سورية…تركيا واللعب في النار / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي* ( سورية ) الثلاثاء 24/2/2015 م …

** مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق

في وقت سابق كانت تركيا تتدخل بعمق في مفردات الصراع في سورية لكنها اليوم وبعد سيطرة داعش على بعض  المناطق السورية، ثبت أن تركيا لاعب أساسي من وراء  الأستار والحدود تتلاعب بالأحداث وتغير من وهجها هنا وهناك، وهي لكي تبعد الأنظار عنها، تعمل بكل ما تملك من خبرة ودهاء على خلط الأوراق بين الساحات لكي يخلوا لها الجو في الهيمنة على  سورية والتحكم بمقدراتها، في إطار ذلك ليس هناك سياسة تركية واحدة تجاه دول المنطقة بل سياسات متعدّدة وذلك تبعاً لمصالحها، ولم يعد سراً على الإطلاق أن تركيا دعمت وأرسلت المسلّحين المتطرفين إلى سورية، بهدف إسقاط الرئيس الأسد ولتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية في المنطقة.

تبدو تركيا اليوم الدولة الوحيدة التي راكمت إنجازات على صعيد علاقتها بالمجموعات المتطرفة وفصائل المعارضة السورية، إذ شهدت قطر والسعودية نكسات على صعيد المجموعات التي ترعاها، وحدها أنقرة حافظت على مستوى العلاقات التصاعدية مع الفصائل المختلفة، لتتوجها بعملية نقل رفات سليمان شاه  من دون أي طلقة رصاص، في عمق الأراضي السورية وهذه العملية السلسة جاءت نتيجة تحالفات وتقاطعات عملت عليها أنقرة مع القوة الكردية وتنظيم داعش، فليس من باب الصدفة أن تقوم تركيا في هذا الوقت بنقل الضريح من داخل الأراضي السورية إلى مكان آخر، ولعله أيضاً ليس العمل الإستفزازي الأول الذي تقوم به تركيا تجاه سورية، فسبق لها أن أعلنت أكثر من مرة عن إستعدادها للتدخل عسكرياً، وإقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي في الشمال السوري من خلال دعمها لتنظيم داعش، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل هذه العملية  تشكل تمهيداً لتدخل عسكري تركي في الشأن السوري، أم أنه بالون إختبار تقوم به تركيا لرصد ردود الأفعال الدولية تجاه ذلك ؟ .

أنقرة اليوم على رأس قائمة الحكومات المتّهمة بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة المتواجدة على الأراضي السورية، عبر سماحها بعبور آلاف المقاتلين الأجانب أراضيها باتجاه سورية للإنضمام إلى تلك التنظيمات المصنّفة كتنظيمات إرهابية، وهو ما عرّض الحكومة التركية للإنتقاد العلني أكثر من مرة، وخصوصاً من قبل المستشارة الألمانية ميركل، عندما إعتبرت في تصريح أن “تركيا تمثل محطة ترانزيت لتدفق مقاتلي داعش إلى سورية”، الأمر الذي لم تتوقف الحكومة التركية عن نفيه، ورفضه الرئيس أردوغان مراراً، وعبّر عن ذلك بشكل واضح بقوله، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، “أنه جرى ترحيل ألف مقاتل أجنبي حاولوا الإلتحاق بتلك الجماعات”، والرقم الذي أعلنه اردوغان هزيل مقارنة بما كشفته بعض الصحف الأمريكية مؤخراً عن بلوغ عدد العناصر الأجنبية المنضمة إلىداعش لوحده أكثر من 20 ألف عنصر، ويدلّ أيضاً على إستمرار عبور المقاتلين الأجانب عبر تركيا بعد نفي الحكومة والرئيس لتلك الظاهرة، ومن جانب آخر، لم تبدأ الحكومة التركية بمنع وصول المقاتلين الأجانب عبر أراضيها إلا بعد ضغوط أميركية ودولية، وتجلت تلك الضغوط في قراريّ مجلس الأمن الدولي 2170 و2178 الملزمين وأحكامهما المتعلقة بمكافحة تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب.

هنا يمكنني القول إن إسنغلال تركيا قضية قبر سليمان شاه الموجود قرب حلب، للتدخل هناك بقوة عسكرية كبيرة، تبدو في ظاهرها لنقل الضريح ذي الأهمية التاريخية لتركيا، وتحمل في باطنها رسائل عن قدرة الجيش التركي على التدخل برياً في سورية، كما تندرج في كونها جس نبض لما يمكن أن يقوم به الجيش التركي في حال أي تدخل مستقبلي في سورية، وبالتالي إن هذا الإجراء التركي هو مناورة سياسية من قبل تركيا لإشغال المجتمع الدولي بهذا الأمر، وقطع الطريق على التقدم الذي يحرزه الجيش السوري في مختلف المناطق السورية، إذ أن التدخل التركي في سورية هو طموح أنقرة، لكن هذا الطموح محفوف ومليء بالمخاطر الإقليمية لأن إيران لن توافق تركيا على التدخل المباشر في سورية ويجب أن تضع في حساباتها أنها تخوض حرباً مع جبهة المقاومة كما هي اسرائيل الآن، وهذا ما يؤشر الى أن المعارك في سورية تتصاعد وستأخذ أشكالاً كبيرة من العنف، كما سيتوسع التوتر ليشمل العلاقات الروسية التركية بعد فشل كل الإتصالات الروسية لاقناع أنقرة بتليين موقفها من سورية، لا شك أن العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري وحلفاؤه في محافظة حلب في الشمال هي بالغة الأهمية من حيث توقيتها، لاسيما أنها أتت بالتزامن مع المعارك الطاحنة التي تشنها القوات المسلحة في الجنوب، رغم إختلاف الأهداف بين الجبهتين، إلا أنها تؤكد على جهوزية الجيش السوري للتحرك على مختلف الأراضي السورية، وتدحض كل الأقاويل التي تتحدث عن إستنزافه بعد مضي سنوات عديدة على بدء الأزمة.

 

لنكن أكثر صراحة ووضوحاً إن تركيا تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، وأمريكا كعادتها دائماً تهرب من المنطقة إذا وجدت إن الخسارة كبيرة، هكذا فعلت في الصومال والعراق، وهكذا ستفعل في سورية، والمأمول آن تدرك القيادة التركية حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع  السوري.

لذلك لا بد لتركيا بدلاً من اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها، وبدلاً من التخطيط للقيام بعملية عسكرية متهورة وغير محسوبة النتائج، ستكون نتائجها كارثية على المنطقة برمتها وستؤدي الى إرتكاب مجازر جديدة بحق أبناء المنطقة، أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات، وأن تجنح الى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا اليها الحكومة السورية بإستمرار والجلوس الى طاولة المفاوضات لإيجاد الحلول السياسية العادلة لكافة المشاكل عن طريق الحوار المباشر، الهادف والبناء االذي يخدم المصالح المشتركة لجميع الأطراف ويحفظ جميع حقوقهم.

وأختم مقالي بالقول إن المنطقة مقبلة على تحولات وأزمات خطيرة، لأن إيران لن تسمح لتركيا بالدخول إلى سورية مهما كلف الأمر، فالتوتر بين طهران وأنقرة وصل ذروته في الأيام الأخيرة لدرجة أن طهران هددت بقصف أي قوات تركية تجتاز الحدود مع سورية مستندة الى دعم روسي، بينما يستعد النظام السوري لإستخدام أسلحته الصاروخية ضد أي قوات برية تعبر حدوده، وكذلك فإن روسيا هي الأخرى ستبذل كل ما بوسعها لدعم النظام السوري بالأسلحة والعتاد،  وبإختصار شديد يمكن القول إن الحقبة القادمة ستكون إيرانية بإمتياز، هذا رغم مخاوف أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة خاصة السعودية وإسرائيل، وفي تقديري أن هذا العام  سيشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.