الأسد يصدم أوباما بتحرير حلب , ويفاجئ ترامب بتحرير تدمر

 

ميشيل كلاغاصي ( الأربعاء ) 8/3/2017 م …

الأسد يصدم أوباما بتحرير حلب , ويفاجئ ترامب بتحرير تدمر

سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ ترشحه وحتى ما بعد فوزه , إلى نسف كل ما التزمت به إدارة أوباما , – ولو ظاهريا ً- وحرص على التحرك داخليا ً وخارجيا ً وفق ضبابية متعمدة تشمل مواقف إدارته من كافة الملفات والصراعات , بما فيها الحرب الكونية-الإرهابية في سورية وعلى سورية , وفسح المجال للتوقعات والتحليلات والحسابات التائهة , ودفع بحلفاء الولايات المتحدة وشركائها وأدواتها وحتى أعدائها , لإطلاق تساؤلاتهم وعنان أوهامهم أو لإستعراض عضلاتهم وإمكانياتهم , وتقديم أوراق إعتمادهم من جديد كمستحقين لثقته , أو لإجتذابه نحو التفاوض معهم.

بعدما أكد شهادة المنشأ الأمريكية لتنظيم “داعش” الإرهابي على يد أسلافه , ووجّه كل اللوم نحو الرئيس أوباما الذي ” ترك الفوضى داخل الولايات وخارجها” – بحسب الرئيس ترامب , وكرر تهديداته بسحق “داعش” , وطالب بخطط ٍ عاجلة للقضاء عليه , وألقى ب ” قنبلة ” تأييده إقامة ” المناطق الاّمنة ” في الشمال السوري , فدبّ الحماس في أنقرة والرياض, وفي أوصال المعارضات السورية ومنصاتها وإرهابييها , وفتح شهيتهم للتحرك السياسي والميداني , ما انعكس على أجندة المبعوث المنحاز أصلا ً ضد الدولة والشعب السوري , وأسرع بالضوء الأخضر الأمريكي , في محاولة ٍ لنسف نتائج لقائي الأستانة , عبر نسخة ٍ رابعة لمؤتمر جنيف , و بسقفٍ هشٍ منخفض التوقعات سلفا ً, على وقع التفجيرات الإرهابية في مدينة حمص , على غرار الجنيفات السابقة , بالتوازي مع تقديم المشاريع الغربية الخبيثة , بهدف إدانة الدولة السورية بإستخدام السلاح الكيماوي في حلب وغير مكان , دون أدلة و براهين , بعيدا ُ عن الحقيقة و المهنية والواقعية, وبما يضمن التغطية على مستخدميه الحقيقيين في “جبهة النصرة” , وبفرض المزيد من العقوبات على الدولة والشعب السوري , بالتوازي مع سير المباحثات بما يضمن زيادة الضغط على الوفد الرسمي و محاولة إرباكه , فإعتمد المبعوث على أجندة غير مقنعة في الشكل والمضمون , وبدا هزيلا ً في كافة التحضيرات , وتجاوز بعض الأعراف الدبلوماسية , وأطلق أجندته ورقته ووثيقته في سلال ثلاث , تجاهل فيها محاربة الإرهاب بشكل غريب , تماهيا ً مع موقف منصة الرياض التي حاولت الهيمنة و إبتلاع باقي المنصات والوفود , بدا وفيا ً للإرهابيين أكثر من وفائه للحياد والمهنية وجوهر مهمته , وبدا كمن ينصب الفخاخ , و يبحث عمن يُفشل المؤتمر, وحاول أن تكون سوريا هي ذاك الطرف المعرقل والرافض للحل السياسي , أراد تمديد مهمته , وسعى إلى تجزئة جنيف الرابع إلى جولتان , بما يعزز فرص التمديد, هذا من جهة , ومن جهة ٍ أخرى استغل مشغلوه الزمن المهدور في عشرات اللقاءات بين الوفود , كإستغلالهم للهدن سابقا ً في إعادة التموضع و التسليح , وفي إتمام دمج وتشكيل المجموعات الإرهابية وفق التسميات الوليدة والجديدة, وسط تتويج الإرهاب بأوسكار ٍ وقح على يد مانحيه ولمن تقلّده , ووسط فيتو الحليفين الروسي والصيني المتوقع والمعلن عنه سلفا ً من قبل الروس أنفسهم , وإصرار مقدميه اللذين يكمنون لما هو أبعد من الوقت الحالي في استهداف روسيا , و نيتهم القضاء على حق الفيتو وإلغائه , عبر تمييعه من خلال عدد مرات و خصوصية استخدامه ضد مشاريعهم ومصالحهم المشبوهة في مجلس الأمن.

لم تتأخر الدولتان الروسية و الإيرانية , في تعزيز دعم الحوارات , بعدما تكشّفت نوايا المبعوث.. كذلك نجحت الدبلوماسية السورية في إحراج المبعوث وإفشال مخططه , وفي تفادي الوقوع في فخ الإنسحاب أو التعطيل الذي لم ولن يكون يوما ً مدرجا ًعلى قائمة أدبياتها وسلوكياتها الدبلوماسية , وسعيها الدائم لإنجاح الحوار الذي دعت إليه منذ اليوم الأول للحرب على سوريا , فوافقت على طرح المبعوث وسلاله الثلاثة المنبثقة عن القرار 2254, وطرحت ضم سلة ٍ رابعة عنوانها محاربة الإرهاب , بالتوازي والتساوي مع السلال الثلاث , بالإستناد إلى القرار الأممي ذاته , والذي نصّ صراحة ً على ضرورة مكافحة الإرهاب , والذي كان قد أعلنه ديمستورا أساسا ً للتفاوض , الأمر الذي حظي بموافقة منصتي موسكو والقاهرة , و أعاد بذلك وفد الدولة السورية الكرة إلى ملعب منصة الرياض التي تبدو عاجزة عن رفضه أوحتى على السير فيه .

لا شك بأنه نصرٌ سياسي يُضاف إلى ذاك النصر الميداني الذي وصلت أصداؤه إلى جنيف و كافة أصقاع العالم , والذي زف فيه بيان القيادة العامة للجيش و القوات المسلحة للدولة السورية نبأ تحرير مدينة تدمر الأثرية التاريخية من براثن تنظيم “داعش” الإرهابي , مفجرا ً بذلك زلزاله الثاني بعد تحرير حلب , مبشرا ً لما هو اّت ٍ من إنتصارات ميدانية قادرة على حسم المعركة سواء مع الإرهابيين أنفسهم أو مع أي قوات غازية و محتلة متواجدة على الأرض السورية و تحت أي عنوان.

كان لا بد أن يستفيق المبعوث من سبات ٍ قارب مدة عام ٍ كامل فصل بين نسختي جنيف الثالثة والرابعة , بإنتظار إستلاب مدينة حلب و إكمال إحتلالها إرهابيا ً , بما يضمن تقسيم سوريا , لكنه استفاق على رحيل الإدارة الأمريكية السابقة وعلى صدمة تحرير حلب , بعدما حاول فعل المستحيل لتفادي خروج الإرهابيين منها , لكنه إستسلم ورضخ وخشي من تكرار المشهد في إدلب وغير مكان .

كما أنه لم يعد خافيا ً على أحد إعتماد الإدارة الأمريكية كقائد أعلى لكافة التنظيمات الإرهابية و التحركات السياسية المرافقة في الحرب على سوريا , على عامل الوقت وإطالة زمن الحرب , وكانت قد حدثتنا عن ثلاثون عاما ً للقتال , وعملوا على إضاعة كافة الجهود الدولية بعد استنزاف الأسابيع والأشهر وحتى السنوات , إذ أضاع جون كيري عاما ً كاملا ً في اللعب على فصل التنظيمات الإرهابية عن المسلحة “المعتدلة”, وأضاع ما فيه الكفاية من زمن اللقاءات و الإتصالات الهاتفية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف , فيما دعي بالإتفاق الروسي – الأمريكي , و اليوم يأتي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب , ليلعب على نفس الوتر , في محاولة منه لوقف الزمن وليس استغلاله فقط , فكانت الضبابية وعدم وضوح تحركاته وسياسات إدارته تجاه كافة ملفات الصراعات المفتوحة في سوريا و العراق واليمن والإقليم والعالم , وجاءت وعود كبير مستشاريه كإبر التخدير الخاصة بتجميد الملعب واللاعبين وعقارب الزمن تسعة وتسعون يوما ً بإنتظار” المفاجئة ” ؟, كما حاولت إدارته استخدام ذرائع و أضاليل تبرير غيابها عن ساحات اللقاءات في الأستانة وجولة جنيف الرابعة , في وقتٍ باتت تحتاج فيه لمن يصدق غيابها وخداعها !.

ومع إدراك القيادة السورية النوايا الأمريكية واستراتيجيتها القائمة على استهلاك الوقت و إطالة زمن الحرب , واستنزاف الدولة السورية وحلفائها أيضا ً, إلاّ أنها مارست صبرا ً نوعيا ً غير مسبوق , تزامن مع حسابات وتحركات دقيقة أفشلت من خلالها كافة المخططات, وحافظت على هدوئها وإتزان تحركاتها السياسية و الميدانية ووفق جدول أولوياتها , و اختارت بعناية فائقة توقيت ضرباتها القاضية الموجعة لمدير جوقة العدوان على سوريا , ولأذرعه الإرهابية , فكان تحرير حلب زلزالها الأول الذي دقّ المسمار الأخير في نعش إدارة الرئيس أوباما , فيما جاء زلزالها الثاني عبر تحرير تدمر و مطارها العسكري , بمثابة الصدمة الكهربائية التحريضية , والتي ستجبر الرئيس ترامب على تسريع تخليه عن استراتيجية الضباب , ومواجهة الواقع الميداني بعيدا ً عن ” فكرة ” المناطق الأمنة ” التي أطلقها , و لتحريض إدراكه بأن الرئيس الأسد قد أضاف مدينتي حلب و تدمر إلى لائحة المناطق الاّمنة – سوريا ً- على طريق تحويل كل سوريا إلى وطن اّمن.

لقد بات من الواضح أن إنتصارات الجيش وتحرير مدينتي حلب وتدمر يستدعي تحرير جنيف , فالحرب على سوريا انتهت عسكريا والنصر السياسي يبدو نتيجة طبيعية , بعد أن أضافت جملة الإنتصارات السلة الرابعة لمكافحة الإرهاب إلى قائمة سلال المبعوث ديمستورا , وأسقطت الكثير من البنود والمنصات الحاقدة , وأسقطت معها عشرات الساسة و قادة الحرب الظالمة , ولن يكون الرئيس باراك أوباما اّخر “الساقطين”.

وآن الأوان لتخاطب حلب و تدمر مؤتمر جنيف ومبعوثه , لتقول حان وقت الوداع , فليرحل ستيفان ديمستورا بعد أن أحال الدكتور بشار الجعفري مستقبل الميسر والمبعوث إلى التقاعد , و ليصطحب معه نصف المعارضات , ونصف من صاغوا القرارات , وأن يترّحم على نصف ساسة العالم , و من سيرحلون ؟.. وتبقى العبرة لمن يعتبر , فسوريا وطن ما خُلق ليُهزم .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.