانات هزيلة ضائعة تحت مسمى كيانات فلسطينية لن تخدم في وجودها إلا الكيان الصهيوني .

      

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.