وأوى احمد الدقامسة** الى غرفته
النائب السابق علي السنيد* ( الأردن ) افثنين 6/3/2017 م …
وأوى احمد الدقامسة** الى غرفته …
**جندي أردني قتل مجموعة بنات صهيونيات أثناء خدمته كجندي على الحدود بين الأردن وفلسطين المحتلة ، وحكم عليه بالسجن منذ 17 عاما ، وسيخرج من سجنه بعد فترة قريبة …
*** الأسماء بالبنط العريض لمناضلين سياسيين ونشطاء أمضوا فترات في السجن كموقوفين أو كمحكومين …
عندما اقبل الليل، ولف المهاجع في ظلمته، وأوى بطل الباقورة إلى غرفته، وأغلقت عليه الأبواب الحديدية، وداعب النوم الجفن السجين ، فتلك حكاية من حكايات الحرية، رددها الليل الحزين على جرح فلسطين، وبوابة الشعب الحزين.
في الليلة الأولى حدث السجن احمد الدقامسة عن قصص الذين تركوا فيه سنين العمر على مذبح الوطن، وفسرت له الحيطان بقايا أسمائهم التي نقشوها هناك للأبد، وكلمته الأقفال عن سجناء غرباء قلوبهم مآذن تدق بالحرية، وأسرت له الزوايا عن حكاية الدمعة الحرى التي سكبتها على موعد مع الشوق عين سجين متخف مضى، وترك في السجن حلمه، والدمعة المقتولة تطلع كل يوم في حلق السجانين، فالسجن سجل وطني…..
هناك كان ليث شبيلات منفردا، وتوجان الفيصل، وزكي بني ارشيد ، واحمد عويدي العبادي، وعطا ابو الرشتة، وعلي العتوم، ومحمد أبو فارس، وعلي أبو السكر، ووصفي الرواشدة.
وفي الزاوية البعيدة ما يزال يتردد صوت عكرمة الغرايبة، واحمد الصعوب، وسالم جرادات، وأيمن العتوم، وماجد المجالي، وكامل نصيرات، ومحمد الفقهاء، وضيف الله قبيلات، وهشام الحيصة.
وفي زاوية أخرى يطل خيال ميسرة ملص، وعلاء الفزاع، وفهد الريماوي، وسعود القبيلات، ويوسف غيشان. في كل مكان قصة، وعلى كل حيط نقش وطني.
الأماكن لا تنسى، وهي تحدث عن ساكنيها، هل هي خزانة الحزن الوطني، ام سجل المعذبين؟؟؟
أما الساحة فما زالت تردد أسماء من عذبوا فوقها على خجل، وتعترف بصرخات زياد غزال، ومجاهد محمد طايع. وهناك تلك الشبابيك سودتها قصص من ‘شبحوا’ عليها . وكل بلاطة تحمل قصة معذب، عذبه عذاب شعبه، وعذبه من عذب شعبه، وعذبه نسيان شعبه لعذابه.
والسجن يحكي، ويحكي، وعين الدقامسة كلما حط عليها النوم جاءتها روح سجين سابق تداعب أحلامها، وتقرأ عليه السجل الوطني منذ أول الوطن، فالسجن سجل وطني، ارواح السجناء فيه حرة تحلق في سماء الوطن الابهى.
العذابات في السجن لا تموت.. لأنها صارت من الأملاك الوطنية، والسجان، والقفل، والكلبشات، وموعد الزيارة، ووقت التفتيش، والغرفة، والشاويش، والبربيش، ودمعة الأم، ، والابن، والأخ، والوالد، والزوجة، والاحتقار، والأمراض المعدية، والغرف التي تنظفها دموع المساجين، ووقت الغروب، وقطع الكهرباء، وهبوط الليل على جدران المعتقل، والنجمة التي لمعت من السماء، وتراءت من طاقة الباب الحديدي، وهمسها للسجين أن روحه حرة. حقا ‘إن كل ثانية أخذت من عمر صاحب رأي’ هي أمانة في عنق الأردن.
كل شيء يحدث احمد عن نفسه، وكل دمعة تدله على مكانها، وكل صرخة تزور الدقامسة، وما تزال تحمل هم صاحبها، وتعلن أن عمر السجناء لم يذهب هدرا، وانه في ذمة الشعب.
و الدقامسة يحط في كل مكان، وفي كل الإرجاء، وتحمل الأماكن عطره، والباقورة التي نقشها على جدار القلب ما زالت على الجدار.
من بعيد يلوح مجلس ليث الذي جلس فيه وحيدا، بقي وحيدا، وجريدته التي قرأها ذات يوم ربيعي في الشمس أمام الزنزانة ‘ها’ ما زالت تقرأ نفسها. حقا إن عمر السجناء لم يذهب هدرا.
حنت الجدران على أصحابها ، والأقفال والشبابيك تحمل أثار من كانوا بها يعدون أيامهم، يرسمون بالوقت، والهم، والحزن المستقبل المفقود، هكذا حدث السجن الدقامسة في لياليه المالحة.
وفي اليوم الثاني أغمض الدقامسة عينيه على الجرح، وأوى إلى النوم متعبا، وهو الذي يحمل فوق عمره المتعب عشرين عاما من السجن مضت في عمر الوطن الاردني، من الأقفال، والأبواب الحديدية، والجدران، والنجمة التي لمعت من طاقة الباب الحديدي، وكل السنوات السجينة لسجناء مضوا تحيط بغرفته، وتحميه من أصوات الغدر السياسي الذي كتب بيد صهيونية، ومضت الأيام تسجن احمد، واحمد يسجن السجن، وباقورته الشهيرة التي نقشها على جدار الوطن تنتصب و لا تكف عن تحدي الصهاينة، وتؤكد ان الدم العربي لا يمكن ان يصبح ماءا.
وكل يوم يأتي محملا بالصمت، والعار من يسجن من؟؟؟، واحمد يكتب قصة الفداء لعيون فلسطين، وأغنية للوطن لا تموت..
في معركة يربحها الجسد… وفي ساعة رهيبة يلتحم فيها النضال بايام العمر الهارب من سجن الجسد، ما زال احمد الدقامسة يحمل سيفا لكل معاركنا، ما زال يتمرد فينا مقاومة جريئة برغم اكاذيب السلام..
واليوم يطلع احمد من كل الحارات، ومن الأزقة، والدواوير، ومن الأرياف والمحافظات. فأحمد ليس عابرا أو محطة غضب مؤقت، إنما هو قضية شعب تهافت الصهاينة على دمه، واقتسموا على التوالي مأساة روحه المحطمة.
وأوى احمد إلى غرفته.
يقولون أن أغنية الحرية ظلت تنطلق من غرفته عبر نوافذ السجن لعشرين عاما، ويسمعها كل السجناء، وان القمر ما فتئ يلقي عليه مسحة من النور، والضياء.
غنت معه الصحراء… يا ظلام السجن خيم خيم. ولذا نمت أزاهير الحرية على الطرقات. الكل يؤكد انه سمع الأغنية، وان زهرة في داخله نمت اثر ذلك، وانها تمايلت على وقع فلسطين…..
ارجع يا ابا سيف فقد انتهى بك المشوار، واشتاقت لك الديار، ارجع فالطعنة لا يمكن أن تقتل وطنا مات كثيرا.
إياك أن تتذكر القيود، ارمها عند بوابة السجن، فلا غرفة التوقيف باقية، ولا زرد السلاسل…
* الكاتب سجين سياسي سابق
التعليقات مغلقة.