مغنّية هابطة وسُلطة قامعة

فاطمة عبدالله ( لبنان ) الإثنين 6/3/2017 م …

مغنّية هابطة وسُلطة قامعة

أسوأ من كليب يستميت على الضجيج، قرارُ منعه بعد ساعات على انتشاره، وأسوأ من المشهدين، تواطؤ الجمهور مع قمع السلطة. فجأة، بتّت الدولة بقرار يحمل في طياته سوء فهم زمن الملتي-ميديا: غرامة بخمسين مليون ليرة لمن يساهم في نشره عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل! السلطة هنا في ذروة هشاشتها، وإن تراءت لشريحة جماهيرية عريضة بأنّها

قوية، حاسمة، يدها من حديد. ترتعد أمام كليب لمؤديّة استهلكت المنطق الاستفزازي بحثاً عن شهرة بحجم فقاعة، فراحت، على الفور، تنال ضجيجاً مشتهى، بمنحها ضوءاً لم يكن ليحققه كليب لو لم يُمنع.

ليست المرة الأولى التي تفرز فيها ميريام #كلينك مضموناً مستواه صفر يثرثر الجمهور حوله ثم يهمد. اختلف الأمر بالاستنفار المفاجئ للرقيب وتحرّكه بسرعة مستغربة، مبتكراً قراراً أظهره خارج الزمن، فيما يتّخذ التحرّك لبتّ ملفات حياتية، كالغلاء الجنوني والموت أمامالمستشفيات، الإيقاع السلحفاتي. كيف يغرَّم ناشط عبر ‘فايسبوك’، مغرّد عبر ‘تويتر’، باحث عن وقت ضائع عبر ‘يوتيوب’؟ 50 مليون ليرة؟’لول’. القمع السلطوي اللبناني يبلغ أمجاده!

فلنوضح للمتسارعين في تفسير المعاني وفق المزاج: هذا ليس دفاعاً عن مؤدّية هابطة ولا عن كليب رخيص. الجوهر أعمق من التفصيل. المسألة في استسهال السلطة اللبنانية زرع الخوف في نفوس الأفراد. ‘لا تشيّروه وإلا 50 مليون ليرة!’. المسألة في إعجابها بدور المقصّ والاستسلام له. وفي صوغ تعريف آخر لمفهوم الأولويات. هل هي فيديو كليب أم عيش كريم؟ هل هي رأي عبر السوشال ميديا أم مأساة السير والنفايات والاغتصاب والمحاصصة والمذهبية والكراهية؟ انشغال السلطة بكليب تافه، يحضّ المرء على الضحك. مَن منح الكليب انتشاره؟ مَن جعله ‘قضية’؟ أليس هم أنفسهم الذين شاهدوه ونشروه وربما ابتسموا له قبل أن يشتموه ويهلّلوا لتوتاليتاريا المنع؟ الجماهير غريبة الأطوار. تُجاري غالباً جوّ الموجة، تمتصّ الخطاب العام وتتحوّل قبضات مرفوعة في نُصرته.

تطفح الشاشات بانحطاط كانحطاط الكليب الممنوع، يفوقه أحياناً دناءة وخبثاً. لكنّ الموجة رأت في الانقضاض عليه واجباً قومياً لا تستقيم الأخلاق من دونه. في ‘نقشت’ (البرنامج الضجّة الذي نسيته الجماهير بعد الموجة)، تأسفنا لما قد يبدو دفاعاً عن نوعية تلفزيونية فارغة، لاستشرافنا أنّ شهية الرقابة مفتوحة. تتسلّى بمقصّها من دون إدراك أخطاره. أمام الكليب الممنوع، تتكرّر الإشكالية، وهي في النهاية إشكالية العلاقة بين اضطراب المواطن وتخلُّف السلطة. التمادي برفع المقصّ، يُبيّن المتلقّي غبياً، عاجزاً أمام خياراته، مسلوب الرأي والوعي. إلا إن كانت النيات خلق جمهور يفكّر بطريقة واحدة ويكتب بطريقة واحدة ويتلقّى الفعل بردود واحدة. جمهور يرفع منع فيديو كليب إلى مرتبة القضايا الكبرى، مقدّماً لحكّامه خدمة التلهّي بأيّ شيء يحول دون فضحهم وسوقهم إلى المحاسبة.

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

النهار.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.